كيف يتخلص الشخص من الوساوس السيئة

239 19 9
                                    

أول شيء خطر على بالي عند قراءة كلامك، هي مقولة قالتها أستاذة العقيدة البارحة "صمت في غير ذكر الله لغوٌ"
وقد قالت هذا في إطار الحديث عن قصة سيدنا إبراهيم، حين صام عن الكلام وهو في طريقه إلى مكة عندما أخذ هاجر واسماعيل ليتركهما في واد غير ذي زرع.. وبَيَّنَت الفرق بين الصوم عن الكلام وبين الصمت.. فذكرت تلك المقولة..
استغربناها في البداية، لكن عند التأمل تجد أنها صحيحة، لأن الإنسان لا يستطيع أن يجلس دون أن ينشغل بشيء، فإما أن ينشغل بشيء نافع وإما أن ينشغل بما يَضُر.. وعند الصمت قد يخلق الإنسان أحاديث مع نفسه، وهذه الأحاديث تكون نافعة حين يكون لها طابع ديني، يتخلله ذكر الله، كتأمل في خلق الله أو تذكر الذنوب والندم عليها والتوبة منها، أو استحضار نعم الله عليك وحمده عليها؛ هذا سكوت يعود بالنفع على النفس ويرتقي بها..
أما إن لم ينشغل الإنسان بهذا فإنه مباشرة سينشغل بأشياء، إما أن تكون تافهة، إما أن تكون سيئة.. وفي الغالب، تبدأ بالأمور التافهة، ثم مع التعود تدخل النفس في الوساوس السيئة، لأن الشيطان يستدرج شيئا فشيئا، لا يمكن أن يجعلك تنتقل مباشرة من ذكر الله الى الوساوس السيئة..
وفي إطار السكوت في غير ذكر الله، قد يقع المرء في الغيبة بينه وبين نفسه، وقد يقع في وساوس وتفكر في شهوات وتخيلها..

فالواجب التعوذ من الشيطان الرجيم عند الوقوع في هذه الأمور، والاستغفار ومزاحمة تلك الأفكار بذكر الله؛ ثم الإعراض عنها بالانشغال إما بدراسة شيء ما، أو مثلا بالدخول تحت ضغط معين (أن أجعل لي هدف قراءة ٥٠٠ صفحة في خمسة أيام) هكذا لا يكون لي وقت فارغ أقضيه في التفكير في وساوس فارغة، أو مثلا أقوم أصنع شيئا (أطبخ مثلا أو أصلح شيئا فاسدا، هكذا سينشغل عقلي بذلك الأمر)، أو أقوم أصلي ركعتين وأدعو الله أن يبعد عني وساوس الشيطان وأن يشغل عقلي بذكره وبما يُرضيه، أو أقوم لقراءة القرآن، أو أخالط أهلي وأصدقائي حتى لا أختلي بنفسي فتأتيني تلك الأفكار، الخ...

وعلى كل حال هذه الوساوس هي طبيعة بشرية عادية، وقد تَمَلَّك الصحابة الخوف عند نزول آية { وَإِن تُبۡدُوا۟ مَا فِیۤ أَنفُسِكُمۡ أَوۡ تُخۡفُوهُ یُحَاسِبۡكُم بِهِ ٱللَّهُۖ فَیَغۡفِرُ لِمَن یَشَاۤءُ وَیُعَذِّبُ مَن یَشَاۤءُۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ} لأن الآية دلَّت على أنهم سيحاسبون على حديث النفس، وما تشتهيه النفس من معاصي وملذات ربما هي محرمة عليها، مع أنهم ما كانوا يفعلون ما يشتهون إنما يكون حظهم من الذنب اشتهاؤه فقط، ثم التعوذ من الشيطان والإعراض عن الذنب وعن حديث النفس.. وهذا دليل على أنهم عانووا ما نعانيه نحن أيضا اليوم، لأنه لو لم تكن تأتيهم تلك الوساوس ما خافوا..
ونحمد الله أن الآية نُسخت بآية : {لَا یُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَیۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَاۤ إِن نَّسِینَاۤ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَیۡنَاۤ إِصۡرࣰا كَمَا حَمَلۡتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَاۤۚ أَنتَ مَوۡلَىٰنَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ} فدَلَّت على أننا لن نُحاسب على حديث النفس، إنما على ما كسبت أيدينا من ذنب فقط..
لهذا فلا تتعبوا أنفسكم بالاكثرات لهذه الوساوس، فأنتم لستم محاسبون عنها. ولكن في نفس الوقت لا يجوز مسايرتها والتمادي فيها، لأنه حينها يكون التفكير في معصية معينة "اختياريا" أحدثته أنت وقررت التطاول فيه، وهذا يُفسد النفس.. لذلك يجب الإعراض عنها والانشغال عنها بذكر أو بأمر نافع، سواء من أمر الدين أو الدنيا.. وتذكر دائما أن "صمت في غير ذكر الله لغوٌ".

كتاباتي ❄ (مقالات دينية)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن