22- في بابل

125 4 1
                                    

رست سفينة الكناسون في ميناء "سوسا"، وما كانوا يعلمون بعد بما حل لجيش الإمبراطور "داريوس الثالث"... قبل أن يهبطوا من السفينة قاموا بربط الأسرى من أيديهم وأرجلهم في صفوفٍ بسلاسل من حديد بدلاً من الحبال، ثم أخذوا يضربونهم بالسياط وكأنهم يسوقون قطعاناً من البهائم.

كانت "بياركا" في مؤخرة الصفوف وخلفها مباشرة بقية الكناسين. ظلت تنظر حولها بإستياءٍ شديد وهي ترى هذا الكم الرهيب من الأسرى، إلى أن وقعت عيناها على الفتاة الصبية التي أنقذتها في مدينة "رامباسيا".

رأتها وهي تُعاني من ضربٍ على الرأس وشدٍ من الشعر ووخزٍ في الأكتاف، مما جعل الغضب حاراً يغلي في عروقها. ظلت تفرك لكسر الأصفاد وسلاسل الحديد لإنقاذ الصبية، لكن إذا تحركت سيتعثر الصف ويتهاوى عن سيره بأكمله، وإذا لاحظ بعض الكناسون حدوث إرتباك في مؤخرة الصفوف سيتقدمون بأسواطهم وهرواتهم وينهالون عليها بالضرب.

تقدم أحد الكناسين نحو "بياركا" ووقف أمامها قليلاً، ثم فك سلاسل يديها وقدميها، ثم أشار بيده لإثنين آخرين منهم حاملين خناجر صغيرة على خصارهما. إقتادوها وهي تسألهم: «إلى أين تأخذوني؟».. قد ملأ التصرف قلبها خوفاً ووجلاً.

لم تسمع منهم إجابة!

وإنما رأتها!

مُثِلت "بياركا" قبالة شخص فرضاخي، يرتدي قناع وحش، ليس كمثل أقنعتهم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنه حتماً قائدهم. كان جالساً أسفل مظلة سوداء منتصبة على أربعة أعمدة خشبية وخلفه خيمة أيضاً سوداء.

نهض الرجل على قدميه بصعوبة، حاملاً هذا الإمتلاء من اللحم والدهن على ركبتيه، وخطى مقترباً من "بياركا" ليتحسس وجهها، الذي بهت بريقه من التعب، بيده ذات القفاز الحديدي الشائك، فنهرته بحركة قوية من ذقنها.

ألقى بنظره إلى القابضين عليها، ثم سار بهدوء مخيف وحرسه الإثنان يجرونها خلفه إلى داخل الخيمة السوداء!

"بياركا" إستطاعت أن تفطن غاية هذا الشخص المريب منها... عندما دخلوا الخيمة كانت مظلمة ولا نافذة فيها. فيها رائحة نتنة أشبه برائحة الظرابيل. فرشها من جلود النمور والثيران. بطرفة عين لمحت سيفها موضوعاً على وسادة بالأرض في أحد الأركان.

عندئذٍ فكرت "بياركا" في عمل حيلة تستطيع بها الإفلات من هذا المأزق..

أعطى السمين للكناسين ولها ظهره، ثم قال بصوته المرعب: «أمسكوا يديها..»

فكا الأصفاد وأمسك كل منهما ذراعاً ورفعه مبسوطاً على الجانبين. بسرعة قالت "بياركا": «إنتظر..».. ثم إبتلعت ريقها.

إلتفت إليها بجانب رأسه فقط. سأل بهدوء: «أنتظر ماذا؟»

إبتلعت "بياركا" ريقها بصعوبة للمرة الثانية ثم قالت: «لا أحب أن أقوم بعمل ذلك أمام العيون.»

ملوك قبل الميلاد (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن