الفصل السابع

8.7K 173 4
                                    

بأحد القصور ، حيث الحدائق الغناء والطبيعة الخلابه ، ويتوسطها قصر كبير من اربع طوابق علي الطراز الكلاسيكى القديم.. ذو الشبابيك الزجاجيه بألوانها ورسوماتها الحيه... والابواب الحديدية ذات الخلفيه الزجاجيه المرسومه كلوحه خطها فنان بإبداع.... وبداخل القصر... ليس المنظر مبهجاً كخارجه ... علي الرغم من أثاثه الباهظ ... إلا انه لا حياة به وكأنك بصحراء جرداء خالية من البشر... او ربما العاطفه والحنان والاحتواء والدفء.....
كان يجلس علي كرسيه المتحرك... بينما شخصاً أخر واقفاً امامه بهيبته المعتاده ليطالع الجالس علي كرسيه بهدوء وهو يقول بأمل: أنت مش هتغير رائيك، دى طفلة يا ابنى ، سيبها وانا اجيبلك الأحسن منها واللي تتمنى التراب اللي بتمشي عليه...
لحظه فقط وتوقف الزمن... فقد ارتكب خطأ فادحاً ... اراد ان يصحح ما تفوه به ولكن إشارة من كف اخيه الجالس وهو يقول بتهكم: تراب ايه ده اللي همشي عليه.. انت نسيت انى عاجز.. مشلول ومبتحركش... نسيت نظرات الشفقه اللي كانت في عيون كل واحده تشوفنى.. ثم اتبع حديثه بألم وهو يقول: اللي تقول يا حرام... واللي تقول: ده واحد عاجز ازاى هيعيش طبيعى ... واللي تقول وانا ايه يجبرنى علي العيشه دى... انت نسيت ولا أنا افكرك...صمت للحظات وهو يقول بحب: هى الوحيدة اللي مشوفتش في عنيها نظرة الشفقه اللي بشوفها في عنين كل الناس.. هى الوحيدة اللي ضحكتلي من قلبها... هى الوحيدة اللي طبطبت علي قلبي قبل ما تطبطب عليا... هى كانت دوائي ومن غيرها مش هقدر اعيش...
نظر له أخاه بألم وهو يقول بوعد: وانا من غيرك مش هقدر اعيش... اقسم بربى لو أخر يوم في عمرى يا رائف انا هجبهالك... هجبهالك تحت رجليك..
نظر له أخاه بنفي وهو يقول: لا هتجيبها أميرة علي القصر ده وعلي قلبي كمان... اياك تأذيها يا نائل إياك...
إبتسم أخاه بألم وهو يهز رأسه نافياً رغم قساوته وفظاظة أسلوبه... إلا أنه لا يستطيع إيذائها..رغم تهديداته وتوعده لها إلا أنه عند التنفيذ لا يستطيع...
ابتسم بألم وهز رأسه موافقاً حديث أخاه.. فهو حياته رغم قساوته.. ورغم حياته البشعه... إلا انه عند أخاه الذي يصغره بخمس سنوات... تتغير حياته مئة وثمانون درجه ويتغير نائل القاسي الشرير لأخر وديع. ....
...................
صدح صوت المذياع بتلك الأغنيه الشهيرة... يا حلو صبح يا حلو طل... يا حلو صبح نهارنا فل... من ذلك المقهى علي رأس شارعهم.. اصوات الماره مصحوبة بضجه بأئع انابيب الغاز وهو يطرق بمفتاح من حديد علي الانابيب المعدنيه ... ورائحه الفلافل اللذيذه تفوح من ذاك المطعم الشعبي وسط تجمهر الكثير من اهل الحارة كل منتظر دوره لينال حصته منها...
فتح شباك منزلها وهى تنظر للشارع برضا رغم عدم تأقلمها علي تلك الضوضاء بحياتها السابقه ... إلا انها هنا تسمع إيقاعها وألحانها معاً ليمدوها بقوة تجعلها قادرة علي إكمال يومها... توجهت مسرعه لتفتح بقية شبابيك الغرفه في حماس فذلك اليوم اول يوم للعمل لها مع حماسها بتواجد اصدقائها برفقتها... قالت بصوتها المرتفع : وعددددددد.. فرحححححه... قوموا يلا بسرعه عشان نفطر..
نهضت فرحه وهى تتثائب بعد أن نظرت حولها للتذكر أنها ماعادت بذلك الجحيم وهى تقول : يا صباح الفل .. ايه الازعاج اللي علي الصبح ده..
تبسمت رندا وهى تقول : انتوا كسلانيين ياماما ومش عاوزين تقوموا يلا بسرعه عشان قدامنا يوم شاق وعاوزله ترتيب..ثم نظرت لوعد النائمه وهى تقول بإبتسامه: صحى المقتولة اللي جنبك دى ويلا علي الحمام بسرعه.. مش قدامنا غير نص ساعه ولازم أنزل الشغل...
ابتسمت فرحه وهى تقول : طب يلا انتى جهزى نفسك وبراحه عشان فارس ميصحاش ده منيمنيش طول الليل ..
ابتسمت رندا وهى تقول بهمس: حاضر يا فندم .. اى أوامر تانيه..
تبسمت فرحه وهى تقذفها بالوساده: يلا انجرى علي شغلك خلينى اصحى الميته دى..
وبعد محاولات عديده نهضت وعد متأفأفه وهى تقول: يا صباح الهنا... ايه الازعاج ده
نظرت لها فرحه بإنعقاد حاجب وهى تقول: ازعاج ... اممممم.. انا بقول اسلط عليكى رندا بصوتها المسرسع ده هى كفايه عليكى..
رفعت وعد كفيها مستسلمه بقلة حيله وهى تمصمص شفاهها بإستنكار وتنهض مسرعه من علي سريرها وهى تقول: انتى هتقوليلى علي رندا دى ولا الراديو اللي شغال تحت ده من علي صباحيه ربنا..
سمعوا صوت رندا وهى تهتف بهم ان يأتوا ..
لتنفجر كلُ منهما بالضحك وهما تقولان...اهى الاستاذه مكلفتش خاطرها تستنى شويه علينا...
ثم توجهوا مسرعين نحو الحمام ...
بعد دقايق قليله جلسوا علي طاولة الافطار لتقول رندا بسعادة: انا رايحه الشغل يابنات عاوزين حاجه وانا جايه..
ردت فرحه بحرج: انا والله ما اعرف من غيرك كنت عملت ايه.. بجد انتى كتير اوى عليا..
نظرت لها رندا بحنق وهى تقول: انتى هبله يا بت.. انتى مش معتبرانى اختك علي فكره ..
نفت فرحه برأسها وهى تبتسم : والله ابداً انتى عارفه مكانتكم انتوا الاتنين عندى ايه
اومئت رندا براسها وهى تقول: طب مسمعش الكلام اللي يسد النفس ده منك تانى تمام...
هزت فرحه رأسها لتقاطعهم وعد قائلة: انا كمان هنزل ادور علي شغل مينفعش قعدتى دى خالص...
نظرت لها رندا بتهكم : انتى بتستهبلى يا وعد..
قاطعتها وعد مصممه وهى تقول: انا هشتغل عشان اثبت نفسي يا رندا وعشان اطلع نفسي من اللي انا فيه لو فضلت كده صدقينى هتجنن
هزت رندا وفرحه رأسهما بموافقه لتقول فرحه بهدوء: وأنا كمان هشتغل..
نظرت كل من وعد ورندا لفرحه بصدمه لتقول هى وهى ترى تعبيرات الامتعاض عل وجهيهما: انا كمان عاوزه اثبت نفسي صدقونى عشان ابقي اقوى واقدر اعتمد علي نفسي بعدين..
لتقول وعد نافيه : طب فكرتى في فارس هنسيبه فين لما كلنا بره البيت.. فكرتى انك مش هتقدرى تستحملي الدنيا اللي بره... فرحه انتى هشة قووى من جواكى ... والدنيا بره مش عاوزه اللي زيك صدقينى البرأه دى لو خرجت بره صدقينى هتدمر.. العالم ده لازم اللي يكون فيه يبقي قادر يأخذ حقه بنفسه.. لازم يقف ويتحدى ويواجه ويرفض ... العالم ده مش عاوز الضعفاء اللي زيك...
مع أن كلامها كان قاسياً وموجعاً لحد كبير تعلم هى أنها ليست صالحه لأي شيئ بالحياة ففرحه تلك دمرت وما تبقي منها هو مجرد رماد ... ولكنها لن تظل فرحه الضعيف تاك للابد.. هى لديها طفل وعليها مسئوليات أكبر من كلتيهما في الفترة الحاليه.. وهى عليها المواجهة يكفي ضعفاً واتكالاً... هى لن تصبح اقل من راندا ووعد...
نظرت لهما بتصميم وحزم وهى تقول:وانا مش هفضل ضعيفه طول عمرى.. انا عندى طفل...عارفين اكيد ده معناه ايه... انا مش هستخبي من الدنيا كفايه اللي حصلي ... فضلت ماشيه جنب الحيط واخذت فوق دماغي ... اهلي وباعونى واتخلوا عنى واتبروا منى... وعيلة اللي مفروض عيلة جوزى كلهم نهشوا في لحمى حتى هو وقف جنبهم .... ولما انتقمت منهم واتجوزت للمره التانيه مع أنى كنت رافضه أن أى راجل يكون في حياتى بس قولت لا خلاص هنتقم وده الطريق الوحيد.. اكتشفت انى حبته من أول ما شوفته ..حنانه وهدوءه وهو حببنى فيه... ثم قالت بتهكم وألم... ولما قولت خلاص الدنيا ابتدت تضحكلي اخذت اكبر كف أخذته في حياتى... صدقونى موجعنيش في حياتى اد الوجع اللي شوفته لما اتخلي عنى وهاجمنى ... وعلي أد حبي ليه كرهته وكرهت حياتى وكرهت الرجاله كلهم.... ثم تابعت بألم وهى تمسح دموعها التى تساقطت علي وجنتيها: سبونى أختار طريقى واعيش تجربه يمكن تكون اول تجربه من إختيارى...نظرات من ألم أطلت من عيناى رفيقتيها لتقول رندا بحماس: خلاص يا ستى ، انتى حره وبالنسبه لفارس فهنوديه حضانه فترة شغلك، بس ادعى ربنا بس نلاقيلك شغل ، كلهم عاوزين شهاده للأسف واحنا اصلاً ممعناش غير ألإعداديه..
قالت فرحه بألم : وانا مش معايا حتى شهادة الاعداديه انتى نسيتى انى ممتحنتش ثلاثه إعدادية...
هزت رندا رأسها بأسف.. لتقول وعد : وأيه يعنى اكيد هنلاقيلك شغل متقلقيش..
ابتسمت فرحه ثم قالت واحتضنت رفيقتيها بسعاده وهى تدعوا الله ان لا يفرق جمعهم مرة أخرى...
نظ ت رندا لساعتها وهى تقول بضيق: اووووف ادينى هتأخر علي الشغل.. ثم اسرعت ناحية الباب وهى تقول : يلاباى يا بنات اشوفكم لما ارجع ولو عوزتوا تنزلوا نسخه مفاتيح تانيه اهى علي الترابيزه.. ادعولي بقي بالتوفيق وبسولي فاروسه اللي عاوز يتاكل اكل ده لحد ما اجى واكله بنفسي وادينى بتوحم علي حاجه حلويات كده زيه ...
ابتسمت كلتيهما بسعاده وهما تدعوان الله ان يوفق رفيفتيهما بعملها... وغادرت رندا مسرعه نحو عملها ...
بينما فرحه ووعد نظرت كل منهما للأخرى لتقول وعد مبادرة للحديث: يلا البسي هدومك وننزل ندور علي شغل، ثم تذكرت امراً وهى تقول : أوبسسسس بس نسيت فارس هنوديه فين..
نظرت لها فرحه بقلة حيلة وهى تقول: خلاص روحى انتى دورى النهارده وانا بكره والتانيه تقعد بفارس في البيت لحد ما نشوف حضانه كويسه... ثم قالت بضيق: المشكله أنى مش معايا فلوس خالص عشان اقدمله في حضانه... ومينفعش اثقل علي رندا اكتر من كده ربنا أعلم ايه ظروفها وكفاية قعدتنا عندها..
نظرت لها وعد بإبتسامه وهى تقول: متعمليش فرق بينا يا فرحه كلنا اخوات واللي معاها تساعد وانا معايا خاتم ذهب هبيعه لحد ما نشوف شغل وربنا يفرجها..
نظرت لها فرحه بسعاده وهى تحتضنها: ربنا مايحرمنى منكم أبداً
وعند إحتضانها لوعد صاح فارس بصوته معلناً عن إستيقاظه لتبتسم فرحه وتترك وعد متوجهة نحو طفلها...
...............
في القرية حيث يسكن عمار ....
بعد عودته بالأمس هو ونغم، ولم يستطع النوم ان يداعب جفناه، حياة كانت من الماضي مرت بشريطها الطويل المدمى امام عيناه ...واخرى حاضرة أبت ألا تكون كسابقتها، وها هو الصباح يأتى معلناً عن يوم جديد رغم أن التوقيت مبكراً إلا انه لم يستطع الجلوس اكثر من ذلك...
نهض من علي سريره وتوجه للخارج ليفأجى بما تراه عيناه، فأخته الصغيره جالسه علي اعتاب غرفتها متقوقعه علي نفسها، نظر نحوها بخوف، فياترى ماذا حدث لها لتجلس هكذا...
توجه ببطئ نحوها وهبط لمستواها ليجدها غافيه ، اخذ يهمس بأسمها برفق، نهضت هى فزعه وهى تنظر حولها بخوف، انتقل سريعاً إليه، فهو لم يراها أبداً بتلك الحاله، اخذ يملس علي شعرها وهو يخبرها أن تهداء ثوان قليلاٌ ورفعت هى رأسها اليه مبتسمه. هى تقول تحية الصباح، ولكن ما غفل عنها ولاحظه هو أثار الدموع الواضحه علي خديها، نظر لها بقوة ثم جلس بجوارها وهو يقول: نيفو في حاجه انتى مخبياهاعنى..
نظرت له مطولاً ثم نكست راسها ارضاً وهى تقول: احممم، في الحقيقه ، انا متقدملي عريس..
صدمه هى أقل تعبير بدى جلياً علي محياه، فأخته الثانيه ستتزوج بنفس سن أخته الأولي، ربااااه اى كارثه تلك ،افاق سريعاً وهو يسئلها بهدوء في محاوله لتمالك اعصابه: ومين الاستاذ حد نعرفه، وانتى تعرفيه منين.
اجابت بهدوء وهى تنظر ليديها التى اخذ لونها بالإحمرار بسبب ضغطها عليها لتقول: هو يكون ... في ....
لاحظ ارتباكها ليقول هو سريعاً: براحه واعرفى انى جنبك دايماً ومتخافيش منى واحكى براحه...
قالت هى في محاوله لإستجماع شتات نفسها لئلا يكتشف اخاها ان هناك ما تخفيه: في الحقيقه هو حد منعرفوش خالص، هو كان راجل أعمال وجه يوم المدرسه يوم المعرض عشان يشوفوا شغل الطلاب اللي هما أحنا، وبس وجات الصدفه بعدها أنى شوفته في أكثر من مكان منها فرح الميس بتاعتى وبعدها في المكتبه ومره في معرض الكتاب وكده يعنى وكلها كانت صدفه مش أكثر..
كان يراقبها أثناء حديثها، ارتباكها وتوترها دليلاً علي ان هناك الكثير ما تخبئه بجعبتها، وقلقها الواضح والاكثر جلستها تلك طوال الليل خير دليل علي أنها تعانى وهو وحده من سينهى معاناته..
نظر بعينيها بعد ان انهت هى حديثها وهى منتظره إجابته ، نهض واقف وامسك بكفها وجذبها لتنهض هى بجواره واقفه : ليقول هو بقوة: وانتى رائيك ايه..
أجابت بإرتباك: اا...انا...موافقه
نظر لها بقوة وحدة في محاوله لإكتشاف مايجول بخلدها إلا انها لم تعطه اجابه شافيه كل ما رأه في عينيها جعله يعلم يقيناً أن فتاته معرضه للخطر وانه كان غائباً عنها....
ليقول هو وهو يهز رأسه : طيب وايه اللي خلاكى توافقي ..
قالت وكانها حفظت إجابتها تلك مسبقاً : هو شخصيه كويسه ومحترم وابن ناس وبيحبنى ... مفيش مانع انى ارفض، وهيخلينى اكمل دراستى كمان وهيجبلى مدرسين لحد عندى في البيت..
نظر لها وهو يشير لأحد الكراسي تعالي نقعد لان الكلام هيطول
توجهوا نحو احد الجلسات وجلسوا ليقول هو بصوته الأجش: وانتى ... انتى رائيك ايه كل ده هو اللي هيقدمه انتى هتقدميله ايه عشان يوافق عليكى..
نظرت له بصدمه لم يجول بخاطرها أبداً ذلك السؤال وفي دقائق وجدت بعض الكلمات لتقول بقوة رسمتها بمهارة علي ملامحها علها تزيل الشك الظاهر علي ملامحه: انا كمان بحبه يا عمار..
نظر لها بتهكم وهو يقول' هى الكلمتين دول محتاجين التفكير ده كله ...ثم تابع بحزن : مش هتقوليلى السبب برده ولا هتفضلي مخبيه سرك لوحدك ...
صدمه.... لم تتوقع ان يكتشفها أخاها لذلك الحد، الم تستطع اقناعه ، ابتسمت بتهكم لنفسها فهى فاشلة جداً بالتمثيل ولا تروقها الدراما أبداً ردت في محاولة لإستدراك الوضع: صدقنى مفيش حاجه من اللي في بالك كل اللى في الموضوع أنى متوتره شويه الموضوع جه بسرعه..
نظر لها في عينيها وهو ينهض واقفاً منهياً الحوار : قوليله معندناش بنات للجواز يا نيفين، لو هو أمين كان جه طلبك منى انا مش يبعتك أنتى مرسال... شدد علي كلماته الاخيره ثم رمقها بصلابه وهو يتابع : ثم أنى معنديش استعداد اكرر قصه وعد مره تانيه... لو عندك سبب واضح غير الكلام الهايف ده تعالي قولهولي ممكن وقتها أفكر ، ومع انى واثق ان في حكايه وراء الموضوع بس هسيبك تفكرى وخليكى واثقه انى عمرى ما هاذيكى لأنى اخوكى يا عبيطه...
ثم قبل قمه رأسها وتركها وغادر ...
لتنظر هى في اثره شارده، هى الأن بين المطرقه والسندان وعليها ان تجد حلاً مسرعاً لتلك الازمه..
في نفس التوقيت كان هناك من يراقب تلك المحادثه من اولها لاخرها ، وحينما غادر عمار دلفت نغم مسرعه لغرفتها لتجلس علي سريرها وقد رسمت علي شفتيها إبتسامه سعيده، فعمار لم يكن مثلما خطر ببالها ابداً، بل هو عكس توقعاتها التى جالت في بالها منذ ان دلفت لذلك المنزل ، ففي كل يوم يمحو توقع سيئاً حوله ببالها، لتكتشف هى بالنهايه ان شابها المدلل كما تلقبه هى هو رجل بحق ... فمن يتحمل مسئولية عائلة بأكملها...
فاقت علي صوت طرقات للباب لتجد والدة عمار السيدة نبيلة هى وابنها الصغير واقفين لتهتف بأسمها هى وعمار لياتوا مسرعين إليها ...نظروا لها وهم يسئلونها عن احوالها ثم سبب طلبها لك،وسبب منظرها المزرى .
لتقول هى مسرعه وهى تغلق الباب في محاوله للتنفس : بسرعه انت ونغم امشوا من هنا، اهل نغم بيفتشوا البيوت ومعاهم قوات شرطه وفي الشارع اللي جنبنا ..
صدمات كثيرة كافيه لذلك اليوم...
ليقف الجميع مزهولين لتصيح هى بهم لتنظر نغم بحزن إليهم وهى تقول: ملوش داعى انا همشي لوحدى ومتجلجوش عليا، وبجد مش عارفه اشكركم ازاى علي اللي عملتوه عشانى..
نظرات رفضٍ قاطعه رمقها بها ثلاثتهم لتقول وافده عمار بتعب بدى جلياً علي ملامحها : يا بنتى اسمعى كلامى مينفعش اسيبك في الشوارع وحدك ، عمار اهو انا واثقه انه هيعاملك زى نيفين ووعد اخواته واستحاله يأذيكى وهيحميكى ،بينما أن تتبهدلي كده من غير حد جنبك ده مش مسموح، كلها كام يوم والامور تهدى وترجعوا تانى ،ثم نظرت لعمار وهى تقول: يلا يا ابنى خد اى حاجه من هدومك معاك بسرعه ويلا مفيش وقت ...
ذهب عمار راكضا. لغرفته في محاولة لإستجماع شتات نفسه وهو يقول بغيظ : كله في وقت واحد... اووووف ... يارب صبرنى وحلها من عندك..
ثم فتح خزانته واخذ بوضع ما تطاله يده في حقيبته الصغيره..
...هبط للأسفل ليجد نغم واقفه منتظرة إياه مع نيفين ووالدته ومراد الصغير ليقول هو وهو يشير للباب : يلا عشان نلحق نمشي زمانهم قربوا يدخلوا الشارع بتاعنا..
اومئت هى براسها موافقه في حين نهضت والدة عمار واحتضنتها بشده وهى تبتسم بسعاده وتقول بهمس لم يسمعه سواهما: خلي بالك من عمار يا نغم، رغم شدته اللي باينه عليه الا انه اطيب منه مفيش، اقفى جنبه الايام الجايه لانه هيحتاجك كتير..
نظرت لها نغم بزهول وهبطت دموعها من عيناها وهى موقنه أن تلك هى اخر مرة سترى فيها تلك السيده ضمتها نغم بشده واخذت كلتاهما بالبكاء لتنظر نيفين بحزن لأخاها وهى تقول: يبقي طمنا عنك يا عمار علي طول ، وانا هبقي معاك بالتليفون..
ابتسم لها عمار وهو يقول : الموضوع اللي اتكلمنا فيه أنسيه خالص لحد ما ارجع مفهوم..
اومئت هى برأسها بإبتسامه ليذهب هو ناحيه والدته وهو يقول: كفايه احضان يا أمى .
اسرعت والدته بترك نغم وبإحتضانه هو الأخر وهى تقول: خلي بالك منها يا ابنى واوعى تسيبها وحدها، ويبقي خليك قوى وجامد، الجبل ما بيهزهوش ريح ياعمار انت فاهم يا ابنى وخلي بالك من نغم وحطها في عنيك ثم خلعت أسوارة من معصمها وهى تعطيها أياه وتقول : خلي دى معاك اكيد هتحتاج فلوس ..ثم قبلته عدة قبلات واحتضنته بشده ... كانت ردت فعله هى صمت وفقط، يعلم ان والدته حنون بشده ولكن تلك المرة بحديثها ذلك اشتد قلقه، وحمل هموماً فوق همومه، اولاً والدته وثانياً اخته تلك التى يبدوا ان خلفها قصه مؤلمه ، لو يعطوه فقط القليل من الايام حتى يعلم ما يحدث ثم يذهب مرتاح البال لكنه القدر..
احتضن امه ثم اخوته وغادر وهو يمنحهم نظرة مودعه، حزينه، خائفه، متمنية لقاء أخر قريباً....
وسار مبتعداً راكضاً وخلفه نغم وتتبعه امه واخوته بنظراتهم الحزينه القلقه من مستقبل مجهول ...ثوان واختفوا كلياً عن الانظار ...واغلق الباب منتظرين خلفه القادم...
دقائق ودقات شديده علي الباب لتسرع نيفين بفتحه وهى تنظر للرجال المتجمعين ومعهم افراد الشرطه وهى تقول ببرود: افندم خير..
نظر لها احد الرجال متفحصاً اياها ثوان واتت والدتها واقفه بجانبها وهى ترمقهم بغضب وتقول : خير عاوزين مين.
قال الرجل بسخريه : ده بيت عمار محسن...
صدمه... اتبعها صمت طويل .. ليقول الرجل مشيراً للرجال خلفه : يبقي هو ، يلا يا رجاله ..
ازاحوهم بقسوه عن طريقهم واخذوا بتفتيش ارجاء المنزل بينما مراد الذي لم يتجاوز الثمانى سنوات كان يرتعد من الخوف ركض مسرعاً الي احضان اخته لتحتضنه هى بشده وهى تخبره انه لا شيي يحدث مادموا معاً...
ثوان قليلاً وخرج احد الرجال وهو يقول : يا سعادة البيه شوف ان لقيت ايه...
توجهت انظار الجميع لقطعه القماش الموجوده بيده..
لتهوى قلوب نيفين ووالدتها ارضاً
بينما توجه الرجل نحو الثياب وهو يقول: ده كان فستان الفرح...اكيد كانت إهنا ...
ثم نظر لنبيله ونيفين بغضب وتوجه مسرعاً نحوهما وهو يقول : جولولي حالاً راحوا وهربوا علي فين يلا انطجوا...


إنتقام خارج نطاق السيطرة - الكاتبه تنسيم القاضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن