... مَأسـاتِها ...

3.2K 262 7
                                    

.
.
.
.
- يجب ان يكون فستانكِ رائع الجمال انستي.
علقت المدبرة وهي تحاول ان تسير ببطئ كي تواكب خطوات تشاستين المتململه، بالطبع كانت الشمس الساطعه احد عوامل تذمرها وازدياد مزاجها سوءاً، فهي لم تتعرض لها بهذا القدر منذ اشهر...
- لقد اوصتني والدتكِ بالذهاب الى خياط العائله، فهو الوحيد الذي يملك الفساتين الجيدة في هذه الانحاء.
علمت تشاستين بأنها لن تختار فستانها كما ظنت، بل كانت ذاهبه فقط من اجل اخذ قياساتها ليس الا... نجحت والدتها بخداعها هذه المره...
كان خياط عائلة ال كينغ يقع في منتصف الاسواق حيث تراصت المباني وتغلغلتها الافرع الضيقه المظلمه التي لطالما تجنبتها الفتيات خوفاً من المخمورين والمجرمين والاكثر سوءاً...مصاصي الدماء...
ربما اصبحت المسافة اطول لان قدميها بدأت تتعب وشعرت بثقل وزن فستانها الاسود في كل خطوة اتخذتها صوب الامام...
- انستي ، لن نصل في الوقت المناسب اذا سرت بهذه السرعه، الا يمكنكِ ان تسرعي قليلاً؟
قالت المدبره وهي تتنهد ، فتنهدت تشاستين بدورها وقالت :
- كلا، انا متعبه، لم امشِ بهذا الكم من المسافة منذ مده، بأمكانك ان تسبقيني اذا اردتِ.
وصلت الاثنتان الي تقاطع الطريق الرئيسي حيث توافد المتبضعون على المحال وعلت اصوات الباعة المتجولين مع بعض العربات الملكية في الارجاء مما يعني نزول الملك في الاسواق.
- لنتخذ الطريق المختصر اذن.
قالت المدبرة وهي تترك الشارع الرئيسي لتتجه نحو احد الافرع المظلمه، ورحبت تشاستين بتلك الفكره، فلقد ازعجتها الشمس حتى كادت ان تستسلم وتجلس في منتصف الطريق.
- كما تريدين...
اجابت تشاستين وهي تتبعها بخطى مثقلة.
حالما دخلتا الى الزقاق المظلم، هدأت جلبة السوق واختفت الشمس حتى بان منها القليل فقط. كانت المدبرة تزيد من سرعتها كلما سمعت صوت قطة مشردة او صوت خطى اخرى لا تعود لغيرهما، بالطبع كانت خائفة ولكنها علمت ان فرص تعرضهما لمصيبة او مأساة قليلة لان الملك في هذا المكان، لقد قيل عنه بأنه يسمع جميع من حوله، ويساعد من يحتاجه بالرغم من صرامته المرعبه وسوداوية روحه.
اما تشاستين فلم تهتم، لم تعتقد يوما ان شيئاً ما سيحدث لهما، كان ذلك ما ظنته حتى سمعت صوتاً كصوت قطة تثب على الارض، ولم تبذل جهداً للنظر اليها.
- لقد كدنا ان نص...
قالت المدبرة وهي تستدير لتنظر الى تشاستين ثم تصلبت في مكانها وفتحت عينيها كما لو رأت شبحاً، تعجبت تشاستين وحاولت ان تسير اليها لترى ما خطبها لكن الاخرى تراجعت بعنف كما لو اصيبت تشاستين بالطاعون...
كان هناك امراً ما... فكرت الفتاة في نفسها... كان هناك شيئاً ما خلفها...وتأكدت من ذلك حين استدارت لتنظر ورائها، فرأت الهيئة الطويلة ذات الشعر القصير التي صادفتها في الغابة منذ اشهر...لكن هذه المرة...كانت ملامحه واضحة...شاب في بداية الثلاثين او نهاية العشرينات ذا عينان قرمزيتان ناعستان ووجه ذا عضام فك بارزة.
جفلت تشاستين وعادت الى الخلف بعنف دون ان تبعد فستانها فما كان لها الا ان تتعثر به لتمسك بها تلك القبضتين القويتين وتجذبها الى صدره الصلب البارد...
- لا تتركيني...
همست تشاستين وهي تشيح بنظرها نحو المدبرة التي كانت قد بدأت بالتراجع منذ البداية:
- بل افعلي...اذا لم ترغبي بأن تصبحي وجبتي التالية.
قال الشاب بصوت بارد بعد ان كشر عن انيابه البيضاء.
- ك...كلا...سأرحل! سأرحل! لن اقول شيئاً!
قالت مدبرة المنزل بخوف وهي تغطي فمها بيديها.
تجمعت الدموع في عيني تشاستين وهي تشاهد المرأة تتمتم كلمة اسف وتركض تاركةً اياها بين يدي هذا الوحش.
...ستعود... قالت في نفسها ...ستحضر المساعدة وستعود...
- نلتقي مجدداً ... انسة تشاستين.
همس صوته بالقرب من اذنها لتتسارع نبضات قلبها كالأرنب الخائف، كانت مرعوبة جداً على ان تقاومه...:
- لقد كنت ابحث عنكِ... هل انتِ تائهة الان ايضاً؟
سألها وهو يلامس رقبتها بأنفه... فكرت بالهروب لكن ذراعيه الفولاذيتين طوقتا خصرها واعاقتا ذراعيها عن الحراك..
- اجيبيني...
قال وهو يشد ذراعيه على خصرها حتى شعرت بالألم فقالت بضعف...:
- ك...كلا...
- كلا؟ حسناً هذا مؤسف...
جمعت تشاستين ما تبقى لها من شجاعة وسألته بصوت مرتجف...:
- م...ماذا تريد ...مني؟
- انا؟
قال بصوت يحمل نبرة الدهشه المتصنعه:
- لا شيء! لقد كنت اتبضع في الجوار حين رأيتكِ...لقد تفاجأت بالطبع فلقد بحثت عنكِ منذ مدة الان حتى يأست... ولكن ها انتِ ذا تتمشين في الشوارع مطمئنة...يجب ان تعلمي ان مصاصي الدماء لا يضيعون طعامهم...وان هرب فسيزيد ذلك من حماسهم للمطاردة ليس الا...
بلعت تشاستين ريقها وهي تتجرع كلماته ...لقد اعلن عن رغبته بمص دمائها بكل سهوله دون ان يبذل اي جهداً للتستر عليه...
- م...ماذا ستفعل بي...؟
سألته وهي تشعر بالغباء فضحك ومرر يده على شعرها ليبعده الى الجانب الاخر ويكشف عن رقبتها العاجيه...
- سأتناول طعامي بالطبع...الا يمكنكِ ان تحزري ذلك؟
سرت القشعريرة في رقبتها وهي تشعر بكلماته تلفح بشرتها ، كيف وصلت الى هذا الحال؟ الم تكن في منزلها قبل قليل تعيش حزنها وتختلي بنفسها في البرج العاجي الذي بنته من حولها؟
- الملك في المدينه...
قالت له مهدده وهي تحاول ان تخيفه لكن دون جدوى، لان الاخر قهقه بسخرية بينما ادارها لتواجهه وتنظر الى عينيه المخيفتين...
- كما ترين...انا لا أؤمن بسياسات الملك ولا اهتم حقاً لما يقول.
استغلت تشاستين غفلته وحاولت الرجوع الى الوراء والهرب لعلها تصادف احد ينقذها ، لكن كل امالها تبددت حين شعرت بظهرها يصطدم بعنف على الجدار الحجري.
- انتِ تثيرين حماسي حقاً.
همسلها بصوت مضطرب ثم مرر اصابعه البارده على رقبتها، لم تعلم السبب الحقيقي وراء تلك الدموع اللتي بدأت تلسع عينيها، ربما كان ذلك بسبب الخوف او بسبب اليأس الذي تملكها...
- الن تتوسلي؟
سألها وهو يتراجع قليلاً لينظر في عينيها ليرى ما يرضيه لكنها قابلته بقبضة ضعيفة كافيه لابعاده عنها وتشتيت انتباهه، لكن سرعان ما تمالك نفسه وامسك برسغيها بيد واحده:
- فتاة سيئة.
انبها بأبتسامه. كانت تشاستين حتى الان لا تزال تأمل بعودة المدبرة لمساعدتها، لكنها ربما قد تتأخر...قد تتأخر كثيراً...
امسك مصاص الدماء برأسها بعنف واماله بحركة حادة الى اليسار ليصبح عنقها مكشوفاً تماماً، حاولت المقاومة، حاولت ان تخلص يديها، ان تقاتل من اجل حياتها ، حتى شعرت بأنيابه الباردة تغرس في جلدها ورقبتها لينتشر الالم فيها كألاف الابر التي اخترقتها في اجزاء من الثانية.
كانت لا تزال تقاوم والصراخ حتى بدأ التنمل ينتشر في اطراف اصابعها ويضعف ركبتيها...اجل...كان الدم ينساب منها كما لو كانت نهر معطاء...وفي كل ثانية اصبحت تستسلم اكثر لمصيرها.
بدأ بصرها يتلاشى شيئاً فشيئاً حتى شعرت به يطوق خصرها ليسندها على الوقوف ليكمل ما بدأه ثم دوى صوت الصفير في اذنيها ليعلن عن غيابها عن الوعي وسقوط اخر جدران مقاومتها...
ربما لو كان مارسيل حياً لقاومت اكثر من اجله، لكن الان، لم يبدُ الموت سيئاً، بل على العكس...لقد كان يبعث على السلام...
- تراجع.
جائت النبرة الباردة من خلف مصاص الدماء لتجبره على ان يخرج اسنانه من ضحيته ويرفع عينيه ناحية الشخص الذي تحدث اليه بنبرة متعالية.
- جلالتك...
قال مصاص الدماء وهو يترك جثة تشاستين تهوى على الارض بعنف.
لقد كان الملك ذي هالة مظلمة للغاية انبعثت منه الظلال السوداء حتى اجتاحت الجدران من حولهما. اما جسده...فلقد كان كبيراً للغاية حتى اشعر منافسيه بصغر حجمهم حين يقف امامهم وعيناه حملتا معنى الغضب والصرامة كجنرال حرب خاض معارك ضاريه ونجا منها بفرقعة اصبع...
- هل تعلم ما ارتكبته؟
قال الملك وهو يرفع انفه بتعالٍ قليلاً فتراجع مصاص الدماء الى الخلف ولم يكن بوسعه الا ان يلاحظ شخصان يقفان خلف الملك، احدهما بدا كرئيس للخدم بينما الأمرأة بدت اكثر جدية...كما لو كانت قائدة من نوع ما...
- انا...
حاول المذنب ان يتفوه بعذر لكن دون جدوى ، لقد توقف عقله عن العمل كما سرى الخوف في جسده حين شعر بضغط اسفل قدميه ونظر للأسفل ليرى ظلال للملك تتسلق ساقيه ببطئ...
- سامحني جلالتك...لم اكن اقصد ذلك...ارجوك...
- في كل مره...لم يقصد الجميع ذلك...
اجاب الملك وقد بدا عليه الغضب والاحباط ثم حرك اصابعه ليأمر ظلاله ان تغطي الشخص الذي امامه بأكمله...
- ان مظهرك مقزز بالنسبة لي.
قال وهو ينظر الى جثة الفتاة ثم الى فمه الذي تلطخ بالدماء.
- اعتبر هذه خدمة لك.
قال الملك ثم طوقت الظلال مصاص الدماء وبدأت تخترق جسده لتمزقه كما لو كان ورقة وليس لحماً وعظاما حتى اصبح خلال ثواني مجرد صدى صرخات في الزقاق ورماد منتثر...
- انهالا تزال على قيد الحياة...
قالت المرأة وهي تنظر الى تشاستين بشفقة بينما انحنى الخادم وتفقد نبضها ثم قال...:
- بالكاد...على قيد الحياة...ماذا سنفعل سيدي؟
- سندع الطبيعة تتخذ مجراها.
اجاب الملك وهو ينظر الى الفتاة التي اصبحت الان مستلقية على ظهرها ليراها بصورة كامله، لقد كانت صغيرة، عمراً وحجماً...كيف لوحش كذاك ان يرتكب جريمة شنعاء كهذه...
- سيدي...لكن بأمكانك ان تنقذها...
اجاب الخادم بنبرة ترجي:
- واجعلها تحمل هذه اللعنة للأبد؟...لم تقترح ما لا يمكنك القبول به يا توتنيان؟
سأل الملك خادمه وهو يرفع حاجبه، لكن الخادم اكتفى بأن يفكر في نفسه وشفتيه مطبقتين ويقول * لأنني املك الخيار يا سيدي...اما هي فلا...*
كان معه حق بالتأكيد، فتشاستين كانت ستموت لا محاله خلال دقائق او ثوانِ ...
- ما هو قرارك سيدي؟
سألت الجنرال الملك مجدداً، لم يكن بأمكانه تجاهل الفتاة الصغيره...لقد رق قلبه لأول مرة على بشر وشعر بالشفقة تجاهها...
- يجب ان تتحمل مسؤولية افعال بنوك يا سيدي...انها مجرد شابة في مقتبل العمر...
قال توتنيان وقلبه يتورم من الالم عليها...
سكت الملك قليلاً ثم تقدم ناحية الفتاة المستلقية وقال بصوت هادئ:
- انت محق كعادتك يا توتنيان...
ثم قام بغرس نابه في رسغه ليسمح بدمه القاتم بالتدفق ودفع به الى فم الفتاة بعد ان رفع رأسها بيده برفق...
استمر بهذا العمل حتى هدأت دقات قلب الفتاة وبدأت تتحول الى اللون الشاحب تدريجياً...
- ضعها في العربة واصحبها الى القصر...سنقوم بالتحري عن عائلتها حين تستيقظ.
قال الملك مخاطباً خادمه الذي هرع ليتناول تشاستين بيديه ويومأ بالاحترام ثم يتوجه الى العربة وهي يشعر بالرضا تجاه قرار سيده ، لقد انقذ الفتاة ، ربما لم تكن روحه بهذه السوداوية التي يصفه بها البعض او هذا ما امله.

مشعوذة الجنرال ( مارسيل )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن