"مُسْلِمين" أي مُسَلِّمين أمرَنا لله

360 19 6
                                    

لِماذا تقولون أن الموسيقى حرام ؟ لا أفهَم لِمَ ستكون مُحَرَّمَة ؟ أيُّ ضرر تُلحِقُه علينا ليَجعَلَها هذا الضَّرَر مُحَرَّمة ؟ تُحَرَّم الأشياء لأنها تحمِل ضررا على البني آدم، أما الموسيقى فليسَ فيها أي ضرر، هي مُجَرد صوتٍ فقط .. شخصياًّ لستُ مقتنع(ة) بالحكم.

كلِمات تترَدَّد كثيراً وتتداول كثيراً بينَ شبابِ جِيلِنا، وفِكرَة تجعَلهم مقتَنَعين تماما بِما يقولون. ولو أنَّا انطَلقنا من مُنطَلَقِ العَقلِ لوَجَدنا أنَّه كلام صحيح فِعلاً. ولكن توجَد جوانِب غَفِلوا عنها، فاختَلَّتِ الكَفَّة.

قَديماً، أي في عَهدِ الرسول صلى الله عليه وسَلَّم، وعهدِ التابِعين، عِندما نَزَلَت آيَة تحريم أكلِ لحمِ الخنزير، امتَنَع الصَّحابَة عنه، ولَم يُناقِشوا في الموضوع. مع أنَّهُ في زَمانِهِم لَم تكن هناك آلات عِلمِيَّة مُتَطَوِّرة تجعَلِهم يعرِفون أن لَحمَ الخنزير يُشَكِّل ضررا على جسم الإنسان ما إن أكَلَه، كما نعرِفُه نحن اليوم. لكنهم مع عدمِ علمِهم بالحِكمَة وراءَ تحريم لحمِ الخنزير، امتَنَعوا عن أكلِه، وكان في مقدورِهم هم أيضا أن يطرَحوا السؤال كما تطرحونه أنتم اليوم :
لماذا يُحَرَّم لحم الخنزير ؟ لماذا يمنَعُنا الله عنه ؟ من لذَّتِه ؟ لماذا يُحَرِّم علينا شيئا نستَمتِع بأكلِه ؟ أي ضرر يلحِقه علينا هذا اللحم، هو مجرد لحم كلحم البقر والغنَم، لِمَ يُحَرِّم الله هذا النوع ويُحِلُّ الآخر ؟ (كمن يقول، لم تُحَرَّم جميع آلات الطَّرَب عدى الدَّف للنساء، أليسَت من أصل واحد ؟)
ولكِن بعدَ مُدَّة، ليسَت بِهَيِّنة، تم اكتِشاف الحكمة الرَّبانِية وراء تحريم لحم الخنزير -هذا وإن كانت الحكمة الوحيدة، فربما هناك حِكمَة أخرى نجهلها لوقتنا هذا-، فماذا نَجِد إذا، وماذا نستَنتِج ؟
نستَنتِج أنه في ذلك الزَّمان، من امتَنَع منهم عن لحم الخنزير امتِثالاً لأمرِ سَلِم من ضرر لحم الخنزير على صِحَّته؛ أما من اشتَرَطَ معرِفَة الحِكمة لتَطبيق الأَمر الإلهي، فإنه قد هلِكَ حتما.
فالأمرُ كذلك بالنِّسبَة للموسيقى وغيرها. أن لا نَعرِف الحكمة وراء تحريم الأمور ليسَ سبباً أبدا لتَركِ الحكم والامتناع عن تطبيقِه، فرُبَّما غَداً يَكتَشِفون أمرا عِلمِيًّا جديدا، ويعرفون به الحكمة من حرمة الموسيقى، ونكون نحن قد متنا وفات الأوان لتطبيق الحكم حينها، فنُضِر أنفسنا تحت حجة عدم معرفة الحكمة.
وهذا كلام موَجَّه لكل من يريد تفكيراً عقلانِيًّا ملموساً، الذي هو تفكير بعيد كل البُعدِ عن العقيدَة، وعن مَطلَب الإسلام من تَحقيق أمرِ الله.

عقِيدَةً، المَطلَب من تحقيق الأوامرِ الشرعية ليسَ فِعلَ التطبيق نفسُه، وإنَّما التَّسليم لأمرِ الله، التسليم الذي يَجعَلُنا نحمِل لَقَبَ "مُسلِمين" أي مُسَلِّمين أمرَنا لله.
وعندما نقول لشَخصٍ معيَّنٍ سَلَّمتُكَ أمرِي، أي، افعَل بي ما شئتَ فأنا طَوعٌ لك ولأوامِرِك؛ ولا نستَطيع أن نُسَلِّمَ أمرَنا لشَخصٍ مُعَيَّنٍ إلا إذا بَلَغنا مَبلَغاً عظيما في الثِّقَة فيه.
سَلَّمتُكَ أمري، أي أنِّي فسأفعَل كل ما تُمليه عليّ لأني أثِقُ في أنك تريد مصلَحَتي.
ولنَضرِب مثالاً، وأرجو أن يَدَع كل قارِئٍ قناعاتَه جانَباً، وليُنادِ على تحقيقِ الحَقِّ وإن خالَفَ هواه.
يأتي صديقك مستَعجِلاً، ويَعرِض عليكَ مثلا، مُرافقته لمكان معَيَّن ويخبرك أن فيه مصلَحة لك، فتتأبَّط أنتَ، وتترفُض مرافَقَته إلى أن يخبرك بما في الأمر، لكنه يرفُض كونُه مستَعجِلاً، فتُصِرُّ أنتَ على موقِفِك، إلى أن يضطَرَّ هو لشرح الأمر وتوضيحِه، فتَقبَل بعدها وتُرافِقَه.
في هذه الحالَة هل أنتَ تثِق فعلا في صديقك ؟ ضَع نفسك أنتَ مكان الصديق، أوَّل ما سيخطُر ببالك بعد الإلحاح على الشَرح، أن تقول : يا صديقي ألا تَثِق في ؟ افعَل ما أفتيه عليك ولن تخيب.
وهذا مما لا يكاد أيٌّ منا أن يُنكِرَه، فلكل منا صديق، من فرطِ ثقَتِه وحبه له، ما إن عرَض عليه هذا الأخير شيئا حتى تجده طورَ التطبيق دون أن يسأل أي سؤال، لأنه يعلَم أن صديقَه يعرِفُه جيداً، لدرجة تجعَلُه لا يُخطِئ أبدا في تحديد ما يُسعد صديقه.
فإن كانَت هذه هي الثقة المطلوبَة مع إنسانٍ، يُخطِئ ويصيب؛ فكَيفَ بالثِّقَة في الله العظيم الذي لا يُخطِئ أبداً ؟ بالله عليكم، كيف لنا أن نتعامَل مع خالِقِنا، أ تَعون ما معنى خالِقِنا ؟ أي الذي أنشَأَنا، الذي يعرِفُنا أكثَر مما نعرف أنفسنا، ويعرف مصلحتنا أكثر منا، الذي يُحِبنا أكثر من والدينا.
فكيفَ، بعدِ عِلمِنا باستِحالَة خطئِه عز وجل -وهو المُتعالِ سبحانَه عن الزَّلَل والخطأ-، وبعدَ علمِنا، بأنَّه العليم والرَّحيم بحالِنا؛ كيفَ نطلُب السَّبَب والحكمة وراء أوامِرِه ؟ كيفَ نُسَمِّي أنفُسَنا مسلمين ونحن لا نُسَلِّم أمرَنا إليه أبداً، إلا إذا عَلِمنا [ لماذا هذه الأحكام ؟ ]
فبالله عليكم هل هذا هو الإسلام ؟ هل تطلبون بعدَ كل هذا، الحِكمَة من تحريم الموسيقى ؟ أو الحكمة من الحجاب، أو الصلاة أو أو أو ..
بئسا لعقولِنا إن استَكبَرَت واستَعلَت على -تتمة-
أمرِ الله، ظانَّة أنها تستَطيع الإحاطَة بكُل حِكمَة إلهَيَّة.
أنسيتُم أن عقولَكم قاصِرَة ؟ أنها محدودَة ؟ أنها لا تستطيع الإحاطَة إلا بما شاء الله لها أن تُحيط.
مالَكم كيف تحكمون ..
#مها_الدرقاوي
_
وللإشارة إلى موضوع الموسيقى، فإنها حرامٌ قطعا، وبالإجماع.
تجدون الأدلة على هذا الرابط
https://ar.islamway.net/article/6289/أدلة-تحريم-الغناء-والموسيقى-من-الكتاب-والسنة

كتاباتي ❄ (مقالات دينية)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن