18- انعكاس الأوركيد

3.8K 238 43
                                    

'تواجدك بجانبي يضفي الحياة على كل شيء'
_

Yohan's pov

كنت أراقب عينا كيانو المركزتان على الطريق،
فيما يقود السيارة بسرعة ثابتة..

أحمل بين يداي باقة زهور الأوركيد،
و الإبتسامة تهرب مني كأن أوراقها
الرطبة تدغدغ أصابعي.

بعد اتصالي به ليلة أمس، أخبرني أنه سيذهب
لزيارة قبر والدته لأن ذكرى وفاتها غدا، و سألني
إن كنت أرغب بالذهاب معه فوافقت فورا، لأنني
لم أكن لأجد فرصة آخرى لإمضاء مزيد
من الوقت برفقته.

كان الجو هادئا، و مع برودة الطقس
بالخارج عبقت رائحة الورد اللطيفة بالسيارة.

موسيقى الراديو منخفضة، و سعادة غريبة
تغمر صدري لمجرد التفكير بأننا معا.
__

ضغط الفرامل ليتوقف أمام سور أبيض عالٍ
علقت عليه أجراس الكنيسة، و صفت بجانبه
تماثيل ملائكة و نافورات صغيرة.

نزلنا من السيارة، و سرنا سويا نحو بوابة
معدنية مصبوغة بالأصفر.

نظرت حولي في ذهول فيما أتبعه، و دخلنا
الى المقبرة لأشعر بالإنبهار من جديد. كانت
المساحة الواسعة تبدو كقطعة مقصوصة من
الجنة، حيث غطت الثلوج شواهد القبور و نمت
على أسطحها ورود و حشائش ملونة.

توقفنا أمام قبر متوسط الحجم كتب على شاهده
'إليانا غرايس- متوفاة بتاريخ 17-02-2016'

نظرت الى السماء حيث بدأت الشمس بالظهور،
ثم أشحت بنظري لألمح تعابير كيانو و قد
بدا و كأنه سينهار في أي لحظة.

كان يجلس القرفصاء، و يتشبت بباقة
الأوركيد الصفراء بشدة، مغمضا عيناه
كطفل يحبس دموعه.

وضعت يدي على ظهره بحذر بعد أن طال
جلوسه في نفس الوضعية، لأسأله بهدوء:

"كيانو.. هل أنت بخير؟"

فتح عيناه ببطء، و كانتا حمراوتين لأبعد درجة،
كما لاحظت ارتعاش ساقيه عند وضعه
لباقة الورود فوق النعش.

شعرت بأنه يحاول منع نفسه من إخراج
هذا الألم القابع بداخله، كان يكبت مشاعره
و يتجاهل قلبه المثخن بجروح الماضي.

أحسست بشيء من الغصة داخل حلقي،
و لم أستطع أن أوقف نفسي من الإمساك
بيده بلطف مشبكا إياها بيدي.

"لا بأس كيانو، لا بأس! تستطيع أن تبكي"
همست فوق شعره لأربت
على رأسه بلطف.

واصل تحديقه بالأرض للحظات، ثم أفلت يدي
ليفك ربطة عنقه و يعيد امساكها مجددا،
شعرت بأصابعه تتحرك هذهذ المرة لتتمسك
براحتي و تضغطها نحو صدره بقوة.

استطعت أن أحس بضربات قلبه الذي أخذ
يخفق بعنف كطفل صغير خائف.


كان ثمة حزن عميق داخل عينيه، انحنيت لأجلس القرفصاء بجانبه دون أن أنبس بحرف أو أفلت
يده، أردت فقط أن أخفف عليه.

كان يتنفس بقوة كأنما يكابر لإخراج شهقاته،
و أدركت أنه كان يخفي هشاشته هذه خلف بروده
و قلة اهتمامه، تماما كما أخفيت أنا مخاوفي خلف
بهجتي و ثقتي الزائفة.

إقتربت من جسده أكثر، ملاصقا قدمينا معا،
و هناك فقط استطعت أن أسمع
صوت نحيب خافت يصدر عنه.

أدركت أنه يبكي بطريقته، و جعلني هذا أشعر
بشيء من الرضى، فرفعت يدي الأخرى لأطبطب
فوق ظهره حتى يسمح لنفسه بإخراج كل
ما اختنق بداخله لسنوات..

--

-in the other side-

"سيدي، إنه بأحد المقابر رفقة رجل آخر.."
قال صاحب البذلة الرسمية مخاطبا
من على السماعة.

"فلتواصل متابعة تحركاته، و لا تفقد أثره"
أجاب ذو الصوت الأجش آمرا.
_

• الفصل يحمل إحساس -Perfecta- 💛

[مكتملة] إندورفين|| Endorphinحيث تعيش القصص. اكتشف الآن