فقد تذكرت كلام فردوس و وجدت انها هنا تستطيع ان تحقق احلامها و لا ان تكون اكتشافاتها حبيسة طاولة دراستها، كانت تخطط في عقلها و ايضاً في عقلها وجدت ان خطتها ناجحه بنسبة فوق الممتازة، لا يمكن ان يقف شئ في وجه نجمة الآن و هي تخطط.
و اخيراً وصلتا للسوق، بالطبع كان مبهراً و تغطى من الجانبيين من الأعلى بما يشهبه الأقمشة ليقي الناس من أشعة الشمس، كان السوق بالنسبة لنجمة عالم آخر فقد كانت ترى الكثير من الناس و تسمع الكثير من اللكنات و تشتم الكثير من الروائح المختلفة و لكن اختلاط رائحة القهوة بالعطور كانت هي المزيج الذي أسكر عقلها، فتبضعت مع ماجدة للمنزل من خضار و فواكه و أرز و لحوم استطاعت ان تفهم الطريقة التي يجب ان يتم بها الشراء، فلم يكن عليها ان تشتري من اول محل تصادفه انما يجب ان تسألن عن الأسعار كل يوم وفي أكثر من محل و تتأكد من جودة البضاعة، و من هنا أدركت نجمة ان مهمتها لم تكن سهلة ابداً.
" بكم الطماطم يا سيدي؟!" سألت السيدة ماجدة احد الباعة
" الخمس حبات بثلاث قروش" قال البائع
"ماذا و لكن المحل الآخر يبيعها بقرشان و نصف" قالت السيدة ماجدة بإعتراض
"أجل و لكن بضاعتي جودتها أعلى كما انني اتكبد العناء لأجعلها محفوظة من ان تتلف" قال الرجل
و الذي بالفعل لاحظت نجمة ان بضاعته نظيفة.
"حسناً أعطني خمس حبات" قالت السيدة ماجدة
لم تفهم نجمة لماذا لم تشتري السيدة ماجدة الأرخص مع انها كانت تسأل عن الأسعار بإستمرار.
"لماذا لم تشتري الطماطم الرخيصة سيدة ماجدة؟!" سألت نجمة
"لأنني لا أبحث عن الأرخص فقط و لكن عن الجودة ايضاً فوجدت ان جودته جيدة و سعره مناسب، اما البقية سعره منخفض و قديم او سعره عالي و جيد" قالت السيدة ماجدة مفسرة و اضافت:" يبدو انني لن أحتاج لأعلمكِ الكثير تبديين من النوع الذي يتعلم بسرعة" قالت السيدة ماجدة بفخر
"من هنا سوق الملابس ان احببتي" قالت السيدة ماجدة
"لا تقلقي بهذا الشأن يا سيدة ماجدة" قالت نجمة بسرعة و أكملت:" لنعد للمنزل لدي الكثير من الأعمال فيما بعد، علي ان اعد العشاء لوالدي و انظف المنزل وجدت ان الغبار سكنه في فترة غياب ابي"
"ما دام الأمر كذلك اذاً هيا بنا، فسوف ندخل على المغرب قريباً" قالت السيدة ماجدة
عادتا للمنزل و ساعدت السيدة ماجدة نجمة قليلاً بترتيب الأشياء و ارشدتها على أماكن الأشياء كما انها نصحتها بطريقة القيام ببعض الأشياء بدت نجمة جادة تماماً و تريد ان تتعلم، لأنها شعرت ان هذا واجبها من الآن فصاعداً.
" غداً سأدعوا الجارات لمنزلك لتناول قهوة العصرية تأكدي من ان تكوني جاهزة لذلك" قالت السيدة ماجدة و اضافت:" فضولهن يقتلهن ليتعرفن على ابنة القاضي الغامضة"
خرجت السيدة ماجدة بعدما ودعت نجمة، نظرت نجمة حولها شعرت بأنها أمام عمل كبير فعلاً فهي يجب ان تعتني بوالدها و تحقق أحلامها، و لكنها يجب ان توقف دراستها ليوميين فقط لتستقر و تتعرف على المدينة و تنظم وقتها بشكل مناسب.
بدأت على الفور بكنس المنزل و تنظيفه و لم تكن بالمهمة الصعبة فحتى كنس السطح و تنظيفه بالماء لم يكن صعباً، و كان من حظ نجمة انها وجدت كراسي قديمة في المخزن مع طاولة، و قررت ان تستغلها و تضعها في السطح بعد تنظيفها، أجمل ما في الأمر انها حينما خرجت للسطح كان بإمكانها ان تستمع لنداء الأذان من أكثر من مأذنة و هذا جعل روحها تطفو و أشعرها براحة فضيعة.
و بعدما فرغت من صلاة المغرب عادت لتطهو العشاء كان معها كتاب فيه وصفات طعام فإختارت ان تعد لحم الضأن الليلة لم تكن مهمة سهلة كونها مبتدئة في الطهي و لكن كانت تريد ان تثبت لوالدها انها تستطيع ان تفعل كل ذلك و ليس عليه ان يقلق عليها من الآن فصاعداً.
فيوم واحد أشعر نجمة انها مقصره في حق أبيها، فحتى ان كانت مدللله فقد كانت تحب
أبيها بشدة.
بينما هي سارحة بينها وبين نفسها، اشتمت رائحة حرق من المطبخ هرعت بسرعة للمطبخ فوجدت أن اللحم قد طُبِخَ أكثر من اللازم.
"ما هذا؟!" صرخت نجمة بإستياء و اصافت بغضب:" تباً لكَ يا لحم الضأن"
راحت تحاول تحسينه، فتذوقت منه قليلاً و هي تقطعه لشرائح، و قالت بفخر:" على الأقل طعمه مقبول بالنسبة للمرة الأولى أحسنتِ يا نجمة"و أكملت مادحتاً نفسها:" كم انتِ مبدعة و رائعة يا فتاة"
راحت نجمة تجهز المائدة الخارجية، فلو كانت نجمة تتقن شيئاً غير الفلك و العلوم فهي تتقن تنسيق المائدة فقد كان هذا اقصى ما سمحت به فردوس لنجمة لتضع يدها فيه.
"لقد عدت" نادى السيد الجمال و هو عند الباب.
"أهلاً بعودتك" أجابت نجمة بنبرة مشابهة
"كيف كان يومكِ يا عزيزتي؟!" سألها والدها
"لأول يومٌ لي هنا، كان مليئاً بالمهام" قالت نجمة بمرح و اكملت:" كيف كان يومك انت؟!"
"ملئ بالنشاط أيضاً" قال والدها و هو يخفي تعبه، و اكمل:" اني اشتم رائحة جيدة، ماذا طهت لنا نجمة؟!"
"طهت لحم ضأن لذيذ سيغدو المرء سعيداً ابد الدهر ان ذاق لقمتاً منه" قالت بفخر و أضافت:" بالطبع سيغدو لذيذاً فقد كان له نصيب من لمسة نجمة السحرية"
"حسناً لنذق لحم ضأنكِ السحري" قال والدها و هو يجلس على المائدة
"انتظر!" قالت نجمة بحزم
"ماذا؟!"سأل والدها
" اولاً اذهب لتغسل يدك" قالت نجمة
بالطبع كل ما كانت تطبقه فردوس على نجمة راحت نجمة تطبقه على والدها
"حاضر يا سيدتي" قال والدها بمرح
بعدما فرغ من غسل يديه راحا يتناولان طعام العشاء، راحت نجمة ترمق والدها و هو يناول طعامه بهدوء
"ماذا!؟" قلت نجمة بحما و عيناها قد اتسعتا
"ماذا تقصدين؟!" سأل والدها بإستغراب
"اقصد طعمه كيف هو؟!" سألت
"اوه اجل إنه جيد" قال والدها
"جيد فقط" قالت نجمة بخيبة
"جيد لأول مرة" قال والدها
راحت تنظر إليه بشئ من خيبة الأمل فقد كانت تعتقد انها اخترعت شيئاً عظيماً بينما كل ما قامت به هو انها صنعت ما تصنعه اي فتاة عادية في سنها.
ذهبت نجمة للنوم و هي تحلم بغدٍ أفضل، في الصباح بعدما اعدت الفطور لوالدها و الذي كان اسهل من العشاء فمكوناته ابسط، ودعت والدها، و بمجرد خروجه ، اتجهت لسوق الملابس ، فكان من نصيبها اربع بلات جديدة، و بعض الحلي .
و بعدها توقفت عند احدى المحلات
"السلام عليكم" قالت نجمة
"و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته" قال البائع بترحيب و اكمل:" كيف أخدمكِ يا آنسة"
"أريد بعض الملابس لأخي الصغير" قالت نجمة بكذب
"اوه و كم عمر أخيكِ؟!" سأل البائع
"انه في الخامسة عشر من عمره يا سيدي" قالت نجمة و أكملت:" اريد شيئاً يناسب عمره" قالت بحماس
و بكل دقة اختارت بعض الملابس ودعت البائع بعدما دفعت حق ما اشترته و مباشرتاً تبضعت لطعام الغداء و العشاء.
و فور عودتها للمنزل انزلت ما اشترته من ثياب في غرفتها و اتجهت مباشرتاً للمطبخ، راحت تجهز أولاً لطعام الغداء فوالدها كان سيعود للمنزل ليتناول الغداء و يرتاح بعد ان يفرغ من صلاة الظهر، فإختارت ان تعد له يخنة اللحم المفروم مع البطاطس و الخبز و الذي اشترته حديثاً من عند الخباز، وجدت بأن مهمتها كانت اسهل من البارحة، اعدت الغداء و عكفت على ان تعد طبق حلى للجارات اللتين من المفترض ان تزرنها اليوم، فراحت تحاول ان تعد المهلبية بماء الورد، راحت تأخذ الأمر على محمل الجد، فقد كان وجود الجارات هو جزء من خطتها، فنجمة لم تكن يوماً اجتماعية او غاوية للثرثرة و لكن هذا كان غطاء لتكون خطتها محكمة أكثر.
و على الضهر عاد والدها من العمل لتناول الغداء و بعدها كان يجب ان يعود لمباشرة عمله.
"ان الطعام اليوم الذ من البارحة" قال والدها بفخر
"حقاً" قالت نجمة بسعادة
"أجل"
"أبي هل تتذوق المهلبية التي اعددتها!؟، انها لذيذة لدرجة انك ستشعر كما لو انك في بستان ملئ بالورود" قالت نجمة بفخر
"مهلبية!؟" سأل والدها بإستغراب
"أجل لقد دعوت الجارات لزيارتي" قالت نجمة بسرعة
"حقاً؟" قال والدها و هو يرمقها بتعجب
"ماذا!؟" قالت نجمة بإنزعاج و اكملت:" انني احاول ان اتغير يا ابي و هل هذا غريب"
"في الحقيقة أجل" قال والدها و هو يرمقها
" هل الغي الزيارة؟!" قالت نجمة بإعتراض
"انني فقط متعجب كيف يمكن ان يتغير المرء في يومٍ و ليلة" و قال والدها
"سبحان الذي يغير و لا يتغير فقط ادعوا الله ان يسدد خطاي" قال نجمة بإعتراض
"حسناً حسناً لا داعي للإنفعال أين المهلبية؟!" قال والدها بسرعه
بسرعة وقفت نجمة و على وجهها إبتسامة عريضة أعرض من أسوار المدينة، و ناحية المطبخ ركضت و حملت الطبق لوالدها.
راح والدها يتناول اللقمة الأولى
"كيف هو طعمه ؟!" قالت بحماس
"في الحقيقة يا نجمة انه افضل شئ صنعتيه حتى الآن" قال والدها بحماس
"حقاً!؟" قالت نجمة بسعادة
ودعت نجمة والدها و راحت تستعد لزيارة الجارات.
فإرتدت شيئاً مما اشترته من السوق ، فقد كان ثوباً زهرياً طويلاً مطرزاً بزخارف فاتنة عند الصدر وعلى أكمام اليد الواسعة بحزام عريض عند الخصر مطرزٌ أيضاً بزخارف تشبه سابقاتها.
تركت شعرها من دون ان ترفعه لم تفعل شيئاً به سوى انها ارتدت حلية ذهبية على رأسها بشكل هلال تدلت على جبهتها و حلق مشابه و خاتمٌ و مشابه، فتعطرت بعطرها المسكي، و اخيراً توجهت لتبخير المنزل و تجهيز القهوة للضيوف.
و بعد مضي بعض الوقت طرق بابها
"أجل قادمة" نجمة بحماس و اكملت:" من على الباب!؟"
"أنا جارتكِ جليلة" قال الصوت الأنثوي من خلف الباب
فتحت نجمة اذا بها تجد امامها عدد من السيدات و الأطفال كانت صدمتها كبيرة، فقد تخيلت ان لا يتعدوا الثلاث سيدات.
"تباً" قالت في داخلها و لكنها استطاعت ان تبتلع صدمتها و تبتسم بسرعة
"ارجوكن تفضلن" قالت بترحيب، ادخلتهن للمجلس، و ذهبت للمطبخ.
"حسناً انهم ست نساء و خمسة أطفال، تباً هل هذا حفل زفاف ام عزومة صغيرة سامحكِ الله يا سيدة ماجدة" قالت و هي تعد صحون المهلبية و أكواب القهوة. و اكملت:" حسناً لا مهلبية للأطفال معي بعض حلوى الحلقوم و التي خزنتها لنفسي، و لكن نستغني عنها للأطفال، بينما لدي ٥ أطباق من المهلبية، يا ربي يا كريم لو واحدة او اثنتين ترفض المهلبية ؟!"
و عادت مباشرةً للسيدات و راحت توزع الحلوى على الصغار بينما القهوة و المهلبية على الكبار.
و من حظها بقي طبقٌ واحد لم يرغب به أحد. كانت تود ان تشكر السيدات اللاتي رفضن طبق الحلى ففي داخلها كانت ترقص من الراحة التي اعترتها.
"أعتذر منكِ يا آنسة نجمة فقد دعوت معي ابنة عم زوجي و ابنتها" قالت السيدة التي تدعى جليلة
نظرت إليها نجمة و قد استطاعت ان تخمن ان اغلب الحاضرات هنا ربما دعونا انفسهن ليشبعن فضولهن، فلم تعرف اي واحدة من الجارات بنفسها.
"عفواً و لكن لم تعرفنني بأنفسكم" قالت نجمة
"اوه اعذريني يا ابنتي، لقد قتلنا الفضول لنرى ابنتة القاضي" قالت السيدة جليلة بحماس
"و انكِ أجمل من الشائعات أليس كذلك يا جليلة" قالت احدى الجارات
"شائعات؟!" سألت نجمة ببلاهة
"رآكِ البعض البارحة حينما وصلتي، و راحوا يتحدثون عن جمالكِ" قالت جليلة
"اتخيل ان تجد عريساً في زمن قياسي" قالت احدى السيدات
وانطلق الحديث فيما بعد عن خطبتها و زواجها و خيالهم لذلك و حتى ابناؤها، لم يكن هذا جو نجمة ابداً ، فلقد راحت تنظر اليهن ببلاهة و لكن وجودهن هو جزء من خطتها.
"اوه صحيح دعيني أعرفكِ بالسيدات هنا" قالت جلليلة و اكملت المرأة الستينية:" أنا جليلة زوجة التاجر ريحان أكبر تجار ماهستان" و راحت تُأشر على احدى النساء الشابات:" هذه زوجة ابني زمان و ابناها قاسم و جاسم"
راحت نجمة تنظر للطفلان اللذان راحا يبعثران المجلس بشغبهما، و تنهدت بضيق
اكملت السيدة جليلة و هي تعرف بالنساء حتى توقفت عند احداهم، و قالت:" هذه السيدة مريم و هي زوجة تاجر التجار و كبيرهم علاء الدين السعيدي"
راحت نجمة تنظر للسيدة و التي بدت راقية جداً و ملابسها فخمة فقد جلست بكل غرور و هي ترفع انفها للسماء، عكس السيدة جليلة و التي كانت اكثر بساطة.
"كيف هي ابنتكِ وردة يا سيدة مريم" قالت جليلة
"بخير" قالت السيدة بغرور و بإختصار
"ان ابنة السيدة مريم في مثل عمركِ يا نجمة، من الممكن ان تصبحن صديقات" قالت جليلة
"حقاً" قالت نجمة بعدم راحة فمن ان رأت هذه السيدة انزعجت، فقد كان اللقاء ثقيلاً عليها و لكن عليها ان تتحامل كله في سبيل خطتها.
و بعد ساعة غادرن السيدات و اللتين ودعتهم و نجمة بكل لباقة و فور خروجهن تنهدت براحة:" و اخيراً"
و اكملت و هي تتحلطم مع نفسها:" يكاد رأسي ينفجر من حديثهن الكثير، اوه يا نجمة انكِ جميلة، يجب ان لا تقبلي بعريسٍ أقل من مستوى والدكِ، يجب ان تحصني نفسكِ الا اصبتِ بعين سيئة،" و اكملت:" لو كنت سأصاب بعين سيئة فالبتأكيد هي عينكم"
كانت نجمة بشخصيتها واثقة جداً من نفسها و من جمالها و من قدراتها، و احياناً لدرجة التباهي و خصوصاً بما يخص قدراتها، فعي ترى انها قادرة على فعل كل شئ، انه لا يوجد من يستطيع ان يضاهيها في مجالها بالطبع.
و بسرعة اتجهت لغرفتها و راحت تخلع حليها، و اتجهت للملابس الرجالية التي اشترتها لأخيها الصغير المزعوم و ابتسمت بسعادة و قالت:" اخيراً شيٌ من الحرية يا نجمة"
------------------------
اتمنى لكم قراءة ممتعة و عيدٌ سعيد
ما رأيكم بالفصل؟!
ما رأيكن بزيارة الجارات؟! و لماذا كانت نجمة تتكبد عناء هذه الزيارة!؟
و ما قصة الملابس الرجالية؟!
و ما هي خطة نجمة من الأساس؟!
أنت تقرأ
نجمة و المخادع
Historical Fictionنجمة شغوفة بالفلك و المخادع أناني شغوف بالسلطة، نجمة تحلم بأن تنشر كتاباً تفيد به الناس و المخادع يحلم بأن يجلس على عرشٌ مصنوعٌ من الذهب و الأحجار الكريمة و الماس ، نجمة تعمل بجد لتصبح عالمة عظيمة و المخادع يعمل بجد ليصبح ملكاً عظيماً . فما دخل ال...