فتحت عيني لأجد نفسي نائمة على فراش مريح وبقربي شاب يجلس على كرسي ورأسه يستند بين ذراعيه . لاحظت اثار ضرب على وجهه وكأنه كان في معركة وخسرها !
تأملته مطولا .. كان ذو لحية مشذبة صغيرة تغطي عظام وجهه المربع وعيونه تبدو واسعة رغم الازرقاق الذي يغطي احداها ، رموش طويلة قد استراحت بهدوء اسفل عينيه ، خيط دماء صغير قد خط له طريقا من انفه الى شفته العليا .
يبدو في حاله استرخاء شديد . كم احسده ! ليتني استطيع النوم مثله ! تحولت عيوني لصَدْره. لم يكن يرتدي قميصا ولكنه كان يرتدي قطعة ثياب داخليّة بيضاء اللون ، وللعجب فإن بعض الدماء تشوبها هنا وهناك .
ـ كيف حالك ؟
اغمضت عيني بسرعة ، ودقات قلبي تتصاعد بسرعة . كانت عيوني تتجول وتتفحصه بجرأة دون ان اعي انه قد استيقظ ! ولغبائي فلم اجد حلا غير ان اتظاهر بالنوم من جديد .
ضحكة هادئه صغيره كانت ردة فعله على تصرفي الطفولي قبل ان يقول لي وبنفس الهدوء:
ـ تظاهري بشيء اخر لأني شاهدتك تنظرين الي!
فتحت عينيّ ببطءٍ ونظرت الى السقف بخجل شديد . حتى رموشي كانت ترتجف ساعتها .
ـ ما اسمك ؟
ـ غزل .
اجبت بصوت مرتجف ومخنوق .
ـ غزل !
نبرة التعجب كانت واضحة ، فأسرعت أبرر :
ـ لقد اطلقوا عليّ اسم غزل لأني لا أتذكر شيئا .
ـ هممم طيب كم عمرك ؟
ـ ستة عشر .
صوتي يرتجف وكلماتي متقطعة . استقام واقفا فنظرت اليه بتوجس وخوف فالتقت نظراتنا . نظر اليّ بنظرة حنونة وامتدت يده فوق رأسي فأغمضت عيوني بقوة وعظامي تلتصق ببعضها خوفا مما قد يحدث ولكن !!
ويا للعجب !!
لم يحدث شيء ففتحت عيوني ببطء .
نظرت اليه وقلبي ما زال يهرول بين اضلعي وتنفسي السريع يعلن عن المعركة الشرسة التي تدور رحاها الان داخل جسدي .
تكلم بصوت حزين :
ـ لا تخافي مني ارجوك !
هززت رأسي مؤيدة لمجرد إرضاء سيدي ، فارتفعت يده مرة اخرى ولم اغمض عيني هذه المرة بل تركزت عيوني على عيونه التي تحتضن نظراتي بقوة وتخشى افلاتها !
جفلت واطلقت شهقه خوف رغما عني عندما هبطت يده على رأسي تمسح شعري بحنان بالغ كما كان يفعل ابي دوما :
ـ اهدئي يا صغيرة . انا لن أؤذيك ابدا ! اهدئي .
تركني فأخذت نفسا عميقاً بعدما انقطع تنفسي.
اخذت اراقبه وهو يتجه نحو الباب . هل اثق به ؟ لا اعلم . لقد وثقت بزوجي من قبل وتبين لي بأني كنت ساذجة وغبية ، مع انه كان زواجا شرعيا وبمباركة الجميع . والان ، هل سأثق برجل اشتراني لمتعته الخاصة ؟!
لم اعد أفقه شيئا ! انا في زمن غدار انقلب فيه الصحيح ليصبح قمة الخطأ .
نادى على شخص من الخارج وانا اراقب منكبيه العريضين وشعره الاسود الفاحم الطويل قليلا ، والافكار السوداء تأخذني معها لايام اكثر سوادا من التي قد عشتها سابقاً .
استدار فجأة وشاهدني انظر اليه فخفظت رأسي خجلاً وخوفاً .
ـ سنأكل شيئا لأنني جائع واظن بانك جائعة كذلك .
ـ حاضر سيدي .
ـ اسمي طارق .
أومأت برأسي .
ـ لنفكر لك باسم جديد فأنا لا احب اسم غزل ، لايليق بك .
ـ حاضر سيدي .
اقترب مني بخطوات واثقة . كل خطوة منه كانت تسرق من عمري سنوات كثيرة !
رأسه أنحنى فوقي ببطء شديد حتى اصبح وجهه قريبا جدا من وجهي وتكلم بهدوء شديد وبصوت منخفض بعث القشعريرة في جسدي وعيونه تركز علَى عيني بإصرار حتى اني شاهدت صورتي منعكسة في بؤبوء عينيه النرجسيتين .
ـ اسمي طارق . تعرفين الاحرف العربية ؟ الطاء ثم الأف ثم الراء ثم القاف .. طارق .
ارتجفت من قربه وهو يجبرني على النظر بعينيه بهذه الطريقة حتى اني لا أجرؤ على ان ارمش خوفا منه .
ـ والان ، ما اسمي ؟
ـ سيدي طارق .
ـ طارق فقط .
طرق الباب في تلك اللحظة وكم كنت ممتنة ساعتها للطارق عندما شاهدته يبتعد عني ليفتح الباب للرجل الذي احضر الطعام .
يا الهي ستكون الليلة هذه طويلة ، طويلة جدا . أطول من كل سنين عمري لربما !
وضع الطعام على الطاوله واقترب مني مرة أخرى. حبست أنفاسي من جديد وانا اشاهد يده تمتد نحوي ولكن كل ما فعله ساعتها انه ساعدني لأجلس فانكشف الغطاء واكتشفت ،
ويا للعجب !!
أنني ارتدي قميصه الأزرق !
بحركة مباغتة اخرى وضع الطعام امامي على السرير . حسنا لقد انهكت التوقعات عقلي فها انا أراه وقد وجلس هناك بعيدا عني ، تحديدا قرب الطاولة وأخذ يتناول صحنه . فعلت مثله وتظاهرت بانني آكل ولكنني كنت اراقبه وانا ارتجف خائفة فسقطت الملعقه من يدي عندما نظر نَحْوِي .
"اعتذري بسرعة قبل ان تعاقبي"
جملة تخيلت ياسر يصرخ بها في وجهي ، وانا اعتذر بسرعة خوفا من عقاب مؤلم على لا شيء . ولكن ألم أكن اعاقب طوال اشهر على لا شيء ؟! ألم اعاقب لأني نشأت على مبادئ وقيم كانت مرفوضة وبقوة خلف جدران ذاك البيت ؟! ألم اتنازل عن كل شيء تعلمته خلال سنوات عمري لأستبدله بالنقيض ، خوفا من عقاب مؤلم ؟! ألم ينجح ياسر وفريق التعذيب الذي يملك في جعل الأسود ابيضا وقلب الأبيض الذي كنت افخر به دوما الى اسود مقيت ؟!
اصدر عقلي ايعازاً سريعا نفذته دون تردد وانا أراه يترك طعامه ويتجه نحوي " يا الهي كيف أجرؤ على مقاطعة وجبة سيدي وازعاجه ؟ لأعتذر بسرعة قبل ان يفوت الأوان ! "
ـ اسفة، لقد .. سقـ .. سقطت رغما عننني !
صوتي يرتجف والخوف المزروع في نبراته، قد كشف الرعب الذي كنت اعيشه ساعتها!
- يا الهي ، ما كل هذا الرعب ؟ لمَ ترتجفين بهذه الطريقة ؟!
اقترب مني وامسك كتفي اللتين كانتا تهتزان وترتعشان بيديه القويتين بينما كان لساني يردد :
ـ انا اسفة لإزعاجك يا سيدي !
ـ اهدئي ، اهدئي لن يحدث شيئ !
ترك كتفي وجلس على حافة السرير قربي :
ـ اسمي طارق وليس سيدي .
وتناول ملعقتي وبدا يطعمني وانا خجله فرفعت يدي لأبعد يده عني بلطف .
ـ لا تزعج نفسك ارجوك .
تجاهل يدي وتوقفت الملعقة امام فمي قبل ان يقول :
ـ انت خائفة وجائعة ( نظر الى عيني واكمل ) انا لا احسدك على وضعك هذا ولكني أتمنى ان تثقي بي .
دس اللقمة بفمي بكل إصرار . كان يطعمني بهدوء وهو يصر على ان انهي طعامي . وبالنسبة لي فقد كان الرعب يقتلني ! سيدي هذا يشبه زوجي فقد كان الاخر يطعمني بيديه قبل ان يبيعني ، فما الذي سيفعله بي هذا الطارق ؟!
ـ لا تخافي .
نظرت اليه ، وكان يقرأ افكاري بوضوح . اقتربت الملعقة وبإصرار ففتحت فمي باستسلام .
ـ في عينيك رعب يكفي العالم بأكمله ! اهدئي وتوقفي عن الارتجاف قليلا !
ـ حاضر سيـ ..
لقمة اخرى تشق طريقها نحو فمي ولكني لم اعد استطع ان اتناول المزيد فرجوته ولكنه مصمم على ان انهي الصحن .
ـ ارجوك سيدي لا استطيع تناول المزيد !
كنت على وشك ان استفرغ لولا انه شعر بي فتوقف .
- معدتك صغيره كالعصفور !
ابتسم لي وذهب يتناول طعامه لوحده بهدوء . يبدو انه يفكر في شيء جدي . تعابير وجهه غامضة ، يلتفت نحوي بين الحين والحين يباغتني بابتسامته الدافئة فأعود أنكس رأسي من جديد .
ـ اخبريني الحقيقة ، ما اسمك ؟
هل يشك بي ؟ انه يتناول طعامه ويتكلم دون ان ينظر باتجاهي .
- لقد اخبرتك يا سيدي اني فاقدة للذاكرة .
ـ كيف وصلتِ هنا ؟ ما الذي حدث لك وأين عائلتك ؟
هززت رأسي بالنفي :
ـ لا اذكر شيئا .
نظر نحوي طويلا . هل يختبر صدقي ؟ وفجأة تردد صدى صوت الرجل في المزاد " انا اعرفها ! اتركوها ، انها ملكي ! "
ـ هل كنت أنت ؟
صمت مطبق وعيونه تقرأ خفايا نفسي . عاد يتناول طعامه بلا مبالاة . خوف يمزق اوصالي . ماذا لو كان هذا الرجل يعرفني ؟ يعرف زينة ! ماذا لو اخبر عمي المجنون ؟ ما مصيري ؟!
ـ انا ماذا ؟
أجاب حين طال صمتي بسؤال صعب ، صعب جدا ! سؤال بين احرف جوابه يتحدد مصيري ما بين نار ونار ! ما بين عذاب وعذاب !
التفاتة صَغِيرَة منه وهبتني الشجاعة الكافية لأسال مجدداً :
ـ هل كنت انت من صرخ هناك ؟
عاد يتناول طعامه بشرود وكأن دوره قد حان الان ليفكر ويحلل . لا مبالاة يتصرف بها وحياتي بأكملها تهتز بين أوتار صوته فلم لا يجيب ؟، لم لا يريح لي اعصابي المتلفة؟!
ـ هل تعرفني ؟
سؤال اخر نطقته وانا انتظر جوابه . توقفت الملعقة قرب فمه لفترة . اخافني تردده وارتباكه . لم لا يتكلم ؟ انا اتخبط في خيالاتي وهو لا يهتم ! هل أترجّاه ؟ هل اسأل مرة اخرى ؟ ارجوك اجب !
ـ لا .
نفس عميق اخذته بعد ان توقفت رئتاي عن عملهما لفترة . نظر باتجاهي لثوانٍ قبل ان يشيح نظره عني وهو يكمل :
ـ انت لا تتذكرين ، وانا لا اعرفك .
حسناً، ربما كان من المفروض ان تريحني جملته لكنها لم تفعل . ان كنت اكذب فهو يكذب وان كنت أقول الصدق فهو يقول الصدق . هذه هي
الرسالة المبطنة التي وصلتني من عينيه اللتين كانتا تنظران لي بتحدٍّ . خفضت عيوني خوفا من ان تفتضح كذبتي . زينة قد ماتت فعلا وانا لا اذكر أحدا بهذا الاسم .
اما بالنسبه له فانا لا اعرفه ولم اره سابقاً، ربما لم يكن هو من صرخ
ـ ما رايك في اسم علا ؟
قاطع شرودي بتحدٍ
ـ امرك سيدي .
فوقف واخذ ينظر لي بغضب فتداركت جوابي بسرعة :
ـ سيد .. طارق !
صمت اطبق علينا بعد ان انهى عشاءه ثم قال بعد فترة قصيرة :
ـ سأخرج فأنا بحاجة للتدخين . سأتأخر . نامي ولا تنتظريني .
ـ حاضر سيـ ..
خرج وانتظرته طويلا وانا افكر : " في غضون أربعة اشهر وانا اتنقل بين ثلاثة أسماء ، ثلاثة أماكن ، وثلاث شخصيات مختلفة ! "
ضحكت بهستيريا وانا اندب حظي ..
زينة بكل الترف الذي عشتهُ والحماية التي كانت محيطة بي ، امي وابي واختي وزوجها والجيران ، كلهم كانوا وكأنهم مسخرين لخدمتي .غزل ، بكل المجون الذي تدربت عليه والاغراء الذي تداخل مع شخصيتها بكل حركة وخطوة وتصرف . لقد تغيرت بشكل كامل وبقسوة لأصبح غزل .
والان علا ! يا ترى كيف ستكون علا ؟!
ضحكة ساخرة مريرة اخرى تنفست من بين الاضلع لتخرج وكأنها حسرة بدل ان تكون ضحكة !
علا ، لنرَ أي شخصية سيطالب بها سيدك لتنقلبي إليها وبأي طريقة سيغيرك ! ولكن هذا الرجل هل فعلا لا يعرفك . لمَ اشعر وكأنه يكذب .
هل كان هو الشخص الذي صرخ في المزاد ، هل يعرفني؟ ما مصيري يا ترى ؟
آه يا زينه ! اصبحت كالحرباء بلون مُختلف واسم مُختلف . متى سينتهى كل هذا الالم ؟!
صوت الباب يفتح فاسرعت اتظاهر بالنوم . صوت حركة خفيف في الغرفة . فتحت عيني ببطء وحذر . هو يسحب كرسي ويقربه من اخر .
وبينما امتدت يده لطرف السرير يتناول سترته الجلدية كنت قد اغضمت عيني ثانية كي لايراني اراقبه .
أقترب مني وهمس :
ـ لن اؤذيك . تستطيعين الان النوم براحة .
فتحت عيني فابتسم لي ابتسامة اقل ما يمكن وصفها بأنها حنونة ، دافئة ، متفهمة . ابتسامة اشبه بابتسامة فلاح، وكانها ابتسامة اخ
لأخته!..
مجنونة انت يا غزل ، اعني يا علا ! هل دفع كل تلك الاموال من اجل اخت ؟! انه يراعي خوفك فقط . وهل يمكن ان تحددي مستقبلك معه بسبب ابتسامة ؟
جلس على الكرسي ووضع قدميه على الكرسي الثاني وغطى نفسه بسترته الجلديه .
ـ تصبحين على خير .
ـ وانت بخير سيـ .. سيد طارق .
ونام فعلا، وانتظمت أنفاسه لا بل وصوت شخير منخفض انتشر في الغرفة . هدأ خوفي جزئيا فقد تأجل المحتوم هذه الليلة على الاقل .
وبين مراقبتي له وذكرياتي وتوقعاتي للمستقبل ، شاهدت خيوط الفجر الاولى تتسلل من نافذة اليخت الفخم، تقلبت وانا احاول ان اجد وضعيه مريحه لرقبتي التي تشجنت من كَثْرَة الوقت الذي قضيته انظر باتجاه تلك الزاويه من الغرفه التي تحتويه هو .
استلقيت بهدوء على السرير وانا انوي التظاهر بالنوم قبل ان يصحو ويغضب بسبب عصياني لأوامره . فكرت وفكرت وفكرت ونمت ..عندما استيقظت اخذت انظر للغرفة بخوف وارتباك . وعندها تذكرت ما حدث، انا ملك سيدي طارق الان واسمي اصبح علا، ولكني لا اجده فانا لوحدي ! مالذي حدث واين ذهب سيدي ؟ تساءلت وخمنت وفكرت ولكنه قطع كل افكاري حين دخل بعد قليل .
ـ صباح الخير
ـ صباح النور
- سيجهز الافطار بعد قليل وبعدها سيقومون بنقلك الى حيث اسكن ولا اعرف كيف سيفعلوها فلا تسالي !.
وكأني املك رفاهية طرح الاسئله ! ما بال هذا السيد ؟ ألا يعلم انني هنا لأطيع وانفذ فقط ؟!
تناولت افطاري معه ، تلك اللقيمات التي تمكنت بصعوبة من دسها في فمي . كنت ما ازال ارتدي قميصه فبدا وكأنه فستان قصير حين غادرت السرير .
اقترب مني وامسك وجهي بيديه الاثنتين وانا كالريشه بين يديه ، انظر لعيونه الواسعة وافكر :
" حان وقت دفع الحساب !"
أنت تقرأ
𝓜𝔂 𝓣𝓸𝓻𝓶𝓮𝓷𝓽.....{عذابي }
Chick-Lit☑مكتملة☑ ⭕يمنع منعا قاطعا نقل رواية او الاقتباس ❌ ♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡ ...لقد شارفت ليلة من ليالي ألف ليلة وليلة على الإنتهاء, وختامها مسك كما يقال. كالعاده سادتي, الأفضل يتنظر للأخر - غزل, إنه دورك . امسك ياسر بيدي وقادني للدخول إلى ذلك المسرح الض...