4

2.7K 84 6
                                    


استيقظت من النوم بصعوبة على هزات "ندى"...

- هاا، ماذا تريدين؟
- انهضي أيتها الكسولة، "عمر" يستعجلك.

قفزت مذعورة من اسمه، لا تريد أن تذكر ما حدث البارحة..

- لماذا؟

ضحكت "ندى" من منظرها ثم عادت للمرآة لتضبط حجابها:

- أيُّ ذاكرةٍ تمتلكين!! ألم تتفقا على أن يوصلك إلى منزلك اليوم لتجلبي أغراضك.


"في الحقيقة أعتقدتُ بأنهُ سيلغي ما اتفقنا عليه بعد ما قلتهُ له البارحة".

- حسناً، سأجهز بسرعة.


نهضت إلى الحمام بتثاقل، ففكرة العودة إلى المنزل مرةً أخرى تُثير فيها الرهبة والخوف، ومع من؟! معه!!


كانوا يتناولون الإفطار، الأب وندى وعمر، ألقت التحية عليهم، تجنبت النظر في وجه هذا الأخير، قضمت شطيرتها دون شهية، قرب خالها طبق البيض المقلي بجانبها فأبعدته وهي تشكره...

رائحته تثير فيّ الغثيان في الصباح الباكر!!!

نظرتُ إلى خالي بشعره الذي غزاه الشيب، لم يتغير كثيراً...

بلى تغير، باتت ملامح وجهه أكثر ليناً وضعفاً، بعض الرجال حين يكبرون يصبحون شفافين جداً لدرجة الكسر، أقول البعض وليس الكل!!



انطلقنا في سيارته، جلستُ في المقعد الخلفي، و "ندى" في الأمام بجانبه...

- عمر اضغط على موجة "إمارات FM".
-
- أصبحنا وأصبح الملك لله، أرحمي أذناكِ، سنستمع للقرآن الكريم أفضل.

صمتت "ندى" ومن يقدر أن يحتج؟!

انسابت آيات الذكر الحكيم عذبة كعذوبة قطرات المطر، شفافة كإشراقة الشمس قُبيل الفجر....

نظرت غدير إلى الطريق من خلال النافذة، تتأمل المارة وتنصت لسورة "يوسف"...

لا أملُّ سماعها...


أوقف "عمر" سيارته عند صرح الجامعة بمنطقة "الصخير"، صرحٌ كبير، أتراني سأدخله يوماً...

هل سيقبل "حميد" بذلك؟!

لاأعتقد، هو بالكاد سمح لي بإكمال الثانوية، فما بالك بالجامعة ومصاريفها التي سيتحجج بها....

همهُ الوحيد أن يحرمني من الأشياء التي أحبها..

ترجلت "ندى" من السيارة وهي تلوّح لكلانا، لتنضم إلى هذا الصرح..

- مع السلامة..
- مع السلامة. همست.

عدتُ لأراقبها من خلال النافذة وهي تلتحق بمجموعة من الفتيات اللاتي يضممن كتبهن إلى صدورهن بشدة...


ليتني كنتُ معكم...

لم نتحرك، نظرتُ إلى الأمام، التقت عيناي بعيناه في المرآة...

هل قلتُ لكم أنها خضراء بلون الزبرجد؟!!

كانت المرة الأولى منذُ البارحة، رفعتُ حاجباي بتعجب أما هو فظل ينظر لي بثبات:

- ماذا تنتظر؟! سألتهُ ببرود.

- اركبي في المقعد الأمامي.

فتحتُ فمي وأنا مصدومة:

- لماذا؟!

- لا أريد أن يظن الناس أني أعمل سائقاً..

- وبماذا سيضرك هذا الظن، أتحسب نفسك عنتر بن شداد أو قيس بن الملوح.. قلتها بسخرية.



- أنتِ لا مذهب لكِ.

- وهل مذهبك يقول أن تجلس فتاة أجنبية بجوارك؟!

- مذهبي لا يقول هذا، بل أنا أقولُ هذا...

- إذن أنت لا مذهب لك أيضاً..

- متساويان أليس كذلك؟! قالها بقسوة.

- الثرى لا يتساوى مع الثريا أبداً...

قلتُ هذا وأنا أشير بإبهامي الأيسر إلى صدري...

زمّ شفتيه، وعيناه تتقدان شرراً، دار بجذعه تجاهي، أما أنا فالتفتُّ إلى النافذة بسرعة، أخفي عيني الخائفتين...

- اشكري جنسك، لو لم تكوني أنثى لحطمتك...


كانت يدي اليسرى ترتجف، لساني ينزلق بي في مواقف سخيفة حقاً..

وضعتها في حجري كي لا يلاحظ ارتجافها...

صاح بقوة أجفلتني وجعلت قلبي يهوي بعيداً، بعيداً إلى أدنى بقعة....

- ترجلي هيا إلى الأمام، وإلا قسماً لن أتحرك من هنا...


ثم عاد إلى موضعه، أما أنا فبقيتُ صامتة...


أوقف محرك السيارة ورغم أن الجو حار إلا أنه لم يفتح نافذتي!!!!


مرت 10 دقائق ربما ونحنُ على هذا الحال...


أخيراً فتحتُ الباب بصعوبة واستسلام، كان بودي أن أصفقه بقوة لكن يدي اليسرى لم تكن بجودة الأولى...

ركبتُ بجانبه، شغل محرك السيارة ولم ينبس ببنت شفه، لم يعلق ويسخر مني، لديه أخلاق عالية هذا الأخ!!!

المسافة التي تفصل بيننا صغيرة جداً، لا تتعدى الشبران....

لم أرتح في جلستي، هو أيضاً يبدو غير مرتاح، يداهُ اليمنى تتحرك كثيراً!!!

نظرتُ إلى النافذة لألهي نفسي، لم يسألني حتى عن الطريق إلى منزلي...

أتراهُ يعرفه؟! ربما وصفهُ خالي له...

أجل ربما!!!!

===============


أودُّ لو أفتح باب سرك
لأستطيع فهم سرّ شرك

فأنت لا تضرُّ من يسعى إلى
أذاك يا راعي الندى وضُرك

لكل من سقاك كل شهدهِ
في كأسه تصبُّ كل مرك

(الرائع مانع سعيد العتيبة)


===========


لم تنم "شيماء" البارحة جيداً، تقلبت في فراشها وهي تتذكر ما قالته لها أمها:

- دعينا نذهب إلى الطبيب لنتأكد.

- لقد أجريت اختبار الحمل في المنزل والنتيجة كانت لا شيء.

- لقد مرّ على زواجكم ثلاثة أشهر وهو وقتٌ كافٍ، ابنة عمك "ليلى" حملت منذُ الشهر الأول.

امتقع وجه "شيماء" وهي تردد بصوتٍ متباكٍ:

- لم يمضِ على زواجنا الكثير يا أمي، إنها 3 أشهر فقط...أحياناً يحدث الحمل بعد مرور سنة على الزواج.

شهقت الأم وهي تضرب بيدها على صدرها:

- أجننتِ يا "شيووم"، ستنتظرين سنة كاملة؟!! أتريدين أن يتزوج "ناصر" بأخرى!!

- أنا لم أقل هذا، أنا قلتُ لازال الوقتُ مبكراً على الحمل و كل شئ بيد الله..

مطت الأم شفتيها المجعدتين وهي تتمتم:

- ونعم بالله، ولكن اعلمي أن ما يربط الرجل بالمرأة هو الولد، هو من يقوي شوكتها ويصونُ بيتها...


تنهدت "شيماء" بحرقة، سالت الدموعُ بحرارة على وجنتيها، شدت اللحاف وهي تبكي:

- لم تريدين أن تفسدي فرحتي يا أمي....


===========


- هذا هو بيتكم.

- أجل.

أوقف مكابح سيارته.....

شيء يشدني إلى مقعدي، يمنعني من التحرك، قدماي ثقيلتان كأنهما خُدرتا....

- إلى متى سأنتظر؟!!

لم أرد عليه، جررتُ نفسي وهو يتفحصني وكأنني وكأنني....


لا شيء!!!


يا لقلبك الأسود، حدجتهُ بنظرة وتركتُ سيارته دون أن أغلق بابها حتى...


فلينفجر في مكانه..لايهم..


دخلتُ المنزل دون أن أدق الجرس، لم يدخل معي، الحمد لله...


في الحقيقة خجلتُ أن يشاهد المكان الذي أعيشُ فيه..


البيتُ هادئ، لا توجد حركة إنسية في هذا المكان، التلفاز مغلق على غير العادة، أين ذهبوا؟!!


ولجت إلى المطبخ بخفة، كانت تمسك بالملعقة الكبيرة وتديرُ ما بالوعاء...

رائحة الطهو لذيذة، مميزة، بيتية من الدرجة الأولى، تقفُ ساهمة، شاردة، يا تُرى فيمَ تفكر؟!!

تنحنحتُ في بادئ الأمر كي لا تجفل:

- احم، احم... السلامُ عليكم.

التفتت نحوي وقد ألقت ما بيدها، مسحت يديها بثوبها بعجل، وهي تنظر لي بتلك النظرة التي تُثير الشفقة، أراهن بأنها ستسكب دموعاً جديدة الآن...

لم يخب ظني، هرعت إلي تحتضنني، تمسك بيدي المجبرة وتبكي، تركتُ لها المجال لتعبر عن مشاعرها دون أن أتحرك أو أنبس ببنت شفه...


أخذت تتلمس قسمات وجهي غير مصدقةٍ وجودي، هالتني الهالات السوداء التي أحاطت بعينيها الغائرتين في أفول، لكني لم أعلق....


- كيف حالكِ يا ابنتي، هل أنتي مرتاحة هناك؟ هل يعاملونكِ جيداً، لقد اشتقتُ لكِ كثيراً، البيت لا طعم له من دونك..


"الآن، الآن يا أمي؟!"...

- أنا بخير والحمد لله. قلتها بجمود، وأنا أنزع نفسي منها. ثم أردفت:

- سآخذ بعض حاجياتي..

سألتني بتلهف والحسرة ترتسم في عينيها الذاويتين:

- أستذهبين؟ ألن تبقي هنا؟!!

- وهل أصبتُ بالجنون لأفعل ذلك..تريدين منه أن يُجهز علي، لا ترتاحين إلا بعد أن يشبعني ضرباً، أليس كذلك؟!


شهقت وهي تضع يدها على فمي بسرعة مانعةً فمي من إطلاق سيل كلماتي الحاقدة:

- سامحكِ الله يا ابنتي، أنا لا أتمنى لكِ إلا الخير، لكني..لكني ، لا حول لي ولا قوة..

"لو حاولتِ ردعه يوماً لما استمرّ في تعذيبي"...


أبعدتُ يدها عن فمي، أدرتُ لها ظهري وأنا أقول بصوتٍ خافت:


- لقد تأخرت، سأجمع أغراضي.... وداعاً ياا أمــ......


دلفتُ دون أن أكمل، انتابتني غصة، أعلم أني قاسية في معاملتي لها، لكنها هي السبب، هي السبب في كل شئ....


هي السبب وكفى، ثم قلبي لم يعد به مجالاً لأن يحب، الحقد ملأه، أعماه وأدماه، صيرهُ شوكاً يجرح فقط، لأنهُ لم يعرف في حياته إلا الجرح...


انطلقت "غدير" إلى غرفتها والغصة تخنقها، تلسع صدرها، فتحت غرفتها، وتوقفت فجأة....

لقد رتبتها، وضعت كل شئ في مكانه كالسابق...

تنفست بعمق...

ولكن هل سيبقى شئ كالسابق؟!!


جثت على الأرض، رفعت حافة سجادتها الحمراء وأخرجت مفتاحاً صغيراً، توجهت لخزانة ملابسها، فتحت درجها السري أولاً، مدت يدها لتتناول دفترها...

ذاك الذي رافقها طوال سنين عمرها الثامنة عشر، في كل ورقة وكل سطر جزء من حياتها...

جزء من سرها، جزءٌ منها، هي وهو سيان، إن فُتح هو اختفت هي!!

ضمتهُ إلى صدرها بيدها اليسرى بقوة بأصابع مرتجفة، أغمضت عينيها والصور تتلاحق، تومض وتنطفئ كبروق سماوية...

حين تولد النجوم وتموت....

ويغيبُ القمر....

لا يبقى إلا السراب، والحقيقة أين محلها؟!!

إنها لا تعرف ولا تدري أفي يومٍ ما ستعرف!!!!


ضغطت بأظافرها على جلده الأسود لعلها توقف الاهتزاز الذي يعتريها كلما أمسكته..

قلبها يغوص، يتماوج مع الرمال المتحركة، ها هو يوشك على أن يُدفن، نتوءٌ يطفو، يعلو وينخفض، تعبث به الرياح، تقلبهُ كيفما تشاء رغماً عنها....

- ماذا تفعلين؟!

قفزت من مكانها مذعورة، التفتت لصاحب الصوت المستنكر، الواقف بجانب الباب بغطرسة...

ذكرت الرحمن في سرها لعلها تهدأ الإنقلاب في نبضاتها...قالت بعد دقيقتن، بعد أن تمالكت نفسها..

- أنت، لقد أجفلتني، ألا تعرف أن تتحدث بصوتٍ هادئ كباقي البشر..


رمقها بإبتسامة هازئة بات لا يفتأ أن يصوبها تجاهها....

- عذراً إن قطعتُ عليكِ أحلامك الوردية...

نظرت إليه بشزر ثم قالت:

- من سمح لك أن تدخل غرفتي؟!

- أهذا كل ما تعرفينه من آداب الضيافة؟

"ربما كان يقصد أنني لم أدعوه لدخول منزل عمته!!"...

عادت لتخرج باقي حاجياتها من درجها دون أن تهتم لمغزى كلماته:

- أريد فقط أن أرتب ملابسي، لو سمحت.

- أمكِ تبكي.
- أعرف.

- أقول لكِ تبكي، وتقولين أعرف!!
- ماذا تريد مني أن أفعل؟! قالت ببرود.

تطلع إليها بإستنكار، لكنهُ ردّ بهدوء:

- المرء لا يجد لديه بين الفين والأخرى أماً، انتبهي فلا يحس الإنسان بقيمة الشئ إلا بعد أن يفقده.


تركت ما بيدها فجأة لكأنها تفجأت ما قاله، في عينيه بريقٌ حزين سرعان ما أخفاه، وغلّف تعابيره بقناعٍ جامد:

- إذا انتهيتِ من جمع ما يلزم، ناديني لأحمل الحقائب ولكن بسرعة، ليس لدي وقتٌ لأضيعهُ أكثر.


وانصرف تاركاً إياها في حالة فوضى...

فوضى مشاعر...

عادت لتضم دفترها إلى صدرها، أبحرت بها الخيالات بعيداً، بعيداً...

تنهدت ثم أكملت جمع أغراضها...

لم تأخذ معها الكثير، فقط ما يكفي لمدة شهرٍ واحد!!!


تناول منها حقيبتها الصغيرة، كان حينها واقفاً مع أمها، التفتت لها الأخيرة، وقد بانت الهالات أكثر سواداً والعينان أكثر ضيقاً....

تهدج صوتها وهي تقترب منها لتصافحها:

- انتبهي لنفسك..

الصوت يختنق بحنجرتها، يجاهد ليلامس الهواء وينطلق...

كعصفورٍ كسيرٍ هو، ها هو يبزغ بخفوت، بصوتٍ أقرب للهمس:

- مع السلامة.

كان ينظر لها، يشير إليها بشئ، لكنها لم تفهم...

لكن الأم فهمت ما يعنيه، بادرت هي بعناقها، وغدير تشعر بالضياع، بالفوضى...

لملمت نفسها بصعوبة...

وفي الحياة دوماً....

لقاء ووداع....

ويخسر فقط من يفقد الأمل!!!!



=============


- قلتُ لك يا "ناصر" لا تقف أمام هذه النافذة.

ابتسم في وجهها وهو يهمس:

- تخافين علي؟!

تورد وجهها، لكنها سرعان ما قطبت جبينها بعبوس وهي تردف:

- هذة النافذة خطيرة، انظر ليس بها قضبان، الحمد لله لا يوجد في هذا المنزل أطفال..

- لكن قريباً سيفدون مثنى وثلاث ورباع...

قالها وهو يفرد أصابعه للعد، ثم أردف متسائلاً بابتسامة:

- أم نكتفي باثنين، أعتقد أن هذا الزمن تصعب فيه تربية أطفال كثيرون...

- ..........................

- لكن لو كانوا يشبهونك فلا مانع أن يكونوا 10، حتى إن رأيتُ أحداً منهم في الشارع تذكرتك...

أخذ ناصر يضحك بأريحية و "شيماء" تحاول أن تخفي امتقاع وجهها، وصوت أمها يتردد صداه في أذنيها:

أتريدين أن يتزوج أخرى...لا يربط الرجل بالمرأة إلا الولد...إلا الولد...


هي تحبه، بل تعشق ذرات الهواء التي يتنسمها...

صحيح أن زواجهم تم بطريقة تقليدية، ولكن من قال أن الحب قبل الزواج هو الأساس، بل كثيراً ما يولّد الزواج حباً أقوى وأسمى من الحب الذي يتفوه به أخونا روميو وأختنا جولييت!!!


نظرت إلى زوجها بكثير من الحب، وإن شابته حسرة وألم، صحيح أنهُ لا يذكر الأطفال إلا مازحاً، ولم يحادثها قط بالموضوع بجدية أو بشكل مباشر، لكن توقه للأطفال يلوح دوماً في عينيه حين يرى أحداً منهم، فيردد لها هامساً بود:


- سننجب طفلاً مثله، لا بل أحلى منه، أريده مثلك..
- وإن كانت طفلة؟!

- سيكون هذا أروع، سأسميها شيماء2 ، واحدة في قلبي والأخرى في سويداءه...

عضت على شفتيها بقسوة حتى كادت تدميها لعلها توقف هذه الانفعالات المحتدة بجنون داخل أعماقها...


"لماذا يا أمي، لماذا؟..."

أخذت نفساً، ثم مست كتفه ليلتفت لها:

- ناصر، فلنبتعد عن هذه النافذة...

التفت لها بحنو، أمسك يديها حين فاجئتهم دمدمة "ندى"...


- أنا منحوسة، أعرف ذلك، مكتوب على جبيني "ندى" المنحوسة..

أطلت عليهم بوجهها المنتفخ من الغيظ، ألقت الكتب التي بيدها وهما يرمقانها بتعجب.

- ماذا بك؟! ماذا حدث؟ سألتها ندى.
- لم يجدوا غيري لأتدرب في شركته.

- عمن تتكلمين؟

- ما من أحد يتدرب معه إلا و أعاد فصل التدريب مرة أخرى..
- من هذا؟ سألها ناصر هذه المرة.

تطلعت إليهما بنفاذ صبر، زمت يديها معاً عدة مرات ثم تركتهما وعلامات الاستفهام على وجهيهما وانصرفت...

فتحت باب غرفتها بقوة، كانت "غدير" مستلقية على الفراش وبيدها دفترها تنظر إليه بشرود...


- أرأيتِ أين سيلقوني؟!

التفتت إليها "غدير"، وقد علق بأهدابها شئٌ من الندى، مسحته بسرعة قبل أن ينتثر...

- ماذا هناك، لم تصرخين؟! حاولت أن تسأل بصوتٍ طبيعي.

خلعت "ندى" خمارها وهي تجلس على السرير الآخر.

- سأتدرب..
- وماذا في ذلك؟
- سأتدرب في شركة ".......".

رفعت غدير كتفيها وكأنها لم تفهم بعد.

- كثير من صديقاتي تدربن هناك، من تحمّلن منهن للنهاية أعدن الفصل من جديد، أما الأغلبية فتركوا العمل هناك...

- ولم كل هذا؟

- من مديرها، يقولون أنهُ قاسٍ في عمله و مصابٌ بمسٍ في عقله..

رفعت غدير حاجبيها بإستنكار، ثم ما لبثت أن ابتسمت:

- مدير ومجنون ولديه شركة؟!! كيف هذا....
- هذا ما يقولونه..

- لا عليكِ منهن، إنها إشاعات...
- أقولُ لكِ صديقاتي أكدن لي ذلك..

- حتى وإن كان كذلك، اعتبريها مغامرة أن تتعاملي مع هذه الفئة...
- تضحكين علي..

ووقفت وهي تكادُ تنفجر....

- على العموم أنا سأرى الوضع هناك ليومِ واحد، وإن كان مثل ما قالوا سأنسحب من هذا الفصل..

- لن تتخرجي إذن، اسمحي لي أنتِ المجنونة إن فعلتِ ذلك...


سكتت "ندى" وقد أعتلتها حيرة وخوف....
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
القادم يزحف ببطء....

في يديه زهرة وكومة حشائش....

ونقطة في السماء تضيُ من بعيد...

تمنح للسائلين أماني....

فهل تتحقق؟!!


================

أتمنى لكم قراءة ممتعة

لا تبخلوا علي بالردود

وجزيتم الفردوس 

أشعلت لقلبك شمعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن