.
.
.
.
.
حل الظلام على ارض المملكة وعادت الحياة من جديد في الشوارع والازقة المهجورة، كما خرج الناس من منازلهم وبدأ مصاصي الدماء بمزاولة اعمالهم التي تأخرت بسبب هذا اليوم المشمس.
كان الملك لا يزال يحتضن زوجته ليساعدها على الشفاء حين شعر ان جسده المتيبس بحاجة الى الحركه والا سيتحول الى حجر في الساعات القادمة.
تحرك قليلاً وشعرت ميراج بعدم راحته فنهضت واخذت تنظر اليه لترى ما الخطب الا انه بادلها بأبتسامة ساحره واستلقى على ظهره:
- أزلتِ لن تتحدثي الي؟
نظرت ميراج بعيداً واخذت ترتب شعرها بيديها وهي تحاول ان تتجاهل رغبتها بمبادلته الابتسامه.
- صغيرتي...
نادى عليها وهو يجلس ويلتقط كلا يديها بيديه:
- تحدثي الي...
فقط عندها نظرت ميراج الى عينيه الداكنتين وعضت شفتها السفلى بخجل فما كان له الا ان يضع ابهامه عليها ويبعدها عن انيابها وهو يقول لها بصرامه:
- لا تفعلي ذلك امامي...لن استطيع ان اتمالك نفسي...
- لا اذكر بأنك فعلت يوماً...
اجابته وهي ترمقه بنظرة مرحه:
- ربما لأنكِ تقودينني الى الجنون؟
اخبرها وهو يتناول وجهها بيده ويقربها الى صدره مجدداً ليحتضنها:
-أكنتِ وحيدة من دوني؟
سألها وهو يربت على شعرها بلطف:
- كلا.
كذبت وهي تتمسك بقميصه الحريري:
- لقد شعرت بكل شيء...
- كاذب...
- عزيزتي كيف لي ان اكذب بهذه السهولة دون ان تشعري بذلك وانتِ جزءٌ مني؟ الا تشعرين بصدقي؟
هزت ميراج رأسها نافية ذلك بالرغم من شعورها بصدقه وكل ما قاله...:
- اذا كيف لم تعود من اجلي مبكراً؟ لو شعرت حقاً بكل شيء لم لم تعد؟
- انظري الي...
قال لها وهو يتناول وجهها بكلا يديه ويرفعها حتى اصبحت عينيها امام عينيه ثم ضغط على خديها بلطف وقال:
- انتِ تعلمين كم كان اوليمبوس يحتاجني...تعلمين كيف اريد ان اخلص المملكة من اولئك البراغيث ليعيش الجميع في مآمن منهم...كان يجب ان اضحي بالكثير...ان اتجاهل رغباتي وآلامي من اجل ان احميكِ انتِ وكل شخص يهمنا....يجب ان تعلمي...ان كل ما افعله هو لآجلكِ.
كادت ميراج ان تتحدث لولا الطرق المفاجئ على باب غرفتهما، كان طرقاً مسعوراً ربما قد جن كل من يطرق الباب هكذا!
- ميكائيل!
دوى صوت كريستن خارج الباب:
- ميكائيل افتح، انها تشاستين!
سرى القلق والخوف في اوردة ميراج بينما قطب الملك حواجبه واسرع ليرى ما يجري.
كان كريستن احمر العينين من شدة الغضب وكادت قبضته ان تجد مأوى لها في وجه قريبه لولا سرعة الاثنين وتداركهما للامر.
- ميكائيل.
قال كريستن وهو يمسك بذراع قريبه بشدة:
- يجب ان تأتي معي الان! ذلك ال...
كاد ان يتكلم بكلام بذيء للغايه لولا ان شاهد يد الميكة تحط على كتف زوجها والخوف يملئ عينيها:
- ما الذي يجري...
سألت بضعف، فتنهد الاخر ليضبط اعصابه ثم قال:
- انه مارسيل...لقد قام بوضع علامة على تشاستين...
اتسعت عينا ميراج من البهجة وتسللت يدها نحو مكان العلامة التي وهبها اياها الملك.
- لكن تلك اخبار رائعة!
اجابته بفرح فقال:
- بالطبع هي رائعة! لو لم يكن مجنوناً! ميكائيل يجب ان تفعل شيئاً لقد زاد الامر عن حده!
- لا لن نفعل شيء!
قالت ميراج معارضه:
- بل يجب! كيف نسمح بحدوث شيء كهذا لتشاستين؟
- كريستن...
قال الملك بنبرة واضحة:
- انت مدركٌ تماماً ان العلامة لا يمكن لأحد ان يهبها الا برضاء الطرف الاخر، اليس كذلك؟
- بالطبع!
اجاب كريستن بعصبيه:
- بالطبع، انها على الارجح تشعر بتأتيب الضمير جراء ما حصل وسمحت له بذلك!
- انها تحبه كريستن...
قالت ميراج:
- الجميع يمكنه ان يرى ذلك، لمَ انت لا؟
استقام كريستن واخذ ينظر الى الزوجين ثم اجاب بنبرة معتدله:
- ربما لانها لا تستحق شخصاً مثله؟
- لكن ذلك لا يغير حقيقة مشاعرها...
كانت ميراج قد بدأت بالضعف حتى فقدت السيطرة على ركبتيها وكادت ان تسقط ارضاً لولا ان مرر للملك يده بسرعة حول خصرها وامسك كريستن بأناملها الباردة:
- هذا يكفي ميراج ستعودين الى السرير...
- لكن...
حاولت ان تجادله وتذهب لترى ما يجري لكنه اطلق حكمه واكمل:
- ستتحدث بعد قليل يا كريستن حالما اطمئن عليها ، انتظرني.
لكن كريستن كان لا يزال ممسكاً بيد الملكة وهو ينظر اليها بدهشة وبال شارد:
- كريستن!
نادى عليه الملك ليجفله ويترك يدها وهي تنظر اليه بأستغراب، وما كادت ان تتدفق الافكار في عقل الشاب حتى قام برفع الجدران حول عقله ليحبس الجميع خارجها...امرا وجده ميكائيل غريباً نوعا ما.
لم يطل انتظار كريستن وهو واقف على باب الجناح الملكي او هذا ما شعر به وهو غارق في افكاره وفي اكتشافه الصغير حتى عاد الملك ليغلق باب غرفته ويمشي نحو المكتب حيث تبعه الاخر.
.
.
.
لم تكن تشاستين تدرك بأن كريستن كان يتربص بها اليوم بأكمله ، حتى حين خرجت من غرفة مارسيل وهي تترنح لتبحث عن مخزون من الدماء او النبيذ. والاهم لم تكن تعلم كيف ستواجه ميكائيل حين سيعلم بالامر...لقد كان غارقا بالكثير من المصائب اللامتناهية ولم يكن بحاجة الى واحدة اخرى، ربما سيتجاهلها كما فعل مع مشكلة البارحه؟
كانت حياتها تخرج عن السيطره ولابد من ترك القصر اذا ما ارادت ان تستقل وتبدأ حياة جديدة...
لكن كيف ستفعل ذلك الان؟ خاصة بعد ان اقتسمت نفسها مع مارسيل بكامل رضاتها...
مارسيل...
فكرت به...
ذلك الاحمق...ماذا ستقول الليدي حين ستعرف؟
اصابها الدوار حين تجمعت الافكار في رأسها ورفضت الانصياع الى غريزتها التي كانت تدفع بها نحو اصوات تدفق الدماء والقلوب النابضة...
تناولت احد زجاجات النبيذ المعتق من على رفوف مخزن المؤونة ولوهله...لم ترغب بالعودة الى جانب مارسيل...لكن الى اين ستذهب؟ اذا تأخرت فحتما سيخرج للبحث عنها وغرفتها لن تكون ملجئ لها حين سيفعل...
خرجت من المطبخ وسارت في الاروقة حتى قادتها قدماها نحو الجناح الارضي المهجور حديثاً ذلك الذي احتوى على الصيدلية وغرفة الطبيب الخائن...
بيكاسوس...ذلك شخص اخر غبي...
قالت في نفسها وهي تتجرع من الزجاجة دون ان تهتم...بالتأكيد لن يجدها احد هنا...
توجهت الى الصيدلية وفتحت الباب بسهولة ثم ما ان دخلت حتى اغلقته خلفها ونظرت الى الارجاء...
كان كل شيء مرتب وفي مكانه...
تلك الكتب على القديمة على الرفوف والمكتب الصغير الذي لم يعد يحتوي على اي ادوات الطبيب والفراش المخصص لاستقبال المرضى في القصر، الا النافذة...لقد سقطت ستارتها حتى ارسلت الغرفة في حمام من ضوء القمر...
- المكان المثالي...
همهمت في نفسها واتجهت لتجلس على السرير بأرهاق...
ربما اذا غطت هنا في نوم عميق لن يجدها احد؟...كم من المدة سيطول ذلك؟ ليلة؟ يوم؟ اسبوع...
لكن مع وجود ميكائيل في القصر كان ذلك مستحيلاً ، فهو سيجدها لا محاله لو اراد او ابدى احدهم قلقه بشأنها...
افرغت تشاستين نصف الزجاجة وهي تسرح في افكارها ومخاوفها حتى شعرت بالتعب والارهاق الكبيرين ينسلان الى جسدها النحيل فأستلقت على الفراش واغمضت عينيها...
مرت امامها مجموعة من الصور والذكريات القديمة حتى توقف عقلها عند احداها...
كان لوسيان يجلس عند رأسها يضع قطعة من القماش المبللة فوق جبينها بينما اخذ يدمدم لحناً لها ليساعدها على النوم...
لقد كانت تذكر ذلك اليوم جيداً...لقد مرضت لانها حاولت الخروج واللحاق بعربة والدتها في المطر...كانت دائما ما تتركها وترحل في اسفار ارسلها القس اليها لتوطيد العلاقات بالكنائس المجاورة...
ابعدت الذكرى البائسة عن عقلها المتعب ولكنها دندنت بلحن لوسيان ...كما تذكر، كانت الاغنية تتحدث عن بحار ذهب ليبحث عن سفينة كنز وقد وعد زوجته بالعودة بعد سنة تحديداً وعلى عكس ما تداولته القصص من مإساة فلقد عاد البحار ليلتقي بزوجته بعد تلك السنة حاملاً لها كنزاً لا يمكن ان تصدقه الاعين ثم كيف اشترى اسطولا من السفن واستولى عليه الطمع ليعود ويبحث عن تلك السفينة المفقودة ليغرق برفقة اسطوله وماله جراء عاصفة وصفتها الاغنية كغضب الرب...
- لم يكن لديه اي مال...
همهمت في نفسها وهي مغمضة العينين غير مدركة كم من الوقت قد غابت ثم وتخيلت صوت لوسيان يكمل:
- فقط قلبٌ نقي...
- وزوجة تساوي ألاف الثروات...
- وابنة تدعى ماريا...قضت معظم وقتها عند الميناء...
تنهدت تشاستين وفتحت عينيها لتنظر الى السقف...:
- كيف وجدتني بهذه السرعه؟
سألت مارسيل الذي وقف الى جانبها متمتماً تلك الاغنية برفقتها...:
- استطيع ان اشعر بكِ الان...لا يمكن ان تتخلصي مني بهذه السهوله...
- انت مريب هل تعلم ذلك؟
قالت له دون ان تخاف منه، ربما مان ذلك تأثير النبيذ او التعب لكنها احست بشجاعة جائت من حيث لا تعلم...
- اجل...واعلم بأنكِ تحبيني لذلك...
قال وهو يجلس على السرير ليستلقي الى جانبها بعد ان افسحت له بعض المجال ثم وجد موضعاً ليرتاح فيه جسده وطوق خصرها بذراعه بينما القى رأسه عند تلك النقطة التي التقت فيها رقبتها بكتفها واغمض عينيه:
- لا يمكنكِ الهروب مني تشاستينا...
قال لها بهمس وشعرت بالكلمات تلامس رقبتها فأغمضت عينيها واستسلمت لشعور الطمأمينة والسلام الذي يرافق لمسته دائماً ثم وضعت يدها فوق ذراعه وقالت...:
- هذا ما يبدو...
.
.
.
يتبع...
أنت تقرأ
مشعوذة الجنرال ( مارسيل )
Vampiro****مكتملة**** مارسيل.. حبها الذي دفنته تحت انقاض ماضيها.. حدادها الذي استمر لمائة عام.. وحزنها الذي وشحها بالسواد منذ الازل... او هذا ما ظنت به.. حين يُبعث مارسيل مجدداً للحياة على هيئة الد اعدائها تجد تشاستين نفسها بأمس الحاجة للهروب منه وتبقى ممز...