٣٨. سكينة ✨

47 4 0
                                    



نصيحة اليوم : دع الحياة تريك ضعفك ، لتريها أنت كل قوتك.
-مجهول

الإثنين - ١٠:٠٠ صباحاً
تستيقظ سام بكسل ، تلتفت يميناً و شمالاً تتفحص غرفتها بحزن ، أخرجت حقائب كبيرة من الخزانة ثم ذهبت لتستحم ، خرجت و حدقت بالحقائب بحسرة و ألم ، أهذه حقاً النهاية ؟ أم لعلها بداية جديدة ؟ ، من يعلم ! .
بدأت سام بترتيب أغراضها بداخل الحقيبة الأولى ، حقيبة مليئة بالكتب لدرجة الإنفجار ، و الحقيبة الأخرى وضعت بها ملابسها و أحذيتها أما عن الثالثة فوضعت بها حاجياتها الأساسية و المهمة ، لم يتبقى سوى الأثاث و الأدراج و الستائر و بعض الأشياء الغير مهمة ، علي المغادرة يوم الخميس ! ، سأذهب لمنزل هانا ، لن أقلقها الآن ، لست بمزاج للتحدث بأي شيء ، أنا متعبة حقاً ، ستنحل هذه المشكلة يا سام ، ثقي بنفسك، لا تكوني عجولة و مدللة ، أنتِ تستطيعين حل أمورك بمفردك ، أو هذا ما تعتقدينه ! .
٥:٠٠ مساءً 
لم تخرج من غرفتها منذ البارحة مساءً ، مغلقةً الستائر و غارقةً بعالمها الخاص ، حزينة ، تائهة ، ضائعة ، بعد ساعات من الإستلقاء دون فعل أي شيء ، نهضت و مسحت دموعها بخشونة ، أزاحت البطانية عنها و رمتها جانباً ، فتحت الستائر و سمحت لأشعة الشمس أن تخترق الغرفة ، رتبت شعرها الفوضوي و غسلت وجهها بالماء البارد ،غيرت ملابسها و خرجت ، فتحت هاتفها فرأت عشرات الرسائل من جون ، أغلقت هاتفها و اكملت سيرها خارج المنزل أمام ناظري والديها ، لم تكترث ، فليحدث ما يحدث!، سارت بضعة خطوات بعيداً عن المنزل ، فرأت جون يقف بعيداً يسند جسده على جذع الشجرة المقابلة للمنزل و ملامح القلق ترتسم على وجهه ، أشاحت بوجهها و اكملت السير ، امسك بيدها و نظر لها بعدم إستيعاب.
-ما الأمر ؟ أين كنتِ ؟ لقد اتفقنا أن نخرج منذ ساعتين
-اتركني
-ماذا؟
-لقد قلت لك اتركني
-جينا.. ما الأمر ؟ ، هل أنتِ بخير ؟
-أنا لا أريد التحدث معكِ ، ابتعد عني
-ما بكِ ؟ ، ماذا فعلت لكِ ؟
-كل هذا بسببك
صرخت و انفجرت بوجهه بقوة بينما هو لا يزال يعلم ما الذي يحدث حوله .
-ما الأمر؟
-لولا مجيئك و إستعجالي لرؤيتك لكنت الآن اختار بأي قاعة و عند أي أستاذ سأكون !
-و ما شأني أنا ؟
ارتفع صوته قليلاً و قال بحنق و بغضب مكتوم .
-مواعيدك خاطئة يا جون ، خاطئة جداً ! ، لو علموا أهلي بشأنك ذلك سيزيد الأمر سوءاً ، لا زلنا في بداية علاقتنا ، دعنا ننهيها فحسب 
كانت تود الذهاب لكنه امسك يدها و شد عليها بقوة ، ظهرت حدة عيناه من تحت نظاراته و احمر وجهه معلناً الغضب .
-هذا ليس ذنبي
-اتركني
قالت بينما أخذت العبرات مجراها على وجهها ، و اهتزت نبرة صوتها ، بينما هو ضعف أمام دموعها و شهقاتها المرتفعة  .
-لا تتركيني يا جينا ، انا بحاجتك كما أنتِ بحاجتي الآن
امسك بمؤخرة عنقها و قرب رأسها نحوه ،  دفنه بصدره ، و مرر يده على طول ظهرها ليهدئها ، بينما ينزل جذعه قليلاً ليصل لمستواها ، توقفت عن دفعه بعيداً و تشبثت به بقوة .
-أنا آسفة 
-لا بأس ، لا بأس
-ساعدني
قالت بينما تبتعد عنه و تنظر له بوجه حزين و أعين ذابلة .
-لا تهربي يا جينا ، هذا ليس الحل المناسب ، سأتحدث مع والداكِ
-لا ، لا يا جون هذه فكرة سيئة
-فليحدث ما يحدث
امسك بيدها و توجها معاً نحو المنزل ، طرق الباب فنظرت له والدة جينا بحيرة و قالت :
-عذراً ، من أنت ؟
-عشيق جينا ، جون ماكسويل ، سررت برؤيتك
-ماذا ؟ عشيق جينا !
قالت بصوت مرتفع فقَدِمَ والد جينا و حدق بإبنته المختبئة خلف جون ، سمح له بالدخول ، فجلس جون بغرفة المعيشة برفقتهم ، تحت نظرات والدتها الغريبة و هدوء والدها و خوفها ، امسك يدها و نظر للغرفة من حوله ، الأثاث ذو اللون البني و الطاولة الخشبية التي تتربع بمنتصف الغرفة ، الثريا الصغيرة ، و الأزهار الصناعية .
-أريد التحدث معك بموضوع مهم يا سيدي
-تفضل بالحديث
-فلتسمعني حتى النهاية من فضلك
شدَّ على يد جينا و أعطاها نظرة أخيرة مع إبتسامة جانبية صغيرة .
-أنا أحب ابنتك ، و سأفعل أي شيء من أجلها ، و لا أتلاعب بها أو أقوم بخداعها ، صحيح أنني لا أعرفها منذ فترة طويلة ، لكن بالحب لا يحسب بعدد الأيام و الشهور .. جينا أرتني الكثير من رسوماتها ، و أخبرتني عن حبها للرسم كأكثر من مجرد هواية و قضاء وقت ، هو أسلوب حياة بالنسبة لها  ، دعها تفعل الأمر الذي تحبه و تجيده حتى لا تستيقظ بيوم من الأيام نادمة أشد الندم ، يوم لا ينفع الندم بشيء ، من المؤكد أنك أنت أيضاً ندمت على أمر ما في ماضيك ، لا تدع ذلك يحدث لها ، هي ابنتك و جزء منك ، من فضلك أعد النظر بهذا الأمر
هدأ الجو للحظات فقال والدها أخيراً :
-جينا ..هل هذا ما تريدينه حقاً ؟
-أكثر من أي شيء في العالم
-لأي درجة ؟
-لدرجة أنني كذبت عليكما و غيرت تخصصي بالسر دون خوف، و لم أندم على هذا ، لهذه الدرجة و أكثر
شدت على يده لتخفف توترها و تخافظ على ثقتها.
-و عشيقك ؟ أكنتِ تنوين إخفاء هذا أيضاً ؟
قالت والدتها بإنزعاج
-عشيقي اسمه جون يا أمي ، و لا أنا لم أكن أود إخفاؤه
-جون أستقوم بحماية جينا و البقاء معها مهما حصل ؟
قال والدها بهدوء
-بالطبع ، سأحرسها بعيناي ، سأحفظها بقلبي
-لا تصدقه فهو بالتأكيد يتلاعب بها
قالت والدة جينا لزوجها
-أتلاعب بها ؟ لو كنت أتلاعب بها ، لما رأيتيني أقف أمامكما يا سيدتي
-ماذا عن كذب جينا و خداعها لنا ؟
قالت والدتها و هي تحاول تغيير الموضوع
-و هل كان لديها حل آخر يا سيدتي ؟، الكذبة لا تحتسب كذبة إن لم تضر أحداً أو تلحق به الأذى
-كذبي لا يعني أنني أريد خداعكما إنما أردت الوصول لحلمي مهما حدث حتى لو كان على حساب والدي ، لم تتركا لدي حل آخر ، أنا آسفة
-أنا موافق
قال والدها و هو ينظر لها بإبتسامتة ثم اكمل كلامه:
-لقد بقيت طوال البارحة أفكر بالأمر و وجدت أنه علي أن أسمح لكِ بالتوجه نحو مبتغاكِ ، أنتِ كبيرة الآن
ارتسمت إبتسامة عريضة على وجهها و قفزت لتعانق والدها غير مصدقة لما سمعته للتو ، أنصاغت والدتها لكلام زوجها ، فلم تعلق على الأمر و همهمت بخفة ، تحولت من أتعس إنسانة بالكون إلى أسعد إنسانة ، و كل هذا بسببه ، بسبب جون ، أحست بوخز بقلبها عندما تذكرت صراخها عليه و إبعاده جانباً ، سارت معه لكي توصله لباب المنزل ، ابتسم بخفة و مشى عدة خطوات خارج المنزل ، فعانقته الخلف و تمتمت له بإعتذارات عديدة ، فالتفت و عانقها بينما يحملها و ترتفع قدماها عن الأرض .
-شكراً يا جون ، لولا وجودك لما حدث كل هذا
-العفو ، أنا سعيد لأجلك
-أنت لست غاضب مني صحيح ؟
-بلى ، أنا غاضب جداً
-أنا..
قاطعها و هو يطبق شفاهه على شفاهها و يطبع قبلة صغيرة ثم ينزلها على الأرض و يبتعد بخفة ، أخرج لسانه مغيطاً إياها ، تجمدت بمكانها بغير تصديق ، رمشت عدة مرات ، بينما بدأ هو بالضحك و اللعب بشعرها ، عانقته مرة أخرى و خبئت وجهها بصدره و هي تقهقه برفقته .
٨:٠٠ ليلاً
لم تره منذ البارحة ، منذ أن قال لها بخطة ذهابه و تركه لها ، لقد اشتاقت له ، و اشتاقت لصوته و إبتسامته ، لم تستطع التحمل البقاء بعيداً عنه و بمنطقة لا تعرف أحداً سواه ، خرجت من غرفتها و توجهت لغرفته المجاورة لها ، طرقت الباب ، فتح هو دون أن ينبس ببنت شفة ، دخلت و جلست السرير فجلس بجانبها بهدوء .
-و اللعنة ديفيد لِمَ ستذهب ؟
-هذا حلمي يا هانا ، هذه الجامعة هي حلمي
-أستتركني ؟
-ما هذا الكلام يا فتاة ؟ أنا لا أجيد فعل شيء بدونك
-لكنك ستذهب
-و لكنني سأعود
-متى ستعود ؟
-لا أعلم يا هانا ، أعلم بأنني سأعود فحسب
-أنا سعيدة لقبولك في الجامعة التي تريدها ، و أنك ستكمل دراستك بطريقة أفضل ، لكن يا ديفيد أنا لا أريد الإبتعاد عنك
-و لا أنا يا هانا ، لهذا لم أستطع إخبارك بالأمر
-أستأتي لزيارتي ؟
-بالتأكيد
-هل ستحادثني كل يوم و تخبرني بكل تفاصيل يومك ؟
-حتماً
-هل ستعتني بنفسك و ستجتهد بالجامعة ؟
-أمل ذلك
-هل بإمكاننا المرح بهذه الإجازة معاً و بكل الأيام التي تسبق ذهابك ؟
-لدرجة الملل
-هل ستبقى تحبني ؟
-كل يوم و كل يوم دقيقة و كل ثانية ، سأحبكِ
-و أنا أحبك ، و أريدك أن تتوجه نحو حلمك و مستقبلك ، أعتذر لأنانيتي و صراخي عليك 
وضع سبابته على شفاهها و أمال برأسه يميناً و شمالاً و قال :هذا هو مفهوم الحب بالنسبة لهانا 
-و ما هو مفهوم الحب بالنسبة لديفيد ؟
-هل تريدين التجربة ؟
-لِمَ لا ؟
اقترب منها رويداً رويداً حتى أصبح صوت تنفسه و نبضات قلبه مسموعة لها ، لامس جبينه جبينها ، ظل يحدق ببحر عيناها بهيام ، كم سيشتاق لها حقاً !.
-لقد تأخرت
-عن ماذا ؟
-عن هذا
سبقته و بدأت هي بالقبلة بينما أغمضت عيناه و أنسجم معها متناسياً العالم من حوله .
١٢:٠٠ ، منتصف الليل
تجلس سام على الأريكة بداخل بطانيتها ، في شرفة شقتها ،التي لن تكون شقتها بعد عدة أيام !  ، الجو بارد و هادىء ، لا يوجد هنالك صوت سوى صوت صراصير الليل المزعجة ، أحست براحة و سكينة تغزو قلبها بالرغم من ما يحيط بها ، لعل هنالك شيء مخبأ لها ، أو أمور جيدة ستحدث معها ، هي لم تعد تشعر بالحزن و الإصرار على بقائها ، لعل رحيلها ورائه أمر جيد ، هي تأمل ذلك حقاً ، يا ترى ماذا تخفي الأيام لها ؟  .

سمفونية التوليب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن