لا تضربوا كل تعبكم عرض الحائط

455 23 3
                                    

أذكُر قديما، أني كنت مدمنة مسلسلات تركية، حيثُ كنت أُنهي مسلسل ١٠٠ حلقة في أقل من أسبوع. أذكُر أني كنتُ دائما في صف البطلة، مهما كان دورها وفعلها وتصرفها، كنت أرى أن تصرفها صحيح مائة بالمائة. فمثلا إحدى المسلسلات تظهر البطلة والبطل على شكل حبيبين في الجامعة، والبطلة من عائلة قروية فقيرة تسكن في المدينة، فكان والدها وأخوها يمنعونها من إنشاء علاقات صداقة او علاقات حب مع الشباب بينما كانت تشعر الفتاة بالغربة وسط جامعتها، وبالعار لانتمائها الى هته العائلة المتخلفة القروية التي لم تصل لمرحلة الحضارة بعد.
فيصورون، ويمثلون الحضارة والتقدم على شكل علاقات محرمة بين الشباب والبنات، وأنها اللباس العاري القصير والشعر الأشقر والمكياج الجذاب. بينما ما تعيشه تلك العائلة المحافظة هو قمة الضغط والتعقيد والظلم في حق البطلة.
وأذكر في مشهد، عندما أخد أهلها قرار إعادتها للقرية كي يحافظوا على ابنتهم، هربت هي مع حبيبها الذي لا يربطها به اي رابط شرعي، وليأخد المشهد والتصرف صبغة النضج وكامل الصحة، كانت أم البطلة تؤيدها في قرارها عند اتصالها بها، وتقول لها "اذهبي ولا تنظري للوراء أنت على حق"، لأن الأم سبق أن عاشت قصة حب، لكنها و " للأسف" كما هو ممثل في المسلسل، لم تكتمل القصة لان اهلها اضطروها للزواج من أب البطلة، فهي لا تريد لابنتها أن تعيش الحزن الذي عاشته.
ففتاة مراهقة مثلي، ماذا كانت ستفهم ؟ وهذا ما كنت أظنه فعلا، هاهي أمها تؤيدها في قرارها، إذا فهذا هو الصواب لأن قرار الوالدين أعقل من قرار الأبناء فلو كان طيشا لمنعت ابنتها عنه. أما أبوها فما هو إلا رجل كبير في السن لن يستطيع استيعاب هذا التقدم لأنه ترعرع في وسط تقليدي جدا فيه ضوابط مرتبطة بالتقاليد والعادات. أما أخوها، فقد كان يمنعها هي من ذلك، من أجل الشرف، لكنه أقام علاقة غير شرعية مع فتاة إلى أن حملت منه فتزوجها، إذا فهذا ليس خطأ فهاهو يقوم به بشكل عادي وهاهو تزوج حبيبته، فلو كان عيبا ما تزوجها وما قام بكل هذا، إذا فمنعه أخته من ذلك ما هو إلا كي يحافظ على صورته امام أصدقائه وأمام الرجال.
فباختصار، تصل الفكرة بكل سلاسة وعقلانية، ويتقبلها الشباب والفتيات بكل سهولة ودون أي اعتراض، فالعقل قد أشرب بالمسلسلات فصارت هي المراجع التي نأخد منها طريقة تصرفنا وتعاملنا، ومنها نأخد الحلال والحرام، والعيب والعادي.
فلا تظنوا أن تأثيرها هَيِّن على العقل وعلى القلب، فإنهم يصورون لنا المنكر بشكل جميل وبسيط، ويغلفونه بالمغامرة كي يزداد حلاوة، ويعطون الحبيب دور المنقذ الذي سينقذها من أخيها وأبيها المعقدين اللذان يضربانها عند دفاعه عنها. وينكرون الحق والأخلاق كأنها عوائق ومنكرات تصعب على المرأ حياته وتجعله في كامل التخلف.
فيا من يراقب دُرِّيته ليل نهار، ويحرص على تربيتهم تريبة حسنة فيمنعهم عن هذا وعن ذاك، ويَنتَقي لهم الأفكار التي يعيشون بها ويتبنونها.
لا تضربوا كل تعبكم عرض الحائط بإدخال هذه الفيروسات إلى بيوتكم.
#مها_الدرقاوي

كتاباتي ❄ (مقالات دينية)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن