.
.
.
.
تظاهر بآنك تمتلك الشجاعة...
تظاهر بالقوة امام الاخرين...
تظاهر باللامبالاة وانعدام المشاعر...
تظاهر بكل شيء...
من اجل حماية نفسك...
ففي النهاية...
كل الاشخاص اللذين وثقت بهم واحببتهم...
سيستغلون ضعفك لهم وسيضربوك حين لم تكن تنظر بأتجاههم...
.
.
.
استيقظت تشاستين في غرفة مظلمة، كان بصيص النور يمر من خلال الشرفة التي اختفت وراء تلك الستائر السوداء السميكة، ولم تتمكن من ان تلمح اي شيء اخر سوى حجم السرير الضخم الذي استلقت عليه.
كان حلقها جافاً للغاية كمن ابتلع كمية من الرمال دفعة واحده . ارادت حتى ولو رشفة من المياه لتنقذها من هذا الضمأ فتلمست الى جانبها حتى وجدت منضدة خشبيه. استغربت تشاستين حين شعرت بدفئ المنضده، لقد كانت ادفئ من اصابعها ولكن لحسن الحظ وجدت عليها كوب ظنته مملوء بالمياه فجرعته مرة واحده .
كان طعم السائل في فمها اطيب من طعم العسل، بل كان شيئاً يشبه النشوة...ملئ قلبها وجوفها بالدفئ وارادت المزيد منه.
حاولت ان تشم رائحته، لكن تلك الاخرى كانت غريبة وجديدة عليها. جربت ان تنظر اليه من خلال بصيص الضوء لكن دون جدوى.
حين روت عطشها قليلاً لاحظت شيئاً ما وارتبكت...
لم يكن هناك هواء يدخل الى انفها...كما ان صدرها لم يكن يعلو وينخفض كما كانت تتنفس من قبل...
ما الذي يجري...؟
سألت نفسها، وحاولت ان تأخذ نفساً عميقاً ووجدت ذلك امراً صعباً، كمن يحاول ان يحشر حجارة في انفه!
بدأت تشاستين بالهلع حتى سمعت صوت نبض قلب وفرحت...
هي ليست ميته...هكذا طمأنت نفسها...حتى بدأت نبضات القلب تبتعد وتختفي ثم تعود نبضات اخرى ونبضات غيرها ايضاً لتملأ اذنيها ...
ماذا يجري...ماذا حدث لها...هل هذا الجحيم؟ هل ماتت؟!
كادت تشاستين ان تهلع وتركض خارج السرير ففتح الباب ليطل منه بعض النور...
- صباح الخير انستي.
قال صوت بلغة فرنسية ، لكنها لم ترد بل بقيت في مكانها مسمرة وتنظر الى من قد يكون هذا، بالتأكيد لم يكن الشخص الذي اعتدى عليها في السوق، لان الصوت واللهجة اختلفتا...
- من انت!
سألته بهلع:
- اين انا؟! ماذا حصل لي؟! اين عائلتي؟!
انهالت عليه بالأسئلة لكن الغريب اكتفى بالصمت ودخل الغرفة بهدوء ثم اغلق الباب، تتبعته بعينيها لتراه يمشي نحو احد المصابيح ليشعلها واستمر بذلك حتى انار الغرفة بأكملها وحين انتهى ادركت تشاستين بأنها لم تكن بحاجة للمصابيح...لقد رأت كل شيء بعد ان شربت ذلك السائل العجيب...
اقترب الغريب من سريرها وتوقف عند الحافة لينحني بأتجاهها ويقول:
- كريستن سيلفادور، في خدمتكِ يا انستي.
كان كريستن يبدو كشخص مظلم بردائه الاسود وشعره بلون ريش الغراب وعينيه الناعستين الداكنتين وبشرته البيضاء الخاليه من الدماء.
- اين انا؟ لماذا انا برفقة مصاص دماء؟
- ليس من المسموح لي حقاً ان اخبركِ اي شيء، يجب ان ننتظر ميكائيل من اجل ذلك، لكن لا تقلقي فهو في طريقه الينا بعد ان انتهى من جولته الليلية.
اجاب الشاب بنبرة مطمئنه لكنها لم تتمالك نفسها وسألت:
- ميكائيل؟ اي ميكائيل سيلفادور؟!
اومأ كريستن بعدم اكتراث، فقالت بأرتباك:
- ولماذا يريد الملك رؤيتي؟! انا لم افعل اي شيء!
- ليس انتِ...بل هو...
اجاب كريستن ولمحة من الذنب تعبر على محياه...
- انا لا افهم حقاً ما تقول...كم الوقت الان؟ احتاج ان اعود الى المنزل والا غضب والدي مني كثيراً.
شابك كريستن اصابعه وهو ينظر الى الارض ثم قال:
- مهما سيحدث ...انستي...مهما كان الذي سيقوله الملك...اعلمي اننا هنا لأساندكِ حسناً؟
لم سيساندها مصاص دماء؟ ماذا سيخبرها الملك؟! بحق الجحيم لقد بدأت تقلق وتخاف ولكنها لم تشعر بأرتعاشة جسدها كما هو المعتاد!
طرق الباب مجدداً وهذه المره ترك كريستن مكانه ليفتحه ومن كان خلفه ارعبها حتى الموت...
لقد وقف الملك عند الباب بهيبته وردائه الملكي الاسود ذي التطاريز الحمراء والذهبية مع شعره الاسود الذي تدلى على كتفيه بأهمال ولحيته التي بدت مهملة منذ ايام.
حالما وقعت عيناه على عينها انتابتها رغبة للخضوع، فأبعدت عينيها دون اي إرادة منها واخفضت رأسها بأحترام.
- ارى بأنكِ قد استيقظتي.
قال الملك بنبرة معتدله:
- جيد اذن، لنبدأ.
.
.
.
لم تتمكن تشاستين من استيعاب ما حصل...لقد كانت مصاصة دماء...لقد ماتت في ذلك الزقاق...ولولا الملك لأصبحت طعاما للكلاب الضالة الان، اهلها لم يبحثوا عنها ...بل اكتفوا بتقبل امر وفاتها كما لو كان شيئاً بديهياً! ...
لقد كان الملك عطوفاً عكس ما توقعته ولانه كان احد مصاصي الدماء الاصليين وسبب تحولها، فلقد كنت له غريزتها الاحترام التلقائي والخضوع اللاإرادي.
" بأمكانكِ ان تبقي هنا، والعيش تحت حمايتي، لقد كنت مستعداً لجميع العواقب حين قررت انقاذ حياتكِ، بأمكانك ان تكوني جزءً من القصر والعائلة، وان تبدأي حياة جديدة، او يمكنك ان تحاولي العودة الى حياتك القديمه لن يقف احد في طريقكِ، مهما كان اختياركِ سيكون لكِ مكان بيننا."
كان ذلك ما قاله الملك لها قبل ان يرحل، لم تكن مشتتة بين القرار، ارادت العودة لمنزلها، ولعائلتها اللتي ستفتقدها بالتأكيد، فوالدها لن يسمح لها بالرحيل هكذا، فالذنب ليس ذنبها في نهاية المطاف! لو ان مدبرة المنزل احضرت المساعدة لما جرى كل هذا!
" مصاصي الدماء يتخلون عن عوائلهم في النهاية..."
اخبرها كريستن بعد ان رحل الملك :
" البشر يفنون كأوراق الشجر...وبعضهم لا يتقبل وجودنا بينهم ، حتى ولو كنا اقرب الناس اليهم"
هل كان محقاً يا ترى؟ لا تعلم، لكن كل ما ارادته هو الخروج من هنا والعودة الى منزلها.
.
.
.
- ماذا تريد ان نفعل؟
سأل كريستن ميكائيل وهما ينظران من الشرفة الى بوابة القصر حيث تخبطت الفتاة وكادت ان تقع عدة مرات بسبب ضعفها:
- دعها في سبيلها.
قال الملك فتردد قريبه وبدا متراجعاً هو يقول:
- لكن قد يطلع النهار عليها...وربما ستشرق الشمس...
- اتملك نقطة ضعف تجاهها منذ الان يا قريبي؟
اجاب الملك بنبرة موزونة وهو يعود الى جناحه الخاص ثم اكمل:
- افعل الصواب. تعلم جيداًما سيحصل.
ابتسم كريستن بعطف وهو ينظر مجدداً الى الفتاة ويقول في نفسه:
- كما تآمر.
.
.
.
كادت تشاستين ان تصاب بالجنون وهي تسير في الشوارع تارة بخطوات صغيرة واخرى بسرعة كبيرة لم تعتقد بأنها تملكها، كانت اصوات الناس اوضح في رأسها ودقات قلوبهم البشرية عالية بالنسبة الى اذنيها الرقيقتين...كل ما ارادته هو ان ترمي بنفسها امام المنزل وان تدع والدتها تحتضنها وتخبرها ان كل شيء على ما يرام بالرغم من علاقتهما البارده الا انها احتاجتها الان بشدة...
احتاجت الدفىء الذي افتقدته في جسدها النحيل...حتى حين لم تشعر بنسمات الفجر الباردة...
وصلت تشاستين بعد معاناة الى المنزل حين بدأت الشمس بالسطوع، لقد كان هادئاً كما هو المعتاد الا انها شعرت بوخزات الضوء وهي تكاد تخترق جلدها الشاحب فقررت الهرب والدخول دون ان تطرق وتعلن عن عودتها.
فتحت الباب ثم دخلت دون ان تغلقه وجلست على الارض وهي منهكة وتشعر بالتنمل في جميع اطرافها، كل ما ارادته هو الراحة وسد جوعها المؤلم الذي شكل فوهة في معدتها...:
- امي...ابي!
صاحت وهي لا تزال على الارض، لعل والديها سيهبان لنجدتها، لكن لم يوجد اي رد...
- امي!!!
صاحت مجددا، لتسمع صوت خطوات متسارعه من الطابق الثاني وبعدها بصيص ضوء وهو يقترب من الشرفة المطلة على الطابق الارضي.
لقد كان والدها وهو يحمل مصباحاً لم يكن هناك اي داعٍ له خاصةً بعد طلوع الشمس.
حملق بها القس كما لو رأى امامه شبحاً ثم خرجت والدتها لتتبعه وتسأله عن ما يجري وسرعان ما سكتت حين وقعت عينيها على تشاستين...
- امي...ابي...ساعداني...
قالت بضعف والدموع الباردة تتجمع في عينيها، توقعت منهما ان يركضا لنجدتها ، حينها ظهرت اختها والمدبرة التي تركتها لتموت في الاسواق. ارسلت اليها تشاستين نظرة عتب والم لما فعلته بها ، فلو ساندتها لربما عاشت ...
لم يتحدث والدها بأي شيء وبعد صمت طويل قام بأخذ القلادة التي حوطت رقبته بيده واشار بميدالية الصليب ناحيتها وهو يتمتم صلوات قديمه.
تألمت تشاستين فجأةً وشعرت بشيء كالحمى ينبثق من داخل قلبها المتحجر حديثاً:
- ابي توقف!
صاحت به تنظر اليه برعب وخوف و بطبلتي اذنيها تكاد ان تتفجران من هول الالم.
- انا آمرك ايتها الروح الشريرة بالخروج من هذا المنزل المطهر بأسم الرب...
كان والدها يستمر بألقاء كلماته دون اي ذرة من العطف والشفقة حتى بدأت تنتحب وشعرت بأنها ستفقد وعيها في اي لحظة وبالرؤية تكاد ان تنعدم.
- توقف بأمر من سلطة الملك!.
جاء صوت مظلم دوى في المنزل ودخل بعدها رجل يرتدي الاسود والعباءة الملكية ليقف امام تشاستين ويحجبها عنهم ثم دخل ورائه على ما يبدو مجموعة من فرسان الملك بدروعهم الفضية المزخرفة.
* كريستن...*
فكرت تشاستين وهي تبعد الدموع عن عينيها بيدين مرتجفتين... *اجل لقد كان كريستن...*.
- لا بأس ايتها الصغيره...
قال لها كريستن وهو يلتفت ناحيتها لوجه لها نظرةً حزينه.
- بعض البشر...لا يتفهمون مطلقاً...
كانت الان والدتها تقف خلف زوجها كما فعلت ابنتهما ومدبرة المنزل وهم يرتعشون خوفاً وينظرون الى ما امامهم.
- خذها...خذها بعيداً...لا نريدها هنا...انها من عمل الشيطان!
قال والدها وهو يخاطب كريستن دون ان يدفع بعينيه ناحيتها.
- لكن اليست هذه ابنتك؟
سأله بدوره بأرتباك متصنع بينما بقيت تشاستين مصدومة وتنظر الى عائلتها لكي يدافع عنها اي احد منهم.
- ك...كلا...لقد توفت ابنتي البارحه برفقة مدبرة المنزل... واليوم هي مراسم تأبينها. لن تكون لدي ابنة من الشيطان.
قال القس وهو يدفع بعائلته نحو الخلف ويترك المصباح على الارض.
- ماذا؟! لكني هنا!!
قالت تشاستين بألم وهي تنظر في اعينهم وهي لا تدرك مدى احمرار عينيها القرمزيتين الان اذ اخذتا تشعان بسبب غضبها ومشاعرها المختلطة...
- امي...
قالت وهي تقطب حاجبيها بحزن وتقاوم ارتجاف شفتيها لعل والدتها ستنقذها مما يحصل لكن دون جدوى ، تجاهلتها والدتها تماما وتمسكت بذراع زوجها لتؤكد تأييدها له.
- حسناً.
قال كريستن وهو يشير للحرس ليحيطوا بهما وينزل ليلتقطها بين ذراعيه دون ان تقاومه، كانت تنظر الى عائلتها فقط بعدم تصديق ولا تبعدهما عنهم...
- من الان فصاعداً ، اصبحت الانسة تشاستين تحت حماية الملك وجزء من عائلته بما أنها تحمل دمه وتخضع لأوامره فقط، وسيكون اسمها للعامة هو ليدي تشاستين سيلفادور ولا يحق لاحد منكم المطالبة برؤيتها او التقرب من القصر من اجل اغراض اخرى.
لو لم تكن تشاستين تشعر بالحزن والاسى لتمكنت من لمح ملامح الغيرة على وجه اختها والصدمة على محيا والدها بينما والدتها عضت شفتها والتزمت الصمت.
اصطحب كريستن الفتاة الى خارج المنزل وهو يغطيها بعبائة سوداء دون ان تحارب قبضته عليها. لقد كان من المتعارف عليه ان يكون مصاصي الدماء حديثي الانبعاث حساسين للغاية تجاه اشعة الشمس على عكس اولئك الاصليين.
لم يتمكن كريستن من تركها تهرب من ذراعيه بعد ان استقلوا العربة الملكية، ولم يبعد العباءة عن وجهها. بل اكتفى بأحتضانها برفق بينما ارتعشت بين ذراعيه وانتحبت كالطفلة الصغيرة.
لم يلحظ احد ان كريستن كان قد تخلى عن قفازيه الجلديين حين حمل الفتاة وحالما لامسها لقد رأى كل شيء، كل ما هو مؤلم وكئيب، وكم من عائلة تعيسة كانت لديها...
- ستحظين بعائلة افضل من تلك التي سبقتها.
قال كريستن بلطف...
- سترين....انها بداية جديدة...
.
.
.
.
.
* في القصر *
- الملكة ما تزال تشعر بالتوعك...
قال تونتيان وهو يسير برفقة تشاستين في جولة حول الاسطبل.
- يجب ان نرسل الى الملك...
اجابت تشاستين وهي تشعر بالقلق على صديقتها:
- لقد سائت حالتها بعد ان رحل...لكنه لن يطيل الغياب...اليس كذلك؟
سألت لعلها تحصل على اجابة مطمئنه:
- اعتقد العكس ، جلالته يريد ان يقضي على المتمردين بشكل نهائي، لقد امتلئ جوفه قيحاً بأعمالهم، يريد ان ينشر السلام في المملكة دون وجود اي تأثيرات خارجيه قد تعرقل ذلك.
- لكن ميراج...
حاولت ان تجادل فاعطاها رئيس الخدم ابتسامة حزينه...
- حاول كريستن التواصل معه لكن لم يكن هناك اي نتيجه، كما ان ميراج ترفض المحاوله... تقول بأنها لا تريد ان تتسبب بأرباك له.
- هذا سيء...
قالت بسخط:
- سيء للغايه...لم لا يمكننا ان ننعم بالهدوء لبعض الوقت!
انفجرت تشاستين وهي تشعر بالاحباط، لقد كان التوتر والضغط يتمكنان منها شيئا فشيئا حتى بدأت تفقد اعصابها.
- الغضب لن يوصلنا إلى اي مكان يا تشاستين.
احابها توتنيان وهو يتوقف عن السير وينظر الى السماء الغائمه. لقد اعتاد العمل في هذا الجو الذي لم يكن كئيبا على عكس ما يتوقعه بعض الناس، ربما لان جميع المدينة تعج بالمتسوقين وجميع مصاصي الدماء يخرجون للتنزه واتمام اعمالهم اليوميه المؤجله.
- يجب ان يذهب شخص ما لعونه ومساعدته بالاسراع الى هنا.
- كريستن لا يمكنه الرحيل. من سيتولى امور المملكة دونه؟
قالت تشاستين وهي تدحرج حصاة بقدمها:
- كارل ليس هنا...مارك في مملكة الجن ، ميراج ضعيفة للغايه...
- انتِ هنا.
قال توتنيان وهو يحثها على الاقدام بهذه الخطوة:
- اكاد ان اكون متأكداً بأنكِ ترغبين بترك المكان بأسرع وقت ممكن، هل انا مخطئ؟
- لا يمكنني ترك ميراج بهذه الحال...
- انتِ ستفعلين ذلك من اجلها. من يعلم الى ماذا سيؤول اليه الامر اذ ما تأخر الملك؟ انها مصاصة دماء حديثة الولادة ...
- انت تحاول ابعادي عن هنا.
قالت تشاستين وهي تتفحص احد الجياد البنية الداكنة.
- الجميع يحاول ابعادكِ عن هنا.
اجابها وهو يبتسم:
- افعلي معروفاً من اجل نفسكِ، ومن اجل الملكة واذهبي لمساعدة ميكائيل، لربما حين تعودان ستكون الامور اكثر هدوءً هنا.
كان توتنيان محقاً بالطبع، لكنها لم تكن ترغب بالهروب، لم يجب عليها ان تهرب من منزلها؟ اذا كان يجب على احد الرحيل فبالتأكيد لن تكون هي. ولكن بعد ان وضع رئيس الخدم الامر بهذه الطريقة، لم يكن لديها اي خيار اخر.
- سأتحدث مع كريستن بالامر الليلة.
بدا توتنيان اكثر سعادةً من السابق واومأ برأسه موافقاً.
تركت تشاستين رفيقها واتجهت الى داخل القصر ، بالرغم من الغيوم المتلبدة الا انها لم ترغب بالحصول على لسعة شمس مفاجأة، كما انها لم ترى ميراج منذ الليلة الماضية، فلا بأس بزيارة قصيرة لتطمأن عليها.
سارت تشاستين في الممرات وهي تركض خطوتين وتمشي خطوة اخرى ببطئ كمن يرقص على نغمة لا يسمعها احد سواها. ولاحظت بأنها سعيدة...هل كانت تتوق للرحيل الى هذه الدرجة؟ ربما...
فالتخلص من مارسيل كان احد اهم اولوياتها في هذه الفترة، لقد كان مصاص الدماء ذاك كالشبح يظهر امامها من العدم وفي اتعس اوقاتها حين لا تكن تتوقعه. تماماً كالأن حيث خرج من غرفة الليدي سيلينا وهو يحمل بيده فستاناً مخملياً باللون الاخضر كما يبدو.
شعرت تشاستين بلسعة من الغضب والغيرة جعلتها تتجمد في مكانها...ماذا كانا يفعلان؟
كان ذلك كل ما جال في بالها. لم يبدُ انه لاحظها في بادئ الامر حتى رفع عينيه عن الارض وسار ليجدها امامه. تمكنت من رؤيته القليل من الدهشة والشوق في عينيه لتختفي بعدها ويحل الظلام فيهما ويكسو وجهه ابتسامة قاسية ساخرة.
- انستي.
قال وهو ينحني بأدب متصنع اقشعر له بدنها فطرفت بعينيها مرتين لتستعيد افكارها ثم ابتعدت من امامه كما لو كان خفياً.
- ارى بأن مملكتكِ تتهاوى.
جاء صوته متزناً من خلفها ليوقف خطواتها المتسارعه.
- ماذا؟
سألته وهي تقطب حاجبيها بارتباك.
- ماذا؟ لم تسمعيني؟ قلت بأن مملكتكِ تتهاوى.
- لقد سمعتك منذ المرة الاولى لكني لم اكن متأكدة مما قلت.
استدارت لتواجهه هذه المرة ودون تردد.
- مملكتي ليست تتهاوى يا سيد مارسيل.
قالت له بأبتسامة مزدرئة:
- انتكاسة صغيرة لا تعني بأن سفينتنا ستغرق. لكن اذا استمر ضيوفنا بالبقاء هنا فسأبدأ بالشك حقاً. كما تعلم هناك شخص ما يتبعه الخراب اين ما يذهب.
سددت تشاستين ضربتها دون ان تطرف لها عين ، لم تفكر فيما قالت ولم تندم خاصةً بعد ان رأت عينا مارسيل وهما تتسعان من هول الصدمة. كانت كلماتها قاسية وهي تعلم ذلك جيداً ، لكنها لم تعلم لماذا ارادت ان تؤذيه وبشدة. قد يكون ذلك بسبب تعاستها المتزايدة هذه الايام او لانها لم تعد تحتمل الالم بدورها وضرباته الموجعة التي حصلت عليها بشكل مستمر منذ تلك الحفلة اللعينة.
بدا مارسيل متراجعاً حقاً وغير قادر على الاجابة،ولم يتوقع ان تخرج هذه الكلمات من فمها الجميل لتعيد له ذكريات الماضي وكل ما مر به سابقاً.
لم تنتظر تشاستين ان تسمع منه اي شيء اخر وغادرت في الحال . بل هربت متجهة نحو غرفة ميراج لتخل وتغلق الباب خلفها دون ان تنظر الى الخلف. لوهلة ظنت بأنه سينقض عليها ليؤذيها ويفقد اعصابه...ربما لم يملك الفرصة وسيفعل ذلك حالما يراها مرة اخرى؟...
* تبا...* قالت في نفسها وهي تسير ببطئ نحو سرير الملك الذي نامت عليه ميراج الشاحبة وجلست الى جانبها. تأملت وجهها ولمحت المعاناة في تقاسيمه، كم حسدت تشاستين صديقتها لهذه الرابطة التي تتشارك بها مع زوجها ولكنها الان بدت كلعنة اكثر من نعمة...
- انتِ لا تتركي لي خياراً اخر يا ميراج...لا خيار اخر على الاطلاق...
قالت تشاستين وهي تأخذ بيد صديقتها الباردة لتواسيها ولو قليلاً.
.
.
.
.
يتبع...
أنت تقرأ
مشعوذة الجنرال ( مارسيل )
Vampire****مكتملة**** مارسيل.. حبها الذي دفنته تحت انقاض ماضيها.. حدادها الذي استمر لمائة عام.. وحزنها الذي وشحها بالسواد منذ الازل... او هذا ما ظنت به.. حين يُبعث مارسيل مجدداً للحياة على هيئة الد اعدائها تجد تشاستين نفسها بأمس الحاجة للهروب منه وتبقى ممز...