11- صداقة منذ الطفولة

159 8 0
                                    

مقدونيا..

العاصمة "بللا"..

قصر الملك "فيليب الثاني"..

كان "الإسكندر"، الأمير الصغير جالساً على فراشه ينصت بغير إنتباه لحكايات والدته الجميلة "أولمبياس", إبنة "نيوبطليموس" ملك "إيبيروس":

«وعندما إنتصر الإمبراطور "هرقل" على ملك المجوس "داريوس الأول"، دخلت جيوش الإمبراطور العظيم بلاد فارس، وقضت على حكم "داريوس الأول" بدون رحمة، لكن كانت نهايته قبيحة وشرسة جداً، كانت مليئة بالدم والألم والمعاناة..»

كان هنالك ثمة شيء يشغل باله ويصرف إنتباهه عن قصصها دائماً. صبي في مثل عمره، أشقر البشرة، ينسدل شعره المموج على مقدمة كتفيه. كنت دائماً أقف عند باب الغرفة، الموارب، لأتبادل مع "الإسكندر" الإشارات باليد والأصابع. أشير إليه بإصبعين, السبابة والوسطى، فيهز "الإسكندر" رأسه، من وراء والدته، موافقاً.

عندما كشفت "أولمبياس" أمرنا ذات مرة، تغضن حاجبيها، ثم ترجلت بخطواتٍ يسبقها الغضب إلى الباب، الذي صفقته بقوة في وجهي فيما عدوت في الرواق متجها صوب المكتبة.

إلتفتت "أولمبياس" إلى ولدها تستشيط غيظاً في نفسها مُصيحة: «تباً لهذا الأخيل.»

أصاب الولد خوفاً فرعدت ذقنه من صوتها وحملقة عينيها السوداوتين المخيفتين. قالت: «إن "أخيل" هذا سيتلفك ويجعل منك فاشلاً مثله.»

قال "الإسكندر" وهو يرتعش مُدافعاً: «لا يا أمي.. أ.. أنتِ مخطئة.. إنه ليس بفاشل..»

بعد صمتٍ رمقته فيه بنظرة تهديد شرسة، سرعان ما تحولت إلى نظرة تحذير، ثم سرعان ما تحولت إلى نظرة أمومية، تنهدت، ثم أحاطت بذراعها كتفيه قائلة بلهجة الأم الحنون: «إسمعني جيداً يا ولدي، إن أخيل يريدك أن تقضي معظم الوقت معه، هو يغار من أمك.»

لم يعلق "الإسكندر" على معلومتها لأنه كان متأكد أنها دائماً سيئة الظن بشأني. "الإسكندر" حقاً كان صبياً طيب القلب، وأنا بدوري كنت أبادله شعوراً أخوياً بالحب. كنت أعتبره أكثر من شقيق لي، أئتمنه على حياتي في الشدائد. كان يفضل اللعب والقراءة والدراسة والتدرب على فنون القتال برفقتي، وأنا كنت كذلك.

إعترف لي بالأمس القريب عن عيبٍ واحد إكتشفه بشخصيتي، ورغم أنه عيب واحد إلا أنه خطير. التهور والمغامرة بحياتي من أجل معتقدات سواء كانت صحيحة أو خاطئة.

تابعت "أولمبياس" في دس سمها قائلة: «إسمع يا ولدي، أنا أمك وأنا أدرى منك بحياتك، فلا غالي على الأم سوى ولدها، وأنا كل همي مصلحتك.»

وقف "الإسكندر" منتصباً أمامها على الفراش المخملي، قائلاً بكل أدب وإحترام: «هذا صحيح يا أمي، لكن هذه أيضاً حياتي، وأنا أعاهدك مهما حدث سأكون رافعاً لرأسك، شامخاً لهامتك أمام العالمين، سواء كنت أعرف أخيل أو لا أعرفه.» وقفز من فراشه: «والآن هل تسمحين لي بالذهاب إليه؟»

ملوك قبل الميلاد (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن