ما يحدث مرة يمكن ألا يحدث ثانيةً أبداً، لكن ما يحدث مرتين يحدث بالتأكيد مرة ثالثة.
باولو كويلو - الخيميائيمسحت دموعها التي انسابت على خديها المتوردتين ، ثم نهضت لتأخد حماماً ساخناً ، خلعت ملابسها و رمتها جانباً ، فتحت صنبور المياه فبدأت المياه الساخنة تتساقط و تلامس جسدها ، أغمضت عينيها و جعلت المياه الساخنة تقوم بغسلها روحياً و جسدياً ، بعد عشر دقائق أغلقت صنبور المياه و أحاطت جسدها بمنشفتها الزرقاء ، بدأت بتنشيف شعرها ثم جسدها ، فتحت خزانتها لتخرج شيئا لترتديه ، فأخرجت بنطال أسود ممزق مع جكيت باللون الزيتي ، و تناولت من الرف قبعة كاب (cap ) سوداء ، انتهت فخرجت و أغلقت باب غرفتها ورائها ، ارتدت حذائها الجلدي الأسود الطويل الموضوع بجانب الباب و خرجت ممسكةً بحقيبتها الجلدية المعتادة ، أغلقت باب الشقة و نزات مستخدمةً الدرج .
الثلاثاء - الساعة ٦:٣٠ مساءً
تسير سام في طرقات مانهاتن ، بأبنيتها الشاهقة و شوارعها الكبيرة ، واضعةً سماعات الأذن ،تستمع إلى موسيقاها المفضلة ، بعيداً عن العالم ، كانت جائعة جداً فهي لم تتناول شيئاً طوال اليوم سوى قطعة كعك ، فقررت الذهاب لتتناول
الطعام بأول مطعم تقع عليه عيناها ، ماكدونالدز 🍔، لحسن الحظ لم يكن مطعم آخر ، دخلت و نطرت للمكان يميناً و شمالاً ، فكان الطابور طويل جداً و المطعم ممتلىء لدرجة الإنفجار ، و الناس تتدافع ، فخرجت سام سعيدة ، أجل سعيدة ! ، غريب أليس كذلك ؟ ، حسناً هي لن تملىء معدتها ببرجر و بطاطا مقلية ! ، فقررت أن تقوم بتدليل نفسها قليلاً ، سارت قليلاً للأمام فرأت مطعماً لفتها فيه تصميمه الخارجي باللون الأحمر بدراجته المختلفة منها الخمري و القرمزي و
الماروني ، و صور لآلاتٍ موسيقية كالبيانو و الكمان، و لافتة مضيئة باللون الأبيض تشير لإسم المطعم " music restaurant " أي مطعم الموسيقى، بعث التصميم الخارجي للمطعم في نفس سام شعوراً مريحاً ، فدخلت ثم أخذت طاولة بمقعدين فجلست هي على مقعد و الحقيبة على المقعد الآخر ، كان المطعم كبير ذو تصميم جميل و راقٍ ، كانت الكراسي تشع بلون اسود قاتم ... لولا ذلك اللون القرمزي الذي تشبع في قاعدة الكرسي و وسادتها الحريرية المريحة للظهر ، و لا ننسى الطاولة الزجاجية التي تبرز ما تحتها من رسوماتٍ جميلة ، بالإضافة إلى الثريا الصخمة التي تنير المكان ، مع صوت البيانو الذي يعم أرجاء المطعم ، أمسكت بقائمة الطعام فبدأت تتصفحها صفحة فصفحة ،بعد قليل أشارت للنادل بالمجيء .
-تفضلي آنستي ، ما هو طلبك؟
-من فضلك أود أن أطلب شريحة من اللحم المشوي و أيضاً السلطة اليونانية ، و أخيراً كأس نبيذ أحمر
-أي شيء آخر ؟
-لا شكراً لك
-سيكون جاهزاً في الحال آنستي
تجلس سام بمقعدها المريح تتأمل المكان الذي نال إعجابها من النظرة الأولى ، كان على بعد خمس أقدام من طاولتها نافورة مياه صغيرة ، لم يكن المطعم ممتلئاً جداً فقط بضع طاولات يجلس عليها عدد قليل من الأشخاص، رفعت رأسها للأعلى فرأت الزخارف و النقوش التي تخطف الأنظار ، كانت فرحة جداً بإختيارها لهذا المكان ، أغمضت عيناها و هي تستمع لصوت البيانو يخترق طبلة أذنها ، لعل هذا المطعم هو مكانها المفضل الجديد ، لا أقصد الإهانة لماكدونالدز فسام ستبقى زبونة لديه ، على أي حال وصل الطلب و بدأت سام بتناول طعامها و هي بكامل سعادتها ، انهت طعامها و أمسكت بكأس النبيذ الثاني ثم نظرت إلى هاتفها "الساعة ٧:٣٠ مساءً" ، علي الذهاب الآن ، أشارات للنادل بأنها تريد الحساب ، فأومأ لها برأسه ، بعد ثوانٍ جاء واضعاً أمامها دفتر الحساب ، ففتحته و نظرت إلى الرقم ٧٢$ ، ماذا هل قامت بأكل الكراسي ! ، حسناً سام ليست من نوع الأشخاص الدي يهتم بالنقود أهم ما في الأمر أن تكون سعيدة ، وضعت النقود بالدفتر ثم نهضت من مقعدها ، اتجهت نحو باب المطعم لكن صوت البيانو استوقفها ، إنها سيمفونية بيتهوفين المفضلة لقلبها (moonlight sonata ) ، اقتربت أكثر فأكثر من صوت عزف البيانو ، كانت قدماها تتحرك لا إرادياً ، حتى وقفت على بُعد مترين منه ، تضخم بؤبؤ عينيها و هي تنظر لعازف البيانو ، آدم ! قالت سام بصوت منخفص ، كانت منسجماً جداً و هو يعزف ، أصابع يده كانت تتحرك بسلاسة و بكل بسهولة على مفاتيح البيانو ، بقيت سام تنظر إليه مندهشة ، فقد انهى المعزوفة بطريقة أكثر من رائعة ! ، صفق له كل من في المطعم بما فيهم سام ، نهض من مكانه و انحنى شاكراً لهم ، و ما أن وقعت عيناه على سام حتى تجمد بمكانه ، فاقتربت منه و قالت : لم أكن أعلم أن طلبة المحاماة يهتمون بالموسيقى أيضاً ، فضحك و قال : نحن جميعاً لدينا جزء نخفيه عن الآخرين يا سام سميث ، فابتسمت و قالت : إن عزفك أكثر من رائع ،أنت موهوب بالفعل ، فقال : شكراً لك
-إذاً ماذا تفعل هنا ؟ أكنت تتناول طعامك ؟
- أنا أعمل هنا
-حقاً؟
-أجل ، أنا استخدم موهبتي في العزف لكسب النقود ، فمصاريف جامعتنا كثيرة
-أجل صحيح ، هذا رائع أتمنى لك التوفيق
-و لكِ أيضاً ، إذاً هل تجيدين العزف ؟
-أجل أنا أجيد العزف على الكمان
-لم أكن أعلم أن طلبة المحاماة يهتمون بالموسيقى أيضاً
-فضحكت و قالت : حسناً نحن متعادلان ، علي الذهاب الآن أراك غداً
-إنتظري !
-ما الأمر ؟
-هل يمكنكِ أن لا تخبري أي أحد بشأن عملي هنا من فضلك
-أجل بالطبع لا تقلق
-شكراً جزيلاً يا سام سميث
-العفو يا آدم
-آدم ميلر
-العفو يا آدم ميلر
ضحكا قليلاً ثم خرجت سام من المطعم و استقلت سيارة أجرة لكي تعود للمنزل ، دخلت شقتها و خلعت حذائها بجانب الباب ثم رمت بنفسها على الأريكة و أغمضت عيناها و هي تشعر بالأدرينالين قد بلغ أقصى درجاته ، فهي نفس الإنسانة التي كانت قبل بضع ساعات منفطرة القلب ، ها هي الآن بكامل قوتها و بقلبٍ جديد .
أنت تقرأ
سمفونية التوليب
Short Storyفي أعماق مدينة نيويورك الضخمة ، و شوارعها الصاخبة المزدحمة ، تقبع سام سميث على كرسيها منغمسةً بالقراءة و الإستماع للموسيقى، رائحة القهوة و الكتب العتيقة تندمج مع الأكسجين في الأثير ، يخرج بطلها الحقيقي من روايتها و تنقلب حياتها رأساً على عقب ، الكثي...