تمهيد:
تعد مكانة المرأة عبر العصور والحضارات المختلفة مكانة متفاوتة بل وأحياناً متناقضة وكانت النظرة إلى المرأة قد تأرجحت من اعتبارها كائناً منحطاً أشبه بالأشياء منه بالأحياء إلى عدّها شيطان يوحي بالشرور والخطيئة… إلى عدًها السيدة والحاكمة في أقدار المجتمع… والعاملة التي عليها أن تكافح وتشقى وتحمل وتضع وتربي وتقوم على أمور المنزل وراحة الزوج، النظر إليها كرمز وصورة جميلة، تستغل للإغواء والدعاية من قبل المؤسسات اللاأخلاقية، من خلال ذلك يمكن القول إذا ما تم النظر إلى دور المرأة والرجل في سلوكيتهما المتكاملتين في التاريخ القديم تجعل المتتبع لهذه الأدوار يستشف في هذا العصر العديد من المواقف اتجاه المرأة ومكانتها مستقاة من ذلك التاريخ، والتشابه الكبير فيما بين هذه النماذج تجعل المتتبع يتصور الأمر وكأنه يدور في حلقة مفرغة، ولعل السبب الأهم في تراجع دور المرأة السياسي والاقتصادي قديماً بحسب رأي المؤرخين والباحثين، هو قيام الرجل باصطياد أعداد كبيرة من الماشية وإدراك قيمة هذه الماشية من الناحية الاقتصادية وأثر الاستقرار والزراعة في زيادة عدد القطيع، مما دفعهم إلى الاعتناء بالزراعة بشكل أكبر، نتيجة هذا التطور أدت إلى قيام عملية تصادم بين دور المرأة ودور الرجل في الزراعة، نتج عنه علاقة تعاون وهي الأسرة وأصبح كل ما فيها ( المرأة وجهدها وأطفالها وأعمالها) ملكاً للرجل رب العائلة، وهكذا تراجع دور المرأة السياسي والاقتصادي، بعد أن أخذت المجتمعات القديمة تعيش شكلاًً أكثر استقرار وعندما أخذت هذه المجتمعات تبحث عن مصادر المياه والأرض الزراعية أو الرعوية أدى ذلك إلى تصادم مع الجوار، لأن التوسع في ذلك الزمان كان توسعاً أفقياً وليس شاقولياً، كانت الغاية الأساسية من هذا التوسع البحث عن موارد جديدة فكانت نتيجة ذلك الحروب، وبرزت تبعاً لذلك أهمية الرجل في الحرب، بينما أصبحت المرأة تشكل عبئاً ثقيلاً على القبيلة، مما دفع القبيلة إلى التذمر عندما تلد نساؤها إناثاً وكثيراً ما كان الرجل يبيع زوجته مقابل شراء العبيد لأعمال الفلاحة، وبعدها أصبحت الحروب مصدراً للعبيد والنساء والجواري، وفي كل المجتمعات كان الزواج من المرأة سبباً في زيادة النسل وبالنتيجة اعتبار الأبناء مصدر كسب اقتصادي، وكان الرجال ينتفعون بالزوجات انتفاعهم برأس المال، حيث ينجبن الأولاد الذين يقابلون الربح في رأس المال
وما أن تطورت المجتمعات القديمة قليلاً وعرفت الاستقرار وحالات التعاون مع الجوار، عوضاً عن الحرب، حتى عرفت هذه المجتمعات ما يسمى الزواج بالشراء، وأصبحت المرأة عوضاً من أن يبيعها الرجل يقوم بشرائها، كنوع من التقدير وهو يشبه إلى حد ما المهر في وقتنا الحالي
بعد هذا العرض سيقدم الباحث في الصفحات التي تلي توضيحاً لبعض الجوانب المتعلقة بمكانة المرأة في الحضارات القديمة كالحضارة اليونانية والرومانية، مروراً بالحضارة في الهند القديمة كذلك التعرف إلى مكانة المرأة عند البابليين وإعطاء لمحة عن أوضاع المرأة في الديانة المسيحية إبان العصور الوسطى والانتقال بعد ذلك إلى مكانة المرأة في الجاهلية والإسلام وصولاً إلى مكانة المرأة في العصر الحديث.
أولاً- المرأة في بعض الحضارات القديمة:
1- المرأة عند اليونانيين القدماء:
مرت المرأة بمراحل مختلفة في اليونان، لكنها كانت في أكثرها مسلوبة الحرية والمكانة وكانت الشرائع اليونانية لا تكاد تحميها من أي خطر يهدد كرامتها، بل وحتى حقها في الحياة ومن المعلوم أن إنكار حق الإنسان في تلك الفترة قد بلغ ولغاية من القسوة في نظام الرق الذي تركزت آفاته على المرأة أكثر من غيرها، ففي إسبرطة كان الآباء يقتلون سبع بنات من كل عشر يولدن لهم، فالمرأة التي تفقد حقها في الحياة كيف لها أن تحصل على حقوقها الأخرى، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية، وكان الزواج يتم عند قدماء اليونان من خلال شراء الزوج لزوجته مقابل عدداً من الثيران أو ما يساويها يسلمها الخاطب لأبيها، والذرية من الذكور كان لها مكانتها وتعطى الفرصة للتعليم والتثقيف، أما الإناث فقد كن يوضعن في العزلة والحماية بعد الزواج ويعشن في ركن من أركان بيت الزوجية، وكانت وظيفتهن بالدرجة الأولى هي إنجاب الأطفال، وإذا ما فشلت إحداهن في إنجاب الذرية فإن نصيبها العودة إلى بيت والدها
يقول الخطيب( ديموستين) في إحدى خطبه:
” نتزوج النساء لنرزق بأطفال شرعيين، ولكي نوفر راعياً مخلصاً للبيت ونملك الخليلات لخدمتنا وللعناية بشؤوننا اليومية والعشيقات لمتعة الحب” .
في هذه الجملة الواحدة العجيبة جمع ديموستين رأي اليونان في المرأة إبان عصرهم الذهبي ويبدوا مما سبق أن الدين اليوناني لم يكن ذا أثر كبير في الأخلاق، فقد كان في أصله طائفة من قواعد السحر لا من قواعد الأخلاق، بقي إلى حدٍ كبير على هذا النحو إلى آخر أيام اليونان
أنت تقرأ
المرأة عبر التاريخ
ChickLit(مكتملة) يوجد في هذا الكتاب اكتشافات و اختراعات و انجازات التي قامت بها المرأة عبر التاريخ . فان اختراعات لم تكن للرجال فقط أطلق الله عليه لقب (امرأة )! وخصني بسورة في قرآن (النساء) فلا تلصق بي لقب (حرمه) فأنا لست شيئا محرم ! أنا جوهره ثمينه ولست...