... الرهانّ ...

4.6K 296 8
                                    

.
.
.
.
مضت ايام منذ ان انتقل مارسيل الى قصر عائلة كينغ، وجميعها كانت ايام سعيده لتشاستين، كان الحزن على لوسيان لا يزال موجوداً الا ان وجود اخاه معها هون عليها قساوة الامر.
في هذه الفتره، كان مارسيل طبيعياً للغايه ، لا يوجد اي خلل به وعلمت هي ذلك، لانها رافقته طوال الوقت، عدا فترة الليل، تشاركا الكثير من الحديث والتنزه والدراسة والواجبات، ولاول مرة لم يتدخل والدها لينتزع هذه السعادة منها، ربما لانه ظن ان الصبي طبيعياً بحق، ولكن ما لبث مارسيل حتى ثبت العكس...
في احد الليالي لم تتمكن تشاستين من النوم، كانت الساعة قد قاربت الواحده بعد منتصف الليل، حاولت التقلب على جانبيها لكن دون فائده، لذا قررت النزول واحضار كأس من الحليب، لربما ساعدها.
نزلت السلم بعد ان ارتدت روبها فوق ثياب النوم الخفيفه ثم اتجهت نحو المطبخ ، كل شيء كان مظلماً ولحسن حظها علمت تماماً اين ستجد لنفسها كأساً وعلبة حليب.
استخرجت تشاستين علبة الحليب وبدأت تسكب لنفسها حتى اكتفت وفي طريقها لتعيد العلبه لمحت طيف شخص واقفاً عند باب المطبخ تسبب لها بالفزع، تراجعت ووضعت يدها فوق قلبها الذي كاد ان ينفجر من الخوف...
- من هناك!
صاحت بهلع لكن من كان هناك لم يجب، بل تقدم ناحيتها بينما اخذت هي تتراجع الى الخلف.
- ماذا تفعلين خارج السرير ايتها الصغيره؟
- م...مارسيل؟...لقد اخفتني للموت!
قالت له وهي تضحك وتتنفس الصعداء، لقد جفت الدماء من عروقها بسبب الرعب ، حتى ظنت ان شخصا ما قد اقتحم القصر!
تركته يصل اليها وهنا رأت ان نظرة عينيه تختلف تماماً عن المعتاد، لقد كانت حاده وساخره، كما لو انها انتمت لشخص اخر:
- ل...لماذا انت مستيقظ؟
سألته وهي تعيد الكأس الى الطاوله فأطلق ضحكة قصيره واجاب:
- لأراكِ بالطبع...لقد اشتقت لمقابلتكِ...وعندما سمعت صوت اقدامك الناعمه، لم اتمالك نفسي...كان يجب ان اراكِ...كما اني اشتقت للهواء العليل...ذلك اللعين لا يتركني اخرج ...يحاربني كما لو كنت عدوه...
اقترب منها اكثر وتناول خصلة من شعرها الفضي بين اصابعه النحيله، ولم تشعر تشاستين بالارتياح، لم يشتم مارسيل احداً امامها من قبل، لم يكن من ذلك النوع على الاطلاق:
- م...من تقصد باللعين؟...
تحولت ضحكته القصيره الى اخرى بارده جعلتها تتراجع لا اراديا الى الوراء مجدداً:
- الشخص الذي كنتِ تقضين الوقت معه بالطبع...ذلك الضعيف...هو لا يستحق ان يبقى معكِ مثلي يا تشاستينا...لكن لنضع ذلك جانباً ودعينا نلعب قليلاً؟
لم تفهم تشاستين عن ماذا يتحدث او ما الذي يجري، لقد كان هناك خطباً ما بهذا الشاب ولا تعلم ما هو، لكن شيئاً ما جذبها اليه...
- بأمكاننا اللعب في الصباح...لقد تأخر الوقت وانا متعبه...
قالت الفتاة وهي تحاول المرور بجانبه وفي كل مره قام بأعتراض طريقها:
- ما الذي تفعله؟
سألته والاحباط يتسل الى نفسها:
- احب كم تبدين كضحية صغيره، خائفه ومرتعبه...
استقرت احد يداه على رقبتها واخذت اصابعه تلامس بشرتها برفق:
- سأحرص ان لن تنسيني ...حتى لو كنتِ بين ذراعيه.
تراجعت تشاستين مجدداً الى الخلف لتلامس بالحائط ورائها:
- مارسيل...ماذا تفعل...
سألته بقلق بعد ان بدأ ينحني ويقترب من وجهها شيئاً فشيئاً:
- اضع علامة على ممتلكاتي...دعيه يشاهد عاجزاً...
حاولت تشاستين ان تدير رأسها بعيداً عنه لكنه استخدم يده الاخرى لتثبيت رأسها، وبأبتسامة جذابه طبع شفتيه برفق فوق شفتيها ليدهشها ويجعلها تتسمر في مكانها...
لم تدرك ان لمارسيل اي مشاعر تجاهها ، ليس بهذه السرعة على الاقل...
بدأت قبلته تصبح عنيفة فجإة وذلك جعلها تصحو من الضباب الذي اعمى عينيها ، فقامت برفع يدها الى صدره وحاولت ان تدفعه بعيداً لكن ذلك جعله يبتسم بغرور، لقد كان كالصخرة الثقيله التي ارتكزت فوقها ومنعتها من الحراك...
- م...ار...سيل...
قالت له من بين القبلات وهي تحاول ان تدفعه اكثر ولكن دون جدوى...
ارادته ان يبتعد ولكن ليس بسبب القبله، هي فقط لم تستطع التنفس وكادت ان تختنق بسببه...
ابتعد مارسيل فجأه عن جسدها ولم تنتبه تشاستين بأنها كانت ترتكز عليه، لذا سرعان ما فعل، سقطت على الارض بسبب ضعف ركبتيها ويدياها المرتجفتين...
- تشاستين...
قال مارسيل بصوته الدافئ المعتاد...
- يا ألهي ماذا فعلت...
شاهدته وهو يتراجع مذعور مما جرى...
- انا اسف...اسفٌ حقاً ...سامحيني ارجوكِ...
توسل بها وهو يمد يده بأتجاهها لعلها تأخذها وتطمأنه ، لكنها لم تفعل، لقد كانت مشغولة بلمس شفتيها بيدها المرتجفة بينما ارادت ان تدارك ما جرى للتو...
- تحدثي الي!
امرها بعد ان بدأ هدوئها يقلقه...
- لم...فعلت ذلك؟...اذا لم ترغب بالامر...لم فعلته؟...
سألته بدهشه، لقد بدا متألماً ونادماً وخائفاً ، كما لو انه ارتكب جريمه...
-ذلك لم يكن انا! يجب ان تعلمي!
اخذ يديها بين يديه الاثنتين وهو يجلس امامها ثم اكمل:
- ...بل كان انا... لكن ليس شخصي الحالي...انه شخص اخر...شرير...وحقود...انه من احاول القضاء عليه ...انا احاول هزيمته حياتي كلها...لم ارغب ان تلتقي به او تصادفيه حتى، لقد كنت خائفاً من ان يحدث الاسوء وقد حدث بالفعل...انا اسف تشاستين ...لم اقصد ان افقد السيطره...رجاءاً سامحيني...
لقد بدا مارسيل ضعيفاً للغايه وهش لدرجة ان كلمة منها قد تكسره...على عكس الشخص الذي كان هنا قبل قليل...مفعم بالسلطة والثقه...
- لم يكن خطؤك...
قالت له وهي تسحب يديها وتهم بالنهوض...
- لا عليك، لم يحدث شيء سيء، لنتحدث لاحقاً فأنا متعبه...
اصطنعت الفتاة ابتسامة صغيره ثم ابتعدت عن الشاب الذي بقي جالساً على ارض المطبخ بينما صعدت هي الى غرفتها...
اغلقت تشاستين الباب واتكأت عليه...لقد قبلها...مارسيل لقد قبلها...
فكرت بنفسها وقلبها يرفرف من المشاعر، وحتى لو كان ذلك الذي قبلها ليس هو ، لم تمانع...لقد وجدت قوته وتسلطه مثيرين للحماس...وفي المقابل لطالما احبت دفئ ولطف الشخص الاخر...
لقد اصبحت تشاستين في ورطه...وهي تعلم ذلك جيداً...
.
.
.
.
* عودة الى القصر *
نهضت تشاستين من سريرها بعد ان تأكدت من رحيل كريستن...لم تكن في مزاج للحديث او مناقشة ما جرى...لم ترغب بالشفقة او الاجابة عن الاسئلة الفضوليه...
لم تشعر بالجوع ولا النعاس، لم تعلم اين تذهب، كل ما ارادته هو الخروج من هذه الغرفة التي بدأت تخنقها...
ولكن كان هناك من يمنعها من ذلك...خوفها...
كانت خائفة من الخروج، لعلها تصادف مارسيل في احد الاروقه، او اتعس...لربما هو يبحث عنها ليقتلها...
اكتسحت قشعريرة الارتباك بدنها وهي تغادر الغرفة وفي كل خطوة اتخذتها فكرت بالعودة واقفال الباب، لكنها شعرت بالخجل من نفسها، لم تكن بالفتاة الجبانة سابقاً، لطالما تشابكت بالعديد من المعارك ، وفي اخرها قتلت انغريد دون ان تفكر مرتين...اذن لماذا هذا الضعف كله...
وصلت تشاستين الى احد الشرف المفتوحه في نهاية الممر، كانت تطل على جانب النهر حيث التقت ضفته الاخرى بالغابه.
كان الجو بارداً مع نسمات لم ترحم بالكائنات البشريه، ولحسن حظها انها لم تكن كذلك.
بقيت واقفة هناك تتأمل مشهد الرياح وهي تتراقص مع الاشجار، وصوت جريان المياه البارده حتى عكر الصفو صوت خطوات...لقد كانت لشخصين...
كادت تشاستين ان تتراجع الا انها توقفت حين رأت قريبها وزوجته ينبثقان من بين الاشجار يداً بيد وتوقفا بعد ان عبرا النهر، تمكنت تشاستين من رؤيتهم بوضوح وسماعهم ايضاً...
- هل انتِ متعبه؟
سأل الملك زوجته التي اومأت بالنفي وهي تختبئ تحت ذراعه لتعانقه ، لكن الملك بالرغم من اجابتها قام برفعها بين يديه كالعروس وقبل جبينها ثم قال:
- كنت اتمنى ان تقولي اجل، لكني سأحملكِ على اية حال...
ضحكت ميراج وهي تطوق عنقه بذراعيها وتقبل شفتيه بلطف بينما سار بها الملك عائداً الى القصر...
لم تنتبه تشاستين انها كانت تنظر اليهما وهي تبتسم بحزن، لقد استحقت ميراج هذه السعاده، وتمنت هي الحصول عليها، لكن في هذه الظروف يبدو ذلك مستحيلاً...
- انتِ لا تستحقين ذلك.
جاء الصوت البارد من ورائها ليجفلها بعنف ويجعلها تتجمد من الرعب...
لقد كان صوت مارسيل، ماذا يفعل هنا...ربما جاء ليقتلها وينهي عمله...
- انتِ لا تستحقين سعادة كتلك.
قال لها كما لو سمع افكارها...
- الطيبون هم من يستحقون...اولئك الذين يتسببون بالسعادة لغيرهم...لا الذين ينشرون التعاسه...
كانت انفاسه تلفح اذنها اليمنى واطراف شعرها، زاد من رعبها...
- لكني...لم افعل ...اي شيء...
اجابته والدموع تتجمع في عينيها...لطالما صدقت بأنها فتاة جيده، تساعد الغير وتخاف على مشاعر المقربين لها ، تضع احتياجات الجميع قبل خاصتها...
- الم تسمحي له بأغراقي يا تشاستينا؟ الم تقفي وتشاهدي كالصنم؟...
هزت تشاستين رأسها بالرفض بعنف حتى عصفت خصلاتها بشفتيه وخده...
- لقد حاولت ان اوقفه...حاولت ان امنعه لكنه انساب من بين اصابعي...
اجابته ودموعها تنهمر...لقد حاولت بالفعل...هي لم تنسى قط ما حدث...كل شيء كان واضحاً تماماً كما لو حدث ليلة البارحه...
- لا يهمني ذلك الان.
قال وهو يلتصق بظهرها ويمسك كتفيها بيديه:
- فذلك الشخص قد مات واختفى الى الابد...يجب ان اشكركِ...فبسببك تمكنت من هزيمته...لقد كان ضعيفاً للغاية حين تلقى تلك الرسالة من والديكِ...لا اعلم اي لعبة كنتم تمارسون لكني شاكر لكم وممتن.
- اي رسالة؟...
سألت تشاستين وهي تقطب حاجبيها...لكنها شعرت بشفتيه القريبتان من خدها وهن تبتسمان :
- بأمكانكِ ان تتركي تصرفات الحمل الوديع خلفكِ ... انا اعلم تماما ما انتِ عليه...
- انا لا ا علم عن ما تتحدث...
همست الفتاة وهي تحاول ان تكبت دموعها... فهذا الشخص الذي يستمتع بتعذيبها لا يستحق ان يراها وهي تبكي...:
- أتعلمين؟...اشعر بالتحدي... فلنضع رهاناً...
اي رهان هذا يمكن ان يجمعهما؟! فكرت الفتاة في نفسها وهي تستدير لتواجهه وتنظر في عينيه المتجمدتين...
- سأراهن اولاً على انكِ ستكونين اول من يسقط هذه المره...وحين ستفعلين...سأمسك اطراف اصابعكِ الصغيره قبل سقوطك ثم سأدعكِ تنسابين ببطئ لتهلكي وحدكِ...فقط لتعلمي كيف هو ذلك الشعور.
انه مجنون بالفعل...هل كان يظن انها فعلت ذلك عن قصد؟ لقد افنت سنواتها الاخيره من عمرها البشري وهي ترثيه، وحتى بعد ان اصبحت مصاصة دماء، لم تتمكن من نسيانه، وها هو الان يحاول ان يغرس الذنب بقلبها المحطم ويضع اللوم بأكمله عليها...
- لماذا تفعل كل هذا؟...
سإلته بضعف...:
- كنت اعتقد بأنك قد مت، واخذت ما تبقى من قلبي معك لكن الان...انت هنا...ولوهله شعرت بأن القدر يحبني...وها انت تثبت لي العكس...
بدا مارسيل متراجعاً قليلاً لثواني ولكن سرعان ما استعاد بروده وسخريته:
- لا تزالين طفلة حتى مع مرور هذه السنين كلها...
قال بأبتسامة بارده ثم اكمل:
- ضعي رهانكِ صغيرتي...فالوقت يمضي.
ابعد يديه عن اكتافها ببطىء كما لو اراد ان يلمس كل انش في ذراعيها ثم استدار ورحل دون ان يقول اي شيء اخر...
لقد تركها واقفة هناك والعديد من الاسئله تجول في عقلها المشوش...
ماذا حدث للتو...وهل رحل مارسيل القديم حقاً...
لقد كانت في مأزق لن تستطيع الخروج منه الا بعد رحيل مصاص الدماء هذا من هنا...
.
.
.
.
يتبع...

مشعوذة الجنرال ( مارسيل )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن