وقفت نجمة أمام باب منزلها المتواضع و راحت تشكو بحزن مضحك:" آه يا بيتي الأثير آم يا مرصدي الصغير آه يا بر زيان آه يا فردوس، لماذا؟! لماذا يجب ان يكون الفراق هو المصير آه يا الله انني لا أعترض انه شرعك فلا إعتراض" و أكملت بشكل مسرحي:" ان الزمن قاسي و كل هذه المآسي قاسية على شابة مثلي في ريعان الشباب اني لم اذق مر الدنيا يوماً و ها أنا أذوقها في أسبوع واحد و كأنه دهر"
"آنسة نجمة توقفي عن حماقاتكِ و تعالي للداخل و الا تجمدت من برد الصحراء" صرخت فيها فردوس من الداخل
"آه ان برد الصحراء أهون عندي و من دفء المدينة" قالت نجمة بشكل مسرحي
"نجمة ادخلي و إلا أكلتكِ الذئاب و أكملت عليكِ النسور" قال السيد جمال منادياً
"ان اموت هذه الميتة الفضيعة اهون...." لم تكد تكمل جملتها حتى خرجت فردوس لها و صرخت بغضب:" سأحرمكِ من العشاء الليلة و من فطور الغد ان لم تدخلي"
"هل تحاولين قتلي يا فردوس قبل رحيلكِ؟!"قالت نجمة بسخرية
"لا تتحامقي معي ان العشاء جاهز" قالت فردوس بإنزعاج
"حقاً ما هو عشاؤنا اليوم" قالت نجمة بحماس
"انه طاجن الدجاج المفضل عندكِ" قالت فردوس بإبتسامة
"حقاً هيا اذاً لقد بدأت أبرد فعلاً" قال نجمة بإبتسامة
دخلت الفتاتان للداخل و كان السيد جمال في انتظارهن
"ماذا هل ظهرت لكِ الذئاب أخيراً؟!" قال السيد جمال ساخراً
" أوه آسفة يا والدي العزيز لقد تصرفت بطيش و كأنني طفلة صغيرة" قالت و هي تقبل رأسة
"توقفي عن مسرحياتكِ التافهة و اجلسي لتناول الطعام و انتي يا فردوس" قال السيد جمال بلطف
جلست نجمة لتناول وجبتها المفضلة طاجن الدجاج مع الأرض، فقد كانت نجمة تنسى نفسها عند الطعام و يتبدل حالها، فقد كانت تدللها فردوس و كل يوم تطهو لها طبقاً جديداً، فقد كانت نجمة قصيرة القامة جسدها يميل للإمتلاء.
"هل جهزتِ أشياؤكِ يا فردوس؟!" قال السيد جمال و هو يتناول طعامه
"أجل، و لكن بقيت بعض الأشياء القليلة" قالت فردوس
" هل تعلمين يا فردوس لقد اكتشفت امراً" قال نجمة و في منهمكة في تناول طعامها
"ماذا؟!" تساءلت فردوس بإستغراب
"ان جدتكِ تغار مني بقيت لسبعين عاماً بصحة جيدة و جاءت في السنوات الأخيرة و التي بدأتي تعملين عندنا لتمرض بشكل مفاجئ" قال نجمة معللة
"هل جننتي يا نجمة؟! هل هذا كلامٌ يقال عن السيدة فهيمة؟! ان المرأة في مكانة جدتكِ" قال والدها ناهراً
"و لكنها الحقيقة يا ابي كلما رأت وجهي العجوز كش وجهها و كشرت بضيق" قالت نجمة بإنزعاج
"هذا لأنكِ تغضبينها و تخالفين كل ما تقوله" قالت نجمة بإنزعاج
"هذا لأنها تؤمن بالخرافات كثيراً كلما رأت جهي رشتني بالملح تقول هذا لكي لا يحسدكِ الناس على جمالكِ، و دائماً تنتقد تصرفاتي و تقارنني بإبنة الخباز ريانة التي خطبت و هي تصغرني بعام" قالت نجمة بضييق
"هذا لقلقها عليكِ كما انها تفعل معي نفس الشئ" قالت فردوس معلله
"لماذا تذكرت و مرضت الآن ؟! كان لديها سبعون عام غير الآن" قالت نجمة بإنزعاج
"هل ستعترضين على حكم رب العالمين" قال والدها
"أنا آسفة" قالت نجمة و اطرقت رأسها لتكمل طعامها
لم تكن نجمة تكره السيدة فهيمة جدة فردوس فقد عرفت نجمة فردوس و جدتها منذ ان كانت في السابعة حينما ماتت والدتها فلقد كان والدها يأخذها للسيدة فهيمة كلما سافر للعاصمة و كان هذا قبل ان يعين في منصب قاضي قضاة ماهستان، و لكن منذ ان عملت في فردوس في منزل السيد جمال لم تعد تزور نجمة السيدة فهيمة الا في العيد الصغير و الكبير و لتربرك لها بقدوم الشهر الفضيل، و لكن لم تتفاهم مع السيدة فهيمة منذ ان كانت طفلة، فقد كانت و منذ طفولتها طائشة و متهورة و أحياناً سليطة لسان، و تصرفاتها هذه كانت تجعل السيدة فهيمة قلقة عليها ان تبقى بلا زواج وحيدة، كانت تفهم نجمة مدى حب السيدة فهيمة لها و لكنها كانت في الحقيقة هي من تغار منها و ذلك لأنها كانت تشعر بأنها تشاركها في فردوس و و الآن ستأخذها منها بعيداً، كانت حزينة لمرض السيدة فهيمة فالمرأة كانت دوماً قوية و في عافيتها، و لكنها أيضاً كانت حزينة لأن فردوس كانت ستغادرهم بعد يومان فقد كان على والدها ان يوصل فردوس لجدتها و بعدها يعود مباشرتاً للتجهز لرحتله للعاصمة، و كانت حكاية هذه الرحلة قد أزمت نجمة كثيراً فقد بقيت تدعي بعد كل صلاة ان يحدث شئ يعرقل هذه الرحلة.
فقد توقفت نجمة في اليومان الأخيران عن دراستها و انشغلت مع فردوس فقد كانت ستغادر في الصباح الباكر.
"هل تعلمين انني سأفتقدكِ يا فردوس، كلما نظرت للسماء سأتذكركِ" قالت نجمة و هي تنظر لسقف غرفتها
"أنا ايضاً يا آنسة نجمة و لكن ألا تستطيعين ان تتوقفي عن المبالغة، فأنا لن أغادر للأبد و لن انتقل للصين مثلاً، بل انني سأكون في قرية تبعد مسافة ثلاثة أيام عن العاصمة تستطيعين ان تزوريني كلما سنحت لكِ الفرصة" قالت فردوس التي استلقت بجانب نجمة و هي تنطر لذات السقف ساخرة
"و لكني لا أريد الذهاب لقلعة سالم" قالت نجمة بإعتراض طفولي
"لا تعلمين ما هو مكتوبٌ لكي هناك" قالت فردوس بحكمة
تنهدت نجمة بضييق فقد كرهت هذا التغير في حياتها.
و في الصباح الباكر اعتلت فردوس أحد الجمال و بينما اعتلى السيد جمال جمل آخرو بقي الجمل الثالث يحمل المتاع.
" اعتني بنفسكِ يا فردوس، و لاتنسي ان تراسليني" قال نجمة
"أجل و انتِ لا تنسي ان تجيبي على رسائلي كعادتكِ" قالت فردوس بمرح
"اعتني بنفسكِ جيداً في غيابي يا نجمة هل هذا مفهوم!؟" قال السيد جمال و اكمل بحزم:" اقفلي الأبواب جيداً"
"حاضر يا أبي لا تأكل همي، و من القرية عد مباشرتاً لقلعة سالم و انا سألحق بك بعد مئة عام" قالت نجمة
" نجمة !" صرخ السبد جمال بحزم
"حسناً انا آسفة، هيا اذهبا امامي عملٌ كثير علي ان اجمع أشيائي" قالت نجمة بيأس
اخيراً فقدت نجمة الأمل من البقاء في بر زيان و مع رحيل والدها و فردوس بدأت بجمع أشيائها، كانت لديها الكثير من الأشياء، فقد كانت أغلبها من الكتب و أدوات الفلك العزيزة عليها و المهمة بالنسبة لها، فإن احتاج والدها مع فردوس ثلاثة جمال فمع نجمة كانت ستحتاج لعشرة جمال و بالكاد تكفيها.
و بعد يومٌ كامل عاد والدها و ابتدآ معاً بنقل المتاع على الجمال، و أخيراً قام السيد جمال بإقفال المنزل، ربما نجمة لم تعلم و لكن المنزل كان عزيزاً على السيد جمال مثلما كان عزيزاً على نجمة فقد بناه طوبة طوبة بنفسه، و عاش فيه مع زوجته الحبيبة كما انه قضى أيام طلب علمه. راحت نجمة تتأمل المنزل من الداخل، اخيراً تنهدت بضيق و هي تعتلي جملها.
"هل نتحرك يا جوهرتي الثمينة؟!" قال والدها بحنان
"هيا بنا" قالت نجمة بحزن
"لا تحزني يا ابنتي، انها ليست نهاية العالم لا تعلمين ما قد تصادفين في قلعة سالم" قال والدها بلطف
"أجل" قالت نجمة بإنصياع بعدما أشاحت بوجهها بإنزعاج
كانت رحلتهما فيها عبارة عن يوم كامل، كان عليهما الوقوف يوم كامل على احدى الواحات و التي أطلق عليها الناس اسم "الجان الأزرق" و ذلك لكثرة الشائعات لظهور الجان فيها في الليل، ترجلت نجمة عن جملها و راحت تمد جسدها بتعب فالبقاء على ظهر الدواب لفترة طويلة أمر متعب.
"اهلاً بكِ في واحة الجان الأزرق" قال السيد جمال بمرح
"جانٌ أزرق؟!" قالت نجمة بإستغراب
"أجل ألم تسمعي بالحكاية؟!" قال السيد جمال بخبث
"لا!" قالت نجمة بإستغراب
" الجميع يعرف حكاية قبيلة الجان التي تسكن هنا و هذه القبيلة يطلق عليها قبيلة الأزرق، و هم من الجان المؤذي، و فريستهم تكون دائماً الفتيات المتجهمات" قال والدها بمرح
"أبي" قالت نجمة بعتاب و دلال
راح يضحك السيد جمال لتغير ملامح ابنته و قال بمرح:" حسناً انها الحقيقة فقد سميت الواحة بالإسم لوجود قبيلة الجان الأزرق منذ زمن بعيد عبرت من هنا كثيراً و لم ارى او حتى اسمع شيئاً هنا"
راحت نجمة تنظر للواحة لم تجد فيها ما يبعث الخوف او الريبة، كان هناك بعض القوافل هنا و هناك و الناس يمارسوون أعمالهم بطريقة طبيعية. بقوا هناك لمدة ثلاثة ساعات، و بعدها تحركوا مجدداً و هم في الطريق و تحت حرارة الشمس نال التعب من نجمة و راحت تشتكي بتعب: لقد تعبت يا ابي متى الوصول"
"تقى نصف ساعة لنصل استحملي يا صغيرتي" قال السيد جمال بحنان
و بعد نصف ساعة كانت نجمة تقف أمام أسوار عالية و بوابة عظيمة، يدخل منها الناس و يخرجون بتنظيم، و من فوق جملها راحت تختلس النظر للداخل لم ترى جيداً ما بالداخل و لكن شعرت بأن في الداخل حياة أخرى، كانت تشعر بفضول فضيع لترى ما بالداخل و لكن كبريائها منعها من أن تشبع ذلك الفضول فإرتدت قناع اللامبالاة.
----------------------
اتمنى لكم قراءة ممتعة أصدقائي
أعتقد بأنه في هذا الفصل قد اتضحت الكثير من معالم شخصية نجمة فما رأيكم فيها؟!
كيف تتخيلون قلعة سالم؟!
و ماذا تتوقعون سوف يصادف نجمة في مدينة قلعة سالم؟!
هل سوف تتقبل العيش هناك؟!
أنت تقرأ
نجمة و المخادع
Ficción históricaنجمة شغوفة بالفلك و المخادع أناني شغوف بالسلطة، نجمة تحلم بأن تنشر كتاباً تفيد به الناس و المخادع يحلم بأن يجلس على عرشٌ مصنوعٌ من الذهب و الأحجار الكريمة و الماس ، نجمة تعمل بجد لتصبح عالمة عظيمة و المخادع يعمل بجد ليصبح ملكاً عظيماً . فما دخل ال...