الفصل العاشر

5.6K 227 15
                                    

كما طلبت ، عذراء صغيرة في السادسة عشر ، وجميله جدا .
ـ جميلة نعم !! ولكن هزيلة . هل اخبرتك اني اريد هيكلا عظميا ؟!
فتحت فمي غير قادرة على استيعاب ما يحدث . شاهدت الرجل وهو يقترب مني فارتجفت واسرعت لأقف وانا في وضع الهجوم ولكن الرؤيا لم تعد واضحة ، وذلك الضباب الأسود يأخذ عقلي في متاهات عميقة فلا أقدر على التحرك .
ـ ارتاحي جميلتي فالدواء المنوم قد بدأ مفعوله .
ارتعش جسدي من الفكرة . أي منوم ؟ انا لم اتناول أي دواء ! لألتفت الى وجبة العشاء . كنت آكل لوحدي وادهم لم يشاركني !
ـ يا الهي !
صرخة خافتة فلتت من بين اسناني ليرتخي جسدي فأجلس مرة أخرى بينما الرجل الثاني قد وصل قربي و امتدت يده بجرأه تتلمس جسدي ويداي تحاول إبعادهما بضعف شديد ، فلم أجد بدا من زرع اظافري في وجهه لتنتزع طبقة من جلده لكنه كان سريعا فأمسك بيدي وهو يقول :
ـ شرسة ! هذا جيد .

عقلي ، آه من عقلي ! لا افهم لمَ بدأ يتراخى ! يرسل ايعازاته لكل خلايا جسدي بالمقاومة والقتال ولا يتم تنفيذها . لقد اعلن جسدي تمرده على عقلي .
انهكني التفكير وانا استمع لأغرب محادثة فلا افقه منها شيئا سوى الأرقام . ارقام مرتفعه فقط تتراقص امامي !
النعاس يداهمني بشده وصورة الرجل تحولت الى توأم متطابق وانامله قد وصلت لشفتي بعد ان تفحصت جسدي بطريقة مقرفة ومثيرة للاشمئزاز .
- قليل من الطعام والراحة وتعود كالصورة واجمل!
كلمات التقطها عقلي بين الحين والآخر . الرعب اخذ ينخر في روحي كتلك الدودة الصغيرة التي تفاجئني أحيانا عندما اقضم تفاحة شهية . فهل أصبحت انا كتلك التفاحة ؟ براقة من الخارج وفاسدة من الداخل ؟!
بدأت الأرقام تتصاعد من جديد في الحديث الجدي بينهما . نظرت لزوجي مستنجدة ، ولكن نظراته كانت مركزة على هذا الرجل الذي كان بدوره مركزا علي أنا .
يا إلهي ! انهما يختلفان على المبلغ ! لم أعِ ساعتها هذا المبلغ ثمنا لماذا .
- كان الاتفاق على الفتاة التي في الصورة .
ـ حسنا ، فلتبحث عن غيري إذن فلن اعمل معك مجددا .
هنا فقط تركني الرجل وذهب لزوجي ، فقد استحوذ على انتباهه بتلك الجملة . ولكن مهلا هل اصبحا الان اربعه ؟!!
ـ كنت امازحك يا صديقي . خذ نقودك في الحقيبة .
كنت اقاوم نعاسا غريبا ولا اعرف ماذا يجري من حولي . اقترب زوجي وقبّل خدي بلطف وعيوني تتعلق به . يدي المرتخيه ارتفعت بصعوبة لتمسك بقميصه تتوسل رجولته وكرامته :
ـ انا .. زو .. جتـ .. ك .
املٌ أخير في ان تنتفض النخوة فيه ليرحمني ! أبعد يديّ عنه بينما عجز جسدي عن ابداء أي حركة ولو صغيرة ، وسحابة سوداء تأخذني لأعماقها فأغمضت عيني لأسمع كلماته بآخر قطرة وعي تبقت في عقلي :
ـ وداعا يا حلوة . انت طالق .

استيقظت وصداع قاتل يكاد يحطمني . يكاد ينفجر رأسي لذبابات الألم التي تجتاح عقلي . تفقدت المكان فإذا انا في غرفة غريبة . حاولت استرجاع ما حدث لي في صدمة وذهول . اين زوجي ؟ وماذا حدث لي ؟ وأين انا ؟
انام على سرير مريح وارتدي قميص نوم من الحرير الناعم . يا الهي ! من تجرأ وغير لي ملابسي ؟ لم اكن اسمح لوالدتي بتغيير ملابسي مهما اشتد بي المرض ، فمن امتلك هذه الجرأة ؟!
تسللت خارج السرير وانا ابحث عن قطعة ملابس استر بها جسدي فانا لم البس مثل هذه من قبل ابداً .
لا شيء . الغرفه خالية إلا من قطعة قماش مشغولة بطريقة احترافية لتزين الطاولة القريبة من السرير .
اخذتها وسترت بها عري الجزء الأعلى من جسدي وخرجت اتسلل بهدوء وانا افكر : ( ما الذي سأفعله ؟ ) لأصطدم بجسد اخر !
التفت بسرعة وانا متحفزة للمقاومة لأجد فتاه اخرى :
ـ انت جديدة . ما اسمك ؟
كانت سمراء جميلة بعيون خضراء كبيرة وفم ممتلئ ، ابتسمت لي . تأملتها وانا مندهشة ، فهل انا امام إحدى ملكات الجمال التي اشاهدهن في التلفاز ؟ لا بل هي أجمل بكثير ! تجاهلت سؤالها لأسألها انا شيئا مما يجول في عقلي من أسئلة ، علها قادرة على انهاء حيرتي .
ـ اين زوجي ؟
ـ أي زوج ؟!
ـ لقد تزوجت بالأمس .
ضحكة تخفي بين طياتها الكثير من الألم والشفقة على حالي ربما وعلى حالها هذا مؤكد .
ـ اذن زوجك هو الذي باعك وانت الان ملك سيدك الجديد !
ـ باعني ؟! انت تمزحين ! كيف يبيعني ؟ لا افهم ! ما هذا السخف الذي تقوليه ؟
ـ هذا السخف هو ما حدث .
تساؤلات كثيرة تبعثرت في عقلي ولكني ساعتها نطقت بأكثرها الحاحا . كنت خائفه من افكاري التي اطبقت على عقلي الصغير كفكيّ سمكه قرش وبدأت تلتهمني بلا رحمة :
ـ اين انا ؟ وماذا سيحدث لي ؟
ـ سوف تباعين ، وانتِ وحظك .. اما ان يشتريك رجل لتكوني ملك له وحده او ان يشتريك لبيعيكِ كل يوم .
ـ لا افهم !
ـ هكذا افضل . لا تفهمي شيئا ولا تقاومي فيؤذونك بوحشية .
لم استوعب ما الذي يحدث ولم تدخل كلمة واحدة من السخف الذي رمتني به قبل ان تتركني ، ولكني تجرأت وخطوت لأستكشف المكان ملتحفة بقطعة القماش التي وجدتها . وكانت الصدمه ..
وجدت البيت يعج بالفتيات من كل جنس ولون . بعضهن اصغر مني وبعضهن اكبر . وجدت الشقراء والسمراء ، الطويلة والقصيرة ، السمينة والهزيلة . كل الفتيات تجمعهن صفتان اثنتان ، جميلات جدا وصغيرات في السن .
تجمعن جميعا على طاولة الطعام فلمحت بعض العيون التي تنظر لي بشفقة وعيونهم تتوقف طويلا على مفرش الزينة الذي سترت به اكتافي العارية . نظرات ساخرة ومستهزئة وكأنها تقول لي ( هذا يومك الاول ولكن عليك التأقلم )
لم اعرهم انتباهي وبدأت افكر في طريقه للهرب من هنا، سمعت صوت فتاه تصرخ بهم فاختبأت بين مجموعة من الكراسي والمناضد المكسوره والمكومه بإهمال في تلك الزاوية ، جلست وانا احبس أنفاسي واراقب ما يحدث .
- لن اسمح لك ان تعاملِنا كعاهرات ! نحن لسنا بجوارٍ ولا ملك يمين !
اخسرتها صفعة قويه من رجل ضخم ، واقترب يسحبها من شعرها وهي تصرخ بألم وهو يسحبها دون رحمة حتى سقطت ارضا واستمر هو بجرها من شعرها دون رحمة .
بدأت ارتجف وانا اهزأ بمقولة ابي :
"الشعر تاج المرأة يا مدللتي "
ألا يعلم ابي ان مهمة الشعر الوحيدة هي تعذيب المرأة ؟ ليتني كنت صلعاء !
صراخ سيدة افاقني من ذكرياتي .
ـ الفتاة الجديدة ليست في غرفتها !
بدأت الحركه تدب في كل مكان . يبدو ان احدا لم يلمحني وانا خلف تلك الطاولات في الزاوية البعيدة .
ـ يجب ان اهرب !
هَمستُ بصوت خافت لا يكاد يسمع .
ـ وانا معك !
جفلت وانا اشاهد جميلة صغيرة تجلس قربي دون ان انتبه لها فأكملت هامسة :
ـ يقومون برمي الفضلات خارجاً في كل يوم قبل الفجر .
نظرت لها بذهول فأجابت مسرعة :
ـ اراقبهم منذ فتره ولا أجرؤ على فعلها .
نظرت اليها بتوجس ، هل اثق بها ؟ علمتني والدتي انني يجب ان اترك عقلي يتحكم بي في الظروف الصعبة ، وان الثانية من الزمن ربما لا تعني شيئا لكنها قد تغير القدر اذا اجدنا استخدامها .
ـ لا أظن اني فهمتك .
تركتها وذهبت لأجلس على احدى الطاولات وقبل ان ادس لقمة في فمي بينما عقلي مشغول بالكلمات التي سمعتها للتو والتي ربما قادره على تحديد مصيري، يدٌ دفعت يدي بسرعة لتسقط اللقمة ارضا .
ضحكات البنات ارتفعت بينما التفت لأجد نفس الفتاة قربي وهي التي ضربت يدي . رمقتها بنظرة مستهجنة وقبل ان أتكلم اسرعت تبرر :
ـ لقد وضعوا لك حشرة في الطعام .
لم اصدقها . ان كنت لم انطق بكلمة فعيوني ساعتها قد قالت الكثير . جلست ارضا وبطرف اصبعها حركت اللقمة الصغيرةِ لأرى بعيني .
ـ انهم يفعلوها مع كل فتاة جديدة هنا ، ولم ارغب ان يتكرر معك هذا الإحساس المقيت عندما تدخل اللقمة فمك .
حسنا يبدو اني سأعيد النظر بموقفي منها ، ولربما اثق بها . مدت لي يدها وهي تقول :
ـ اسمي ابتهال .
قبل ان تكمل اقتربت منها شقراء شعرها طويل وانفها مستقيم بنمش يغطي انفها ودفعت ابتهال.
ـ غبية افسدتِ علينا متعتنا !
- أي متعة هذه يا منى ؟ كلنا في نفس المستنقع فلمَ نؤذي بعضنا البعض ؟!
ـ كي نضحك وننسى .
وقفت انا واسناني تكز على بعضها بقوه حتى احسست بانني اطحنها دون قصد وانا انفجر بها:
ـ هلّا أخبرتني كيف تضحككِ هذه الحركات الصبيانية ؟ يبدو انك نسيتِ فعلا اننا كلنا في مأزق ويجب ان نهون على بعضنا بدلاً من ان يؤذي بعضنا البعض .
ـ أتظنين بأنك افضل حالا منا ؟ ربما نحن السابقات ولكن انتن تسرن على خطانا .
رمقتها بنظره مستهجنة والتفت وفي نيتي تجاهلها فقبضت على يدي بقوه لتجبرني على الالتفات نحوها .
ـ لا تنفعلي عزيزتي . كلنا كنا في البداية مثلك ولكن أتعلمين ، البيع ليس نهاية العالم كما تظنين.
صمتت فأخذت أتأمل ملامح وجهها وكل المرارة والالم الذي تنبض به كل خلية من خلاياه ليقشعر جلدي خوفا مما قد تقوله .
ـ البيع هو البداية . انت مشروع عاهرة . تباعين وتشترين لمتعة سيدك وعندما يمل منك يستطيع بيعك مجددا . طبعا فثمنك يشتري به عذراء جديدة بينما ترمين من جديد . ربما يعيدك هنا لتبتاعك الملاهي وبيوت الدعارة .
امسكت منى مفرش الزينه الذي كنت أتشبث به ليستر كتفي العاري فتمسكت به بقوة أكبر، اخذت تلوي فمها بسخرية .
ـ لسنا سوى أجساد تنتقل من يد لأخرى بلا رحمة . والأهم من هذا ان لا أحد يصدق ان هذا حقيقة تحدث في هذا الزمن .
تركتني ومشت فتعلقت عيوني بها وهي تبصق الحقيقة المجردة في وجهي بكل قسوة، الحقيقة المُغيبة عن العالم، ان تجارة ناشطة تكبر وتتوسع في الخفاء، لها تجارها ولها زبائنها، والعالم من حولنا يكتفي فقط بتجاهل وجودها !.

قبضت على يد ابتهال بقوه وفي داخلي تصميم وإرادة على ان اخرج من هذا المستنقع ، وانا اصطحب هذه الفتاة المرتعشة التي تقف قربي .
واخذت اراقب موقف سيارة النفايات وابتهال قربي فهمست لها وانا ابث فيها القوة والعزم :
ـ سنفعلها الليلة .
عيوني شرحت الكثير وكانت كلماتي وكل ذرة في عقلي وجسدي تنطق بالحماس والتصميم لتشجيعها والهرب من هذه القذارة .

𝓜𝔂 𝓣𝓸𝓻𝓶𝓮𝓷𝓽.....{عذابي }حيث تعيش القصص. اكتشف الآن