من أكون ؟ وكيف تغيرت ؟ ولم أصبحت على الهيأة التي تعرفونني عليها اليوم ؟
-⬇
لستُ أدري في أي محطة سأجعَل قلمي يرسو، ولستُ أجزِم أَيُّ الأقلام سأحمِل، ولا أيُّ القِصَصِ سأكتُب. أ قِصَّة الخُذلان قبلَ الميلاد الجديد، أم قصَّة البُؤسِ بعد الرُّسوب، أم قصة النجاح بعد الصُّمود، أم تلك التي تحكي عن حبيبٍ استَنكَفَتني (رَفَّعتني) معرِفَته من حال إلى حال وغيَّرَت حال دُنياي.
ومالي أوثِر العَجلة ؟ دعونا نتعارَف أوَّلاً، أنا مها الدرقاوي طالبة اقتِصاد في المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير، مضى من عمري عشريناً إلا واحِد، وإني وُلِدتُ في فاس وعِشتُ ما مضى من العمر فيها، وسأحكِي عن كل الحَكَاياَ وأخُطُّ بجميع الأقلام، وأقِف عند كل المحطات ففي طَيَّات كل واحدة منهن روح تختَلِف عن الأخرى.
واغفِروا ركاكَتي، فإني ما اعتِدتُ يوماً أن أحكيَ عن أنَايَ.كَوْني معروفة بطريقَة لباسي المختَلِف والمثير ربما، فإني سأفتتِح قصَّتي بأني لم أكُن يوما هكذا، ولا تَرَبَّيتُ على هذا، ولستُ ابنَة الرجل العبوس ذو اللحية الطويلة والثياب الرَّثَّة، ولا ابنَة المرأة المنتقبة التي لا تخرُج من البيت، ولا من تلك العائِلَة المتشدِّدة المنقطِعَة عن الحياة نهائِيّاً.
تربَّيت مثلكم وكبرتُ على النَّحو العادي، ربما لبست الحجاب في صغري لكنه كان حجابا عادياً لا كما هو اليوم.
كان أول خروج لي لمواجهة الحياة في الجدع المشترك في السنوات الثلاث من الثانوي، كنت قد تلقَّيتُ أول مسؤولية في حياتي، -المسؤولية التي لازلت لا أجيدُها إلى اليَوم-، دِراسَتي. بشكلٍ أكثر وضوحا وباختِصار، كنت سأرسُب حينَها لأني لم أجرب ولم أعرف قط كيف كان الناس يدرسون بدون مساعدة أمِّهاتهم، فحين واجَهتُ ذلك لوحدي تَحَوَّلت نُقَطي التي لم تكُن يوما تنزل عن 14 إلى نقط لا تتجاوَز الخَمسة والستَّة وإني ليومي هذا لا أعرف كيف نجحت تلك السنة. مُوازاةً مع ذلك، وبعيدا عن أجواء الدراسة، كُنتُ أنا الفتاة التي لو رأيتموها ما كنتم لتتوقعوا تحوُّلها الكامل اليوم، كُنتُ أنا الضائِعَة التي تَجَرَّعت من الدنيا الكثير حتى وصلت لحَالة سُكرٍ، كنتُ أنا التي كلما أرادَت أن تستَفيق من سُكرِها ظَنَّت أن كأسا آخَر من الدنيا هو الحَل، لكنَّها ما ازدادَت إلا غَرقاً.
وهَل جَرِّب أحدُكُم طَعمَ الهواء بعد سنين عديدَة من الغَرَق ؟ ونورُ الشَمسِ بعد ظُلمَة طويلَة ؟
تعرِفون جميعاً أنَّه في قاع البَحرِ توجَد رِمال وتوجَد أرضِيَّة، تعرفون أيضا أنه، لو أننا عند بلوغِنا إيَّاها اندَفَعنا عنها ودَفعناها بكامل قُوَّتنا أرسَلَتنا مُباشَرَة للأَعلى بسُرعَة خارقة. تلك كانت هي حالَتي، لكنِّي أخدت وقتا كبيرا في استيعاب طريقَة النجاة، رغم أنها كانت واضِحة أمامي، وكان كل الغارقون أمثالي يسلُكونها وينجون بسُرعَة، فذلك البحرُ كان بأمرٍ من مولاه يُعين كل من عزم على النجاة والصمود. أخد مني ذلك سنتين، سنتين من التخبط في الدنيا وأهوائها وأحزانها، وازدادَ يأسي حين تَلَقَّيتُ نقطة الامتحان الجهوي التي كانت 10.6 والتي كسرَتني وكسَرَت كل الآمالي وأحلامي، أو بالأُحرى هذا ما ظننت.
وها نحن الآن في 2015، أصعَب وأجمَل سنة عشتها، سنَة لَو حُمِّلَت بتَوَثُّر الباكالوريا فقط لكَفاها، لكنَّها ما رَضِيَت بذلك واختارَت أن تَتَرَسَّخ في عُمري، وألا تَنفَتِلَ (أي تنتهي) إلا وقَد غَيَّرَت السَّمَت (الطريق) الذي كنت أسلُكُه.
فبدأَت بقرار والداي في تغيير مدرَسَتي، القرار الذي أبعَدَني عن كل من كانوا يساندونَني في الطريق الآخَر، إلا واحِداً، القرار الذي جَعَلَني أبقى وَحِيدة ولا أتأَثَّر بالآخرين، وفيما بَعدُ بدأت بَعضُ الصّداقات تَنهَدُّ، والتي بدَورِها زادَت حُطام الروح المتبقية في انكساراً، وخِتاماً حَلَّ المشكِل العائِليّ الذي انتَزَع مني.. ما الذي انتَزَع أساساً ؟لم يبقى هناك شيء في الأَصل ليُنزَع. فما بالُك بشَخصٍ مكسور أصابَه الشَّلَل والامتحان الذي سيَحسِم مجرى حياته لم يبقى له سوى شهر ونصف، فبأي روح نتحرَّك وبأي عقل نَصحو ؟
في تلك الظروف، وبِشَخصي الذي لا يَقبَل أن يُحَرِّر دموعَه إلا إن كان وحيداً، لَم يكن لي مكان أبكي فيه وحيدة غير الصلاة، فكُنت كلَّما اختَنقت توَجَّهت للسِّجادة لأنها المكان الوحيد الذي لن يحيط بي أحد فيه، كنتُ أظُنُّني وحيدة، لكِنّ الذي ساقَني إلى تلك السجادة كان دائِما معي، الذي هَيَّأَ الأسباب وجعَلني وحيدة لا صديق ولا أهل أشكو لهم. كانت تلك الدموع على ذلك السجاد كليلة من الشكوى أبُثُّها لأحَدِهم وأقوم وكأني لَم أشتَكي أبدا، أقوم وكَلِّي انشراح. لَم أكن أفهَم لم كنت أرتاح عندما أقوم من تلك السجدة، رغم أني لم أكن أنطَق حرفا، ولو واحِداً فقط. حَتى أصبَح الكأس الذي أشرَب منه لأنجو مما أنا فيه هو كأس الصلاة لا الحياة، وحقيقة كان كأس الصلاة هو كأس الحياة فهو من بث في الحياة من جديد.
وهناك تعَرَّفتُ على الله، وحينَها أحببتُه، نعم، هو ذلك الحبيب الذي استَغرَبتم جميعا عندما كتبت كلمة حبيبٍ، هو الله الذي انتَشَلَني مما كنت فيه من غَيرِ حول مني ولا قوَّة.
هل تعلَمون ما الذي يَحُز في نفسي كثيراً، أني ما كنتُ أقصِد الصلاة لأشكو إليه، أنا لم أكن اعرِف حتى أنها طريقة النجاة، هو من ساقَني إليها دون علم مني، هو من أرَاد ليَ النجاة، فأَنجاني.
بَعدَ الحُبِّ والرجاء في الله، تبخَّرت كل المشاكل في لحظة قسما بمن هداني، ولِنُكمِل قصَّة مسيرَتي الدراسيَّة حصلت على معدل 15.89 في الباكالوريا ودخلت المدرسة الوطنية للتجارَة والتسيير، والأحلام التي ظننتُها تَحَطَّمت، لَم تَكُن كذلك، كانت فقط تتشَرَّب ماء الغَرَق لتَنموا من جديد. والجميل أن الحياة الجديدة مع الله، صادَفَت حياة جديدة أخرى.
وها أنا اليوم، كما تعرفونني جميعا، فتاة باسِمَة مَرِحَة لا يَكاد الحزن يزور عَينَيها.
أنا اليَومَ، بعدَ أن تعَرَّفت على الله لبستُ الحجاب الشرعي الذي ما لَبِثتُ يوما إلَّا وأحببته أكثر فأكثر.
أنا اليوم قرَّرتُ أن أكون سبباً إن مَنَّ الله علي بذلك، في تعرُّف الناس على الحياة مع الله، صارَت غايَتي وهَدَفي في الحياة أن يشعُر الجميع بذلك الحب الذي أشعُره تجاه ديني وعقيدتي، وخصوصا تجاه الله تعالى. وبَعدَ إدماني على القراءَة وقِرَاءَة بعض من الكتب العربية، صرتَ أهوى القَلم، لأنه يُشبِهُني، يُغطَسُ في السَّواد والظلام ويَخُطُّ نورا، وكذلك أنا، غطستُ في الظلام لأعرفَ طريق النور، فسأخُطُّ نوراً مثله أيضاً.
اليَوم أصبَحتُ أكتُب مقالات دينيَّة تحت وسم #مها_الدرقاوي ، وأنشُرُها على مواقع التواصُل الاجتماعي، سأمُدُّكم بروابطها في التعليق أسفله. أهدِف لكتابة مجموعَة كتب تناقش مشاكل وأخطاء المجتمع، وأهدِف لإدخال ولو شَخص واحِد للإسلام.أنا اليَوم لا زلتُ أسبَح في ذلك البَحرِ الذي ما إن يساعِدُك على النجاة حتى يحاوِل ابتلاعَك مرة أخرى، لستُ ملاكاً، ولن أكونَه، لستُ صالَحَة بما فيه الكفاية، لكني لن أعود للقاع مرة أخرى، بإذنه تعالى.
ونَصيحَة أخيرة، ابكِ كثيراً لله كي لا تَبكيَ مرَّة أخرى.
سبحانك اللهم نحبك، وما امتلأ هذا القلب إلا بحبك، إننا وإن عصيناك فليس لنا إلاك، ولا إله لنا إلا أنت.
أنت تقرأ
كتاباتي ❄ (مقالات دينية)
Spiritualمجرد خواطر .. تهمس بها أنفاسي لترتاح من عثرات الدنيا و أوساخها .. لاجئة نحو ربها .. تناجيه أن يقربها .. مجموعة كتاباتي ? عن الدين عن الحب عن الشوق عن الأمل عن السجود عن الطموح لكن بشكل عام .. عني ❤