31

12.5K 396 5
                                    

  ~~ حبل الوريد ~~

(( الفصل الواحد والثلاثين ))

_ ظل يصرخ بأسمها طوال ركضهُ .. حتى وصل أمام بوابة المخزن الحديدية الضخمة ..
ضرب بعنف على الباب بذراعيه وجسدهُ ، ولكنهُ لم يتحمل السخونة الحارقة المنبعثة من باب المخزن ..
ولم تفلح محاولاته ، نادى عليها وهو يضرب بقبضتيه على الباب لعلها تستمع إليه ولكن دون فائدة ..

كانت كارمن تصارع الموت في هذه اللحظات العسيرة ، خلعت عنها حذائها وألقته بعيدًا .. وأختبأت خلف شكائر الأسمنت والجبس والمساحيق الأخرى الخاصة بالبناء والتي لم يطلها أي مواد مثيرة للإشتعال ..
لم يصل صوت صراخها المدوى للخارج وسط كل هذه النيران المشتعلة .. وبدأ المخزن يتفحم رويدًا رويدًا ، والنيران تزداد إشتعالًا وتلتهم كُل ما حولها ..
وصلت السخونة وحرارة الإنصهار العالية لجسدها ، فشعرت بإقتراب النار منها .. حالة من الفزع سيطرت عليها وهي تضم ذراعيها لصدرها بخوف شديد .. وكأن العرق فيض من جسدها المتوهج .. تشعر باقتراب الموت ، هي ميتة لا محالة ، تنفست بصعوبة وبدأ صدرها يضيق ..
سعلت بشدة من رائحة الدخان ، وكأن صدرها يطبق على أنفاسها ولا تستطع إلتقاط شهيقًا واحدًا ..
بدت الرؤية مشوشة ورأسها بدأت بدوار شديد .. فلم تستطع تحمل أكثر من ذلك .. وسقطت هاوية لتصطدم رأسها بالأرضية إصطدامًا عنيفًا ..
ولم تشعر حتى بالنيران المُضرمة من حولها ، وكأن الموت حام فوق رأسها .

_ جاب المكان كله إيابًا وذهابًا يبحث عن مخرج أخر لهذا المخزن اللعين .. حتى لمح بوابة أخرى من الخلف ، فركض نحوها بهلع ، تفاجأ بالمفتاح موجود في القرص مكانهُ .. فحاول فتحهُ بعنف أثر هياجهُ .. حتى أنكسر المفتاح داخل القرص ولكن بعد فتحهُ مباشرًة ، دفعهُ لتخرج سخونة بشعة من الداخل .. لم يهتم ودخل وهو يصرخ بإسمها ، منعتهُ النيران من الرؤية .. وهذه الأبخرة السوداء السامة أصابت عينيه بالإحمرار والدموع .. لم يظهر لها أثر وهو يبحث ، حتى إنه توجه نحو هذه الشكائر التي لم تمسسها النيران في الزاوية وأفرغ محتوياتهم في الهواء وبإتجاه النار علها تنتطفئ ..
فلمح شيئًا ما خلف هذه الشكائر ..
ألتفت حوله ليدقق النظر ، فإذا بها ملقاه دون وعي ..
لم يستطع الدخول لضيق المكان فسحب ساقيها للخارج وبسرعة خاطفة انحنى ليحملها بين ذراعيه ..
وركض بها للخارج مسرعًا ، أبتعد بها وهو يركض ويركض حتى لا يصيبهم مكروه .. حتى خانتهُ سيقانهُ وسقط بها على الأرضية ، تكاد أنفاسهُ تتوقف من هول ما يعايشهُ ..
نظر نحوها بدموع وهو يقول :

- كارمن ، ردي عليا ياحببتي .. ردي عليا والنبي !!
أنا السبب ؟ والله ما كنت أقصدك انتي ..

_ وجهها شاحبًا ملوثًا ببعض الشحوم السوداء ، وساعدها طالهُ الإحتراق .. فكشف عن طبقات جلد داخليه ، وتلوث ما حولهُ بالدماء .. بكى بكاءًا حقيقيًا وهو يهز رأسها قائلًا بحُرقة :

- قومي اتخانقي معايا ، بهدليني .. قومي اضربيني زي قبل كدا ! بس قومي عشان خاطري !
كارمن ، مش بتردي عليا لــــيه ؟؟؟

حبل الوريد...للكاتبة المتميزة ..ياسمين عادلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن