تطور مكانة المرأة عبر التاريخ _2_

436 18 15
                                    


2- المرأة عند الرومان القدماء:

رغم أن الرومان شأنهم شأن الإغريق كانوا ذكريين في توجهاتهم إلا أن مكانة المرأة لديهم كانت تختلف عن مكانتها في اليونان، وربما كان لها بعض التأثير على العديد من المواقف، ولم يحدث أن عاشت نساء روما في العزلة نصف الشرقية التي عاشتها المرأة اليونانية، لكن مع ذلك كانت تحت سيطرة الذكر، سواء كان والدها، زوجها، أخوها، وعند قدماء الرومان كان انتقال ملكية المرأة من أبيها إلى زوجها يتم بطريق البيع بالقبض وبها يدفع الزوج  الثمن لقاء الحصول على الزوجة، مثل أي سلعة تباع وتشترى، وبتدفق الثروات على روما من غنائم الإمبراطورية درج الموسرون من الرومان على إظهار علائم الثروة على زوجاتهم، وذلك بتزيينهن بأغلى الملابس والمجوهرات، فأصبحت المرأة الرومانية تظهر شخصيتها المستقلة، حتى أن بعض النساء حاولن تعزيز مكانتهن كي يخرجن عن طوق الذكر، وقد كانت هناك إلى حدٍ ما علاقات متبادلة بين الجنسين، غير أن ما كان منظوراً من نتائج هو تجاهل الذكور من الكتاب للمرأة وهم يعتقدون بأن الحالة الوحيدة للوجود والفكر هي ذكورية وليست أنثوية، ومن المفروض أن تكون مشاعر النساء أدنى من مشاعر أزواجهن.  إضافة إلى ذلك كان عمل المرأة خارج نطاق العائلة محدوداً، وكما في اليونان فقد استبعدت النساء عن القيام بأي أدوار تمثيلية على المسرح، لأنها كانت حكراً على الذكور وحتى حين كان أحد الأدوار يتطلب وجود امرأة كان يضطلع به أحد الرجال من خلال ارتداء لباس امرأة ويضع شعراً مستعاراً ويقوم بأداء الدور لأنهم يعتبرون المرأة التي تقوم بهذه الأدوار ذات سلوك سيء وينظرون إليها نظرة دونية، ومن كانت تغامر بالقيام بأي عمل على المسرح كانت تقوم بذلك على حساب سمعتها، ولقد كان المجد الوحيد الذي تستطيع فيه النساء التعبير عن مشاعرهن هو من خلال كونهن متفرجات في مسارح الهواء الطلق، وربما هنا فقط تمكنت النساء من تحقيق أكبر قدر ممكن من المساواة مع الذكور، وقد كان ازدياد الثراء وفساد الأخلاق في المراحل الأخيرة من حياة الرومان من أكبر العوامل التي أدت إلى الانحلال الخلقي وانقطاع رابطة الزواج.

لم يكن ثمة امرأة موسرة إلا وطُلقت مرة على الأقل، إذ كان أكبر العوامل التي أدت إلى انتشار الطلاق هي أن الزواج عند الطبقات العليا أصبح خاضعاً للمال والسياسة، كانت حالة المرأة المادية وما لديها من أملاك من إحدى العوامل التي لها تأثير مباشر على الأوضاع السياسية في روما، تلت تلك المرحلة فترة كانت أشد قسوة على النساء في روما من أي مرحلة أخرى، ففي الوقت الذي كان القرآن الكريم ينزل بتحريم ما كانت تفعله بعض القبائل في الجاهلية من وأد البنات وكان المسلمون يرددون قول الله عز وجل (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ). كان الرومان إبان العصور الوسطى يمعنون في التفنن بتعذيب المرأة إلى الموت دون جريمة اقترفتها، فمن أشكال التعذيب التي كانت تمارس على النساء صب القطران على أجسادهن ومن ذلك ربط مجموعات منهن في سارية تتقد تحتها نار هادئة لعدة أيام، وكذلك عمليات الحرق وأشكال عديدة من أساليب التعذيب، السؤال الغريب المدهش بالنسبة للمجتمع الروماني أن النساء أيام تطور الحضارة وبذخها كُن يتصرفن بمالهن من حرية وسلطة وتسابق الرجال إلى استرضائهن، ومن ثم في أيام الانحطاط وتدهور الأوضاع ازداد الحقد عليهن وأصبحن مقيدات الحرية، أجاب عن هذا السؤال الغريب مؤلف دائرة معارف القرن العشرين قائلاً” لما امتد ملك الرومان ونالوا قدر كبير من العظمة والتفوق على الأمم ولم يبقى لهم في الأرض منازع فتداخلهم حب الترف والرفاهية وهذه الأمور لا تكتمل إلا باختلاط الجنسين معاً فشرعوا في كشف الحجاب عن نسائهم وترقوا في ذلك شيئاً فشيئاً حتى أصبحن النساء هن المسيطرات على الأمور السياسية وحصل في هذا الاختلاط من الدنايا والمقاذرة ما أكره أن يكتبه قلمي، فماتت هممهم وخارت عزائمهم وحدثت أثناء ذلك أحداث غيرت اتجاهات الأفكار بالمرأة، فأخذ الحقد يزداد شيئاً فشيئاًَ والتضييق يشتد يوماً فيوماً، حتى وصل الأمر إلى ما وصفت لك من حال القرون الوسطى، لغاية القرن السابع عشر ومقدمة القرن التاسع عشر، فإذا كانت المرأة المسكينة ألعوبة بيد الرجل لهذه الدرجة، يحبسها مادام متديناً، ثم إذا دخله حب اللهو والترف يخرجها ليلعب بضعفها ثم إذا فتنها وأتلف أدبها بما يخترعه لها من أنواع البذخ والزينة يراها حملاً ثقيلاً عليه فيعيدها إلى حبسها بأشد مما كان”.

المرأة عبر التاريخ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن