٣٧. من التاسعة للتاسعة 🕘

51 3 1
                                    


الأحد - ٩:٠٠ صباحاً
بين رفوف الكتب ، و الألوان المائية ، و ريش الرسم ، بداخل البجامة الواسعة ، خلف النظارات السوداء ، و أمام جهاز الحاسوب ، تقبع جينا و هي تتصفح موقعها الجامعي و تحضر لبدء فصل جديد ، بتخصص جديد ، رن هاتفها معلناً إتصالاً من "جون " ، فتحته بحماس و قال هو :
-صباح الخير
-صباح الخير لك أيضاً
-ماذا تفعلين ؟
-في الواقع ، لقد كنت أحضر لموادي الجامعية الفصل القادم
-جيد جداً ، ابتعدي عن شاشة حاسوبك الآن و انظري من الشباك
نهضت من مكانها و هي لا تزال تمسك هاتفها ، أطلت برأسها من الشباك فرأته بالأسفل ، أشاح لها بيده ، فابتسمت بخفة ثم أغلقت الهاتف و نزلت السلالم بسرعة البرق ، فتحت باب المنزل ، فأقبل عليها بطول قامته و نظاراته و خصلات شعره الفوضوية بجاذبية .
-مرحباً يا جميلة
-مرحباً ..
-هل أنتِ متفرغة الآن ؟
-بالطبع ، فقط دعني أغير ملابسي
-تبدين لطيفة هكذا
قرص خدها بخفة و داعب شعرها بكلتا يديه ، احمر وجهها قليلاً ، ابعدت يداه و هربت لتغير ملابسها ، جلس هو ينتظرها بالخارج ، فكان شقيق جينا يلعب بالكرة منذ الصباح الباكر ، تقدم منه و أخذ الكرة و بدأ باللعب معه ، حتى قدمت جينا بإبتسامة عريضة ، و قالت :
-تبدوان لطيفان معاً ، أنذهب الآن جون ؟
-بالطبع
-ألا يمكنه البقاء للعب معي ؟
-العب جيداً أيها الصغير ، المرة القادمة نلعب معاً
امسك يدها و سارا معاً ، الجو جميل و الهواء عليل ، و السعادة تطغى على أجواء المكان .
-إذاً إلى أين سنذهب ؟
-سنتمشى قليلاً و نذهب للإفطار سوياً
همهم جينا و اكملا سيرهما و أحاديثهما اللامتناهية .
٩:٠٠ صباحاً
بداخل السيارة ، بين الحقائب ، تقبع هانا بجانب السائق ديفيد ، متوجهان لقضاء رحلة معاً .
-علي إخبار سام و جينا أني خارج البلدة
امسك بهاتفها بغضب و وضعه جانباً و قال : ألا يمكنكِ ترك هاتفكِ لثانية واحدة ؟
-حسناً سأتركه ، ما بك غاضب هكذا  ؟
-لست غاضباً
-أنت لم تعد ديفيد الذي أعرفه
-ماذا قلتي ؟
-بجدية ألا ترى نفسك ! تارة غاضب و تارة أخرى بارد لا تتحدث بشيء
-هذا هراء لم يتغير شيء
-أصبحت شخصاً مختلفاً ، لم أعد أفهمك ، لقد خططنا لهذه الرحلة معاً منذ زمن و أنت تجلس كأنك مجبر على المجيء ، ما خطبك ؟
-ليس هنالك خطب ما
-أنت تقودني للجنون
أشاحت برأسها عنه ،هي ستنفجر بأي لحظة من تصرفاته هذه ، فقط فلتمضي هذا الرحلة بسلام.
٩:٠٠ صباحاً
أمام باب البناية ،بعد توديع ليزا ، قبل الكارثة ، دخلت شقتها فتراءى لها الظرف التي رمته البارحة على الطاولة ، فتحته و قالت بنفسها لعله فاتورة الهاتف أو دعايات إعلانية ، فتحت الورقة فكان مكتوب بخطٍ عريض
" إنتهاء عقد الإجار "
هل هي حقاً هنا منذ ستة أشهر ؟ ، الأيام سريعة حقاً ، خرجت من الشقة متوجهة لشقة صاحب البناية لتتحدث معه و تجدد العقد ، طرقت الباب ففتحت زوجته استقبلتها و دخل مكتبه .
-صباح الخير ، عذراً على الإزعاج
-مرحباً سام ، تفضلي بالجلوس
جلست على الكرسي الغير مريح و قالت : لقد وصلني الظرف ، و بداخله إنتهاء عقد الأجار
-هذا صحيح
-و سأقوم بتجديده ، أليس كذلك؟
-تجديده ؟ ، ألم تقرأي بقية الورقة ؟
-ماذا ؟
-بقية الورقة
-أين ؟
-بالجهة الأخرى منها
امسكت بالورقة و قلبتها و قرأت ما تحويه ، تجمدت بمكانها لثوانٍ و حدقت به بنظرات غير مفهومة.
-هل ستقوم بطردي من شقتي ؟
-لقد إنتهى عقدك
-لكن ..
-لقد اتفقنا على عقد إجار ٦ أشهر و ما إن تنتهي إما أن تتجدد أو أن تخرجي من الشقة ، أليس كذلك ؟
-أجل أنا أعلم هذا ، لكن ماذا عن تجديد العقد؟
-ليس هنالك تجديد
-لِمَ لا ؟ ، هل هنالك خطب ما ؟
قالت سام بإندفاع
-العقد عقد يا آنسة ، و أنا المسؤول عن البناية لذا من فضلكِ فلتخليها خلال الفترة المذكورة و أي خدمة لنقل الأشياء ، بإمكانك طلب المساعدة
-لكنني لا أرغب بالخروج من هنا ، أليس هنالك طريقة أخرى ؟ سأفعل أي شيء
-العقد عقد يا آنسة و أنتِ وقعتي عليه
-على الأقل اعطني سبباً لخروجي من هنا ! 
ارتفعت نبرتها قليلاً و اهتزت أحبالها الصوتية .
-لا أحد يعيش فترات طويلة هنا ، كل شخص له وقت محدد لذا من فضلك أن تخلي الشقة خلال هذه الأيام
-حسناً فليكن
خرجت من شقته بخطواتٍ ثقيلة غاضبة بعقلٍ مشوش ، هل حقاً ستخرج من شقتها التي تحبها ؟ ماذا ستفعل ؟ إلى أين ستذهب ؟  ، يا إلهي ، ماذا سأفعل ؟ ، هل اتصل بوالدتي لتساعدني ؟ ، بجدية يا سام والدتك ! ، الأشخاص الذين في عمرك لديهم أطفال و ما زلتي تقولين والدتي ؟ ، يجب أن أعتمد على نفسي و احل مشاكلتي لوحدي ، لكنه محق العقد هو العقد و انتهى عقدي و هو المسؤول هنا ! ، لعله يريد مالاً أكبر ذلك العجوز .
رمت بنفسها على السرير تفكر بحلٍ ما ، علي الخروج من هنا يوم الخميس ، فليكن إذاً ، سأخرج من هنا ، لكن ماذا عن ليزا ؟، أسأتركها ؟ ، و جون ؟ الجار المزعج ، والحديقة ؟ و شرفتي ؟ ،يا إلهي سأجن حقاً،  كنت أعلم أن هذا اليوم سيأتي عاجلاً أم أجلاً ، لِمَ لن يجدد العقد ! ، هذا مزعج علي فعل شيء ما ! ، ماذا سأفعل ؟ ، لا يمكنني إجباره على تجديد عقد أنا قد قبلت به و بشروطه ، كوني ناضجة يا فتاة ! .

٩:٠٠ ليلاً
تتناول جينا العشاء برفقة عائلتها ، هي في مزاج جيد اليوم ، و بطاقة عالية .
-إذاً يا جينا هل رأيتي علاماتك لهذا الفصل؟ 
قالت والدة جينا بجفاء . 
-أجل ، علاماتي جيدة و سأقوم برفعها الفصل القادم
قالت بثقة عالية
-أجل صحيح في كلية الفنون
قال والد بينما يقلب الطعام بشوكته .
اختنقت جينا بالطعام و شربت كأساً من الماء بتوتر عالٍ .
-عن ماذا تتحدث يا أبي ؟
-و هل تظنينني غبياً ؟
-لا أبداً
-تركتِ حاسوبك مفتوح هذا الصباح عندما خرجتي بعجلة ، و رأيت كل شيء
تبدد الخوف في أوصالها ، يا إلهي هي لم تدخل الكلية بعد ، لم تتعرف عليها ، لم تفعل شيء و كشفت بسهولة ، حقاً حبال الكذب قصيرة ، قصيرة جداً.
-أيتها المتمردة ماذا فعل والداكِ ليستحقا هذا ، أتكذبين علينا !
قالت والدة جينا بغضب
-لقد خاب ظني فيكِ حقاً
قال والدها بنبرة باردة
-يا لكِ من ابنة أنانية و كاذبة ! نحن نريد مصلحتك فحسب
قالت والدتها بعتابٍ
-مصلحتي ! ، أنا لم أفعل أي شيء خاطىء ، هذا هو حلمي
قالت جينا بنبرة مرتفعة و هي تضع يداها على الطاولة
-حلمك هو أن تكوني رسامة بلا مستقبل ؟ بدل أن تكوني ممرضة ذات عمل جيد
قالت والدتها بسخرية
-حلمي هو أن أترك هذا المنزل !
ذهبت من مكانها تاركةً والدتها تصرخ و والدها يقلب طعامه ببرود و مئة فكرة بمخيلته ، دخلت غرفتها و أغلقت الباب بالمفتاح ، ارتمت على السرير و امسكت أصابعها بتوتر و عضت شفتها السفلية بغضب، ما الذي سأفعله ! ، هل سأعود لكلية التمريض !، هل سيخرجونني من الجامعة ؟، أنا حتى لم أصل لمنتصف الطريق ما هذا الحظ العثر !، كان علي إغلاق حاسوبي !، ما كان يجب أن أرد على جون و اذهب بعجلة ، انكشفت كذبتي الآن و لو علموا أن لدي عشيق ستكون هذه نهايتي ! .
٩:٠٠ ليلاً
لا تزال سام تفكر بحل ما ، لم تخرج بنتيجة ، لذا ذهبت لمسؤول البناية مرة أخرى لتحادثه لكن قال نفس الكلام و بالرغم من محاولات سام إلا أنها بائت بالفشل ، ليس هنالك حل آخر سأحزم حقائبي ، لن اطلب مساعدة أحد،  فقط يجب أن أثق بنفسي .
٩:٠٠ ليلاً
تجلس هانا مقابلاً لديفيد ، ديفيد الآخر الذي لم تعهده قط ، حزينة و تعيسة بالرغم من جمال الأجواء و أصوات الموسيقى و لذة الطعام ، إلا أنها لم ترد شيئاً من هذا ، سوى الذي أمامها.
-ما بكِ لا تأكلين ؟
-ليست لدي شهية
صمت
-هانا ..
-ماذا ؟
-علي إخبارك بأمرٍ ما
-ما هو ؟
-أنا ..لقد حصلت منحة بجامعة جيدة و مرموقة ..  و أفكر بالإنتقال لها
-حقاً ! هذا رائع !
عادت الإبتسامة لها لكنها سرعان ما اختفت عندما قال : في الواقع هي بلوس أنجلوس
-ما الذي تعنيه ؟
-أنا أفكر بترك نيويورك
-قهقهت و قالت : لا تمزح معي يا ديفيد
-أنا جدي يا هانا
-لكن ..
-لم أعلم كيف أخبرك بهذا و أشعر أنه عبء ثقيل على كاهلي
-هل ستتركني؟
-هانا اسمعيني ..
-لا يمكنك ترك نيويورك و تركي
-هانا ..
-لهذا تتصرف معي بهذه الطريقة الباردة !، إلى متى تريد إخفاء الأمر عني ؟، قبل رحلتك بساعة ؟، هل أنت حقاً ستذهب ؟، ماذا عني ؟
قالت بغضب و بملامح جدية قاتلة .
-هانا ..
-أنا لا يمكنني العيش بدونك يوم ، و الآن تريد الذهاب لمدينة أخرى ؟
نهضت من مكانها بسرعة و خرجت تركض نحو المجهول بينما تبكي و تغطي وجهها بكفيها ، لا يمكنه الذهاب و تركي أنا بأمس الحاجة له ، لا يمكنني العيش بعيداً عنه ، يا إلهي ، ماذا سأفعل ؟ .

هذا هو السؤال الذي نقوله لأنفسنا عند حدوث الكوارث و المصائب ، ماذا سأفعل ؟
هيا اخبرني ماذا ستفعل ؟ .

سمفونية التوليب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن