لا يستطيعُ الليلُ أن يرهبني
أو عن مدى عينيكِ أن يحجبني
بيني وبين الليل يا حبيبتي
بدرٌ إلى عليائهِ قد قربني
ورغم أن البدر غاب لم يغِب
صبرُ انتظارٍ آهٌ كم أتعبني!!
============
تلكأت "ندى" عند باب الشركة وهي تضع أصبعها في فمها بتوتر...
أأدخل أم لا؟! ماذا سيقول عني عندما يراني قد عدت!!
سيقول رغماً عن أنفها عادت وسيبدأ في التشمت والسخرية مني...
تعرفونه حقود، يغار مني لأني أفضل منه!!!
ثم سيصرخ في وجهي أمام "أشجان" و "جميلة" و سيشير لي بإصبعه لأتوجه إلى مكتبه وكأني نعجة من نعاجه الهاربه!!!
كلا، ثم كلا، أنا "ندى"، تعرفون من هي "ندى"؟!! هيبتي وكرامتي هي أغلى شيء عندي!!
سأعود لمنزلي وأنام خيراً لي من رؤية وجهه السمج، وسأمر على المستشفى في طريقي وآخذ لي عذراً من هناك، تعرفون معدتي لاتزال تؤلمني منذُ البارحة بسبب المجرم!!
وابتعدت عن مدخل الشركة وهي سارحة في أفكارها تلك، ولفت انتباهها صوت بائع جرائد يُدلل على بضائعته المتنقلة..
حرفت مسارها عن موقف السيارات واتجهت ناحيته...
- اعطني صحيفة "الأيام"..
- تفضل "مدام"!!
- "مدام"؟! أنا مدام يا قليل الأدب!!
وسحبت منهُ الجريدة وهي تنظر له بشزر، تطلع لها "الآسيوي" بخوف دون أن يدري فيمَ أخطأ!!
وقلبت الجريدة بسرعة حتى وصلت إلى صفحة "الوفيات"!!
مررت عينيها بسرعة على الأسماء ثم زفرت بصوتٍ مرتفع، وخاطبت العامل بإستفهام:
- كم سعرها؟!
"كل الجرائد بنفس السعر!!"
- 200 فلس.
- ماذا؟! لا أريدها، صفحاتها مجعدة، لا بد أن كثيرين قرأوها بالمجان قبلي!!
- أنت أول نفر قرأها دون أن يدفع!!
- لا تكثر الكلام "بابو".. وطالعته بتهديد وهي تُردف:
- أنا يسفر أنت بلادك إذا عصّب.
- ماما، أنا عندي جنسية "بحريني"، أنا مثل أنت "سيم سيم"!!
وشهقت "ندى" وهي تضرب على صدرها:
- أخذت الجنسية "بابو"؟!
- يس مدام، و اسمي أصبح "محمد"، انظر..
وأخرج لها بطاقته المدنية فقرأتها عن كثب وهي تهزُّ رأسها أسفاً...
زمن!!!
ومطت شفتيها وهي تردد بصوت خافت:
- الآن أنا و "بابو" بحرينيين!! كيف تركب هذه؟!
هزت رأسها بلا مبالاة ثم أخذت تطالع عناوين الكتب المعروضة...
مغامرات اللص الظريف "أرسين لوبين" – أشياء لا تنسى – فنون الطبخ و ....
"كيف تُسقطينه في شباكك!!"..
وسحبتهُ على الفور وهي تتصفحه باهتمام شديد...
- مدام، ادفع أولاً قبل أن يقرأ..
- سأدفع، سأدفع، انتظر قليلاً، ولا تقل لي مدام وإلا صفعتك!!
و تراقصت ابتسامة شيطانية على شفتيها وهي تتخيل أشياء!!!
التفتت للبائع وهي تسأله بلطف:
- أيمكنني أن أستعيره "بابو"، سأعيدهُ لك في الغد كما هو!!!
- لا ماما، غير ممكن.
و هبت في وجهه صارخة:
- وكم ثمنه؟!
- 3 دنانير. ردّ بخوف.
وأخرجت محفظتها من حقيبتها الصغيرة وهي تخاطبه:
- أنت بحريني الآن صح؟!
- يس ماما. أجاب بفخر.
- أما سمعت بالقانون الجديد؟!
- لا ماما.
- إذا اشترى بحريني من بائع بحريني لا بد أن يخفضه ديناراً كاملاً!!!
- !!!!!!!!!!!!!!!
- خذ، هذان ديناران ولا تجادلني وإلا!!
وضربت على جبهتها بخفة:
- نسيت، لديه جنسية!!
وسارت عن البائع المذهول وهي تنظر للكتاب بحماس، و نشاطٌ كبير يدبُّ بداخلها..
- اليوم، موعدنا اليوم!!!
وابتسمت بشيطنة...
==========
يتجاهلني
يعنفني
بصمته
بنظراته
و شيء ما يلف سكون عبراتي
هل أحبه؟!!
هل يعقل أني أتلمس ملامح وجوده
في قلبي
و برودة اللحظة تجتاح أطرافي
و تلك النار تستعر في جوفي
و أنا مثل ما أنا
ذهول و هذيان
يلفني
و أتدثر ببقايا همسه
هل يعقل؟!!
أني وقعت في قاع الردى
و كل ما يلفني هنا ظلام
و هيام
إلى متى؟!!
أتأبط الكتمان
و ألوذ بالحرمان
عن ظل و حنان
إلى متى؟!!
أسير في بوتقة الجنون
أنا و الطعون
و قلب خائف مجروح
مازلت أهذي
و أهذي
و كل أوراقي مكشوفة
ترى متى ينار لي درب المدى
دون دمع على خد الأسى
و دون ألم يتردد مع الصدى
وحدي
أنا
من غيرك من أكون؟!!
(بقلم المبدعة: دمعة الأيام)
و انسابت دمعة شفافة امتزجت مع الحبر الأسود، تماهت معه، و أخفت معالم حروفه...
مدت أناملها النحيلة لتمسحها و تُصلح ما يمكن إصلاحه...
لكن قطرة أخرى عنيدة سقطت فانهمرت البقية كرذاذ المطر في مواسم الصيف...
أول الغيث قطرة، أليس كذلك؟!
أغلقت دفترها قبل أن يجرفه السيل، ففيه الماضي و بدونه لا ماضي لها!!!
وأجالت ببصرها حول الفراغ بسكينة تناقض تلك النار المستعرة في جوفها...
بدا لها المكان مظلماً رغم أن شمس الأصيل كانت شاخصة بشموخ في قلب السماء..
لا أحد هنا، لا أحد...
فقط أنا والسكون..
والظلام!!!
وسمت صوت ضحكة مخنوقة فالتفتت بسرعة نحو الستارة بخوف..
ضغطت بشدة على مرفقيها وهي ترتعد..
وعلت الضحكات أكثر، ارتفعت..
همست لنفسها بصوتٍ مرتجف:
كلا، كلا، أنا لا أسمعُ شيئاً...
هذا صوت الريح..
أنا أتخيل..
إنها كوابيس، أضغاث أحلام...
نحنُ لازلنا في الليل، أليس كذلك؟!
وأنّت بصوتٍ متقطع وهي تضع يدها على فمها..
عمر، أين أنت؟!
لا تتركني، لا تذهب....
و دفنت نفسها في وسادتها لعل الأصوات تبعد أو تخفت قليلاً!!!
يا ليت!!!
===========
قلبت صفحات المجلة بملل...
الحيارة رتيبة، مملة، خانقة، لا جديد فيها..
لو أكملت تعليمها لربما شغلت نفسها قليلاً..
ولكن مجموعها في الثانوية العامة لا يؤهلها لدخول الجامعة، وحتى لو أهلّها فلن تذهب، إنها تكره الدراسة ولا تطيق لها صبراً!!!
ماذا عن العمل؟!
ومن سيقبلها بشهادتها البسيطة!! الدنيا كدرجات السلم، متى ارتقيت رقتك درجة حتى توصلك للقمة، ومتى ما دنوت ألقتك أسفل سافلين، و في كلتا الحالتين أنت ساقط!!
ستسقط من علو أو دنو، هكذا هي الحياة!!!
لو كان لديها شيئاً آخر يشغلها، شيئاً آخر!!!
وتجسد ذلك الشيء على صفحات المجلة!!!
أخذت تطالع صور الأطفال بشوق ولهفة وهي تمرر أصابعها على شعرهم، أعينهم الصغيرة، وتتخيل أنها تقرص تلك الخدود الممتلئة كالندى!!!
وابتسمت بألم وهي تضمُّ الصور إلى صدرها بقوة حتى تجعدت صفحاتها...
وانفتح الباب فجأة:
- عزيزتي ســ .....
وسكت وهو يطالعها بتساؤل لكنها سرعان ما أغلقت المجلة و مسحت عينيها وهي تصطنع المرح:
- ماذا تريد؟!
وحدجها بنظرة متفحصة لطالما سبرت غورها...
- ما بك؟!
- لاشيء، ليس بي شيء.
وعادت لتبتسم ولكن دون حياة، تقدم و تناول المجلة من يدها رغم اعتراضها ولم يتصفح كثيراً، كانت الورقة المجعدة واضحة للعيان....
رفع بصره إليها فاضطربت في وقفتها وكأنها ارتكبت اثماً..
تنهد وهو يضع المجلة على المنضدة...
خاطبها بعتب:
- ألن تكفي عن التفكير بهذا الموضوع، ارحمي نفسك..
ردت بصوتٍ غائم:
- لا أستطيع، ليس بيدي يا "ناصر"..
أجلسها وهو يشدّ على يديها بمواساة...
نظرت إليه بحزن وهي تردف:
- ربما لن أنجب طفلاً أبداً، ربما كنتُ عاقراً..
- صه ما هذا الكلام يا "شيماء"!!
- هذا ما يتهامس به الجميع في وجودي، لو رأيتهن كيف يتغامزن وهن يبتسمن بشماتة..
- لا تبالي بما يقلنه، كلام الناس لا يهمني البتة، لا يهمني أحدٌ سواكِ...
- لكنك تريد أطفالاً، أنت قلت لي ذلك منذُ بداية زواجنا..
- ....................
- أرأيت؟! ردت بألم.
- هذه أمنيات كل رجل مقبل على الزواج!!
- وأنا لا أستطيع تحقيق هذه الأمنية..
- كفي عن هذا الكلام، ليس بكِ شيئاً، السببُ ليس منكِ، اصبري حتى يأذن الله..
- ربما لن تصبر أنت، وستفعل كما يفعل بقية الرجال وتتزوج من تنجب لك!!!
- أنا لستُ متخلفاً، ولو عرضوا علي نساء العالم بأجمعهن ما اخترتُ غيرك...
و تطلعت إليه...
عيناهُ صادقتان، تنطقان بالحب، بالوفاء...
"أي زوجٍ رائعٍ أنت يا ناصر...
أأستحقك فعلاً؟!!"..
وابتسمت في وجهه وهي تغير الموضوع:
- لم تقل لي ماذا كنت تريد؟!
- ماذا كنتُ أريد!!! فعلاً ماذا كنتُ أريد؟!
وأخذ يهمهم بتفكير ثم قال فجأة وكأنهُ تذكر:
- أجل، كنتُ أريد أن أقول لكِ ....و ابتسم بهدوء وهو ينظر لها بعمق.
- ماذا؟!
- أني أحبك..
وكانت دعواها أن:
"يا رب احفظه لي"....
==========
ابتسمت "ندى" ابتسامةً شيطانية وهي تُذكّر نفسها بالخطوات التي حفظتها عن ظهر قلب منذُ الصباح...
حملت الكيس الكبير بيدها وكادت تدفع الباب بقدمها كعادتها لكنها أمسكت ووبخت نفسها على هذا التصرف بشدة!!
"انتبهي!!"
و طرقت الباب برقة وهي تنعّم صوتها :
- أأدخل أستاذ؟!
وخُيّل إليها أن الرد تأخر أكثر من المعتاد!!
وأخيراً أتاها الصوت الجامد:
- تفضلي..
فتحت الباب دون أن تنظر لجهةٍ محددة وجلست على مقعدها المعتاد في نهاية الزاوية..
فتشت في حقيبتها سريعاً وأخرجت ورقة قربتها من أنفها لتتأكد من بقاء رائحة عطر "كوكو شانيل" فيها ونهضت على الفور..
وتمهلت في خطاها وهي تمشي على استحياء حتى وصلت إليه:
- أستاذ هذا عذر غيابي لهذا الصباح، و قد أعطاني إياهُ الطبيب ليومٍ كامل بعد تناولي لبيتزا مسمومة البارحة!!! ومع ذلك قررتُ أن آتي رغم مرضي لأني لا أحتمل الفراق عنك، أقصد فراق العمل!!
- ............................
- لا تنسى أن تشمّ العذر بعد أن تقرأه!!!
وقرصت خديها ليُحمّرا وهو يطالعها مبهوتاً فحدجته بنظرة مسبلة وسارت عنه..
و جلست على كرسيها وأخذت تعبث بالكيس الكبير...
أمسكت مزهرية زجاجية شفافة ووضعتها على الطاولة بصوتٍ مسموع فالتفت المدير وفي وجهه تساؤل لكنه سرعان ما هز رأسه باستخفاف وأكمل عمله...
أخرجت باقة كبيرة من الورد الأحمر المخملي، فكّت رباطها والابتسامة الشيطانية تتراقص على شفتيها...
صفت الأزهار بعناية داخل المزهرية الزجاجية وهي تطالع المدير بطرف عينيها بخبث..
عدت للعشرة في سرها ثم نهضت من جديد...
سحبت زهرة ندية العود ووضعتها خلفها وهي تقترب من طاولة المدير، أحنت رأسها فجأة وهي تدسُ أنفها في الورقة التي بين يديه...
وأجفل من وجودها أمامه هكذا لكنها نظرت إليه وهي ترمش عينيها ببراءة ووضعت الزهرة الحمراء أمامه واستدارت!!!
أخذ يحدق في الشيء الذي وضعته بذهول ثم التفت إليها فلم يرى إلا الملف يغطي وجهها تماماً!!!!!
أزاحت "ندى" الملف قليلاً بعد بُرهة فوجدته يعود للكتابة وهو يحكُ شعره!!!!
وكادت تصرخ من الفرح:
"هذه أول إشارة، لقد نجح الطعم لأستاذ "كمبيوتر" بدأ يحك شعره وهو يفكر بي، ولكن...
ماذا لو كان في شعره قمل!!!!!!"
ولوت فمها بتقزز...
"لا بد أن أتأكد، سأحاول من جديد".. خاطبت نفسها بتصميم.
ونهضت ساحبةً معها زهرةً أخرى فرفع بصره إليها في نفس اللحظة فغضت وهي تلقي بالوردة بسرعة من بعيد وتفرّ إلى مكتبها...
وحجبت وجهها بوجل وحين أزاحته رأته يرصدها فوضعت يدها على فمها قبل أن تصرخ وأدارت كرسيها لتقابل الحائط!!!
ومرت 10 دقائق تقريباً وهي تنظر للحائط الأصم حتى كلّت عيناها، تلمست خلفها بيديها وسحبت لها ورقة...
" لو كان غاضباً لصرخ علي، ثم السكوت علامة الرضا، أليس كذلك؟!
وعادت لوضعها الطبيعي مختبئة كالعادة، فتحت إحدى عينيها...
كان قد توقف عن الكتابة وبقي ينظر للزهرتين بتمعن...
وتهللت و أمسكت نفسها عن القفز وسط المكان..
وسمعت صوته الهادر يناديها دون أن يُبعد ناظريه عن الورد:
- تعالي إلى هنا يا آنسة..
"إنهُ يناديني، سيعترف لي، لقد سقط في الشباك أخيراً!!!
وهرعت إليه من فورها حتى كادت تتعثر!!!!
تطلع إليها من رأسها لأخمص قدميها ثم سأل بجفاف:
- أيمكنكِ أن تخبريني ماذا ترمين من وراء هذه التصرفات الخرقاء؟!
- ...................
- ألن تعقلي أبداً؟!
- .................
وصرخ بغضبٍ ثائر:
- خذي هذه الورود وانصرفي لعملك...
وشعرت بأن أحداً سكب على رأسها ماءاً بارداً...
"أهذا ما ناداني من أجله!!"...
تطلعت إليه بإنفعال وهي ترفع أصبعها أمام عينيه:
- أنا لا آخذُ شيئاً من غريب!! ماذا أقول لو سألني والدي عن مصدرها؟! أأقول له أنك أعطيتني هذه الورود الحمراء!!! أتريده أن يعلقني من النافذة!!
وتطلع إليها بدهشة لكنها لم تبالِ وتابعت:
- كف عن حركات المراهقين هذه، هذا عيب يا أستاذ، عيب أتسمع، عمرك في الثلاثين وتحضر لصغيرة مثلي، سريعة التأثر وروداً!!!
وفغر فاهه والدهشة تتسع....
- وأيُّ لون؟! لوناً أحمراً، أتعرف عمّا يعبر هذا اللون؟!
- !!!!!!!!!
- لم لا تقلها مباشرة بدلاً من اللف والدوران!!
- أقولُ لكِ ماذا أيتها المجنونة؟! صاح بغضب.
- وكيف لي أن أعرف ما يدور في ذهنك الخبيث!! تحضر لي وروداً حمراء وتكتب لي رسائل معطرة تضعها في ملفي، ماذا تسمي كل هذا؟!!
- !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
و زفرت وهي ترفع كتفيها بإستنكار:
- لا أدري متى سأسلم من المعاكسات التي لا تنتهي، أينما أسير، أينما أتواجد تلاحقونني!!!
- ........................
- و بعد هذا الاكتشاف الذي اكتشفته عنك، تبين لي أنه لا يصلح بنا أن نبقى معاً في مكانٍ واحد، أنا أخافُ على نفسي!!
واحتقن وجهه فبدا داكناً وهو يصرخ بغضبٍ مكتوم:
- ابتعدي عني قبل أن أخنقكِ!!
- لا تصرخ علي، وليكن في علمك بعد كلامك هذا وتصرفات المراهقين التي فعلتها قد سقطت من عيني، لذا لا تتعب نفسك فلن أقبل الزواج بك!!!
وضرب بقبضته على الطاولة فركضت إلى كرسيها بخوف..
- مجنونة، مجنونة!!!
- أنا أسمعك!! ردت بتهديد.
وعقدت ذراعيها بغيظ وهي تدمدم:
"مؤلف كاذب، كيف تسقطينه في شباكك!!!
ألقيه في البحر!!
أين ستُفلت مني يا "بابو"!!"
============
ربما رحل، رحل ولم يحفل بي البتة، كم كان متلهفاً للذهاب و كأنهُ سيلقى الجنة!!!
كلهم يرحلون، يرحلون تباعاً...
الأب يرحل، الأمُ ترحل، والزوج يرحل!!!
تركني هنا وحيدة مع الظلام، مع السكون، مع الوحشة...
يا لقسوته، يا لظلمه، ويا لحرقة قلبي!!!
تركني وذهب، من لي بعد اليوم، من؟!
وتهاوت على كرسيها بوهن تحاول أن تلملم شعثها، أجزاءها المبعثرة، روحها المنفلتة من جسدها، الهائمة بلا هُدى...
وسمعت طرقاً خافتاً على الباب فرفعت رأسها بضعف...
وتراءى لها أن الباب يُفتح وأنهُ واقفٌ الآن أمامها يطالعها بثبات...
تلمست جبينها بأناملها المرتجفة بإعياء...
أنها تحلم، تتخيل، باتت تسمع وترى أشياء غير موجودة أصلاً في الآونة الأخيرة!!
لا بد أني جننتُ، ها أنا أهذي به من جديد...
"عمر" سافر ، منذُ الغروب، لا بل منذُ زمن..
سلب روحي و رحل...
لم يعد يُريدني، أنا لا أنفع!!
و طفرت الدموع من عينيها بحرارة وهي تطالع الخيال الواقف بصمت..
رفقاً بي رفقاً، أنا لا أحتمل...
يكفيني سأصاب بالجنون..
وكادت تصرخ، لكن صوتها اختنق، احتبس، ضاع في جوفها، تسرب كما تسربت الأيام الخمسة من بين يديها في غفلةٍ منها...
أجبني أأنت أنت أم أنك وهم، سراب؟!
ألازلت هنا؟!
ما بالك صامت، تنظر إليّ هكذا، لا بدّ أن بي شيئاً، لا بد أني فقدتُ رشدي؟!
لا تسألني من أنا؟!
أنا لا أعرفُ نفسي، بتُّ لا أعرفها إطلاقاً...
لستُ غدير، لستُ هي، ولكن بالله عليك قبل هذا أخبرني، أجبني:
ألازلت هنا؟!
وانفجرت في البكاء بهستيرية وقد بلغ منها السيلُ الزبى...
بلغ أقصاه، وهي لم تعد تحتمل، إنها أوهن من أن تحتمل المزيد...
وبدا لها أن الخيال يتململ في وقفته بتوتر...
- غدير!! ناداها بصوتٍ هامس.
النبضات تضعف والحواس تتلاشى، تتبدد، و الجسد الواهن لا يتوقف عن الارتجاف..
رفعت بصرها إليه وهي تنظر له كالحلم، دون تصديق!!
و نطقت أخيراً بصوت مبحوح، خافِت، عُيل من كثرة البكاء:
- أما زلت هنا، لمَ لم ترحل؟!
- ..................
ورفعت أصبعاً باتجاه الباب سرعان ما تقهقر وانثنى وهي تردف:
- اذهب، إنهم يستعجلونك، ربما تنتظرك بنفسها في المطار!!!
- .........................
- لمَ تنظر إليّ هكذا، أنا لا أبكي لأجلك، بل أبكي أمي، أمي مريضة، ستذهب هي الأخرى، ستموت، أنا أعرفها جسدها لا يتحمل المرض!!
وتهدج صوتها وهي تقبض على صدغها بإختناق:
- ليس لي أحد، من أحبهم لا بد أن يذهبوا، يتركوني ويذهبون...
وضاع الصوت من جديد وصدرها يعلو و يهبط بإضطراب..
ورفعت رأسها بسرعة وكأنها استوعبت شيئاً ما للتو، صاحت فيه بحدة:
- إلا أنت، أنا أكرهك، أكره أن أراك حتى..
- وأنا أعشقك أيتها العنيدة، أعشقك حتى الموت.
- اخرس، لا تقل لي هذا الكلام..
- وأنتِ أيضاً وبنفس القدر ، أليس كذلك يا غدير ؟!
وضعت يديها على أذنيها وهي تصيح بقوة:
- ارحل من هنا..
- كيف أرحل دون أن أودعك!!
وتقدم منها فصرخت بجنون وهي تتراجع عن كرسيها:
- لا تقترب مني أبداً، أنت تفقدني أعصابي..
- لن أقترب ولكن مدي يدكِ إلي ، صافحيني ربما تكون المرة الأخيرة!!!
و ضمت يديها خلفها وهي تستمر في التراجع دون شعور، بلا حواس!!!
الأخيرة؟!
أقال الأخيرة؟!
أسمعتموه؟!!
لن يعود إلى هنا!!!
سيبقى هناك!!
رحماك يا رب، رحماك...
جثت على الأرض قبل أن تهوي وهي تمسك بحافة السرير، قدماها أوهن من أن تحملاها، أوهن من أن تحمل ذلك القلب المعذب...
اقترب منها و وضع يده على كتفها بقلق :
- هل أنتِ بخير؟!
أجابت بصوتٍ ضعيف، غائب عن الوجود:
- لن أسامحك ما حييت..
وضمها إليه بقوة حتى تلاشت أنفاسها وهو يهمس في أذنها:
- سأشتاقُ لكِ كثيراً...
و حاول أن يبعدها، لكن أصابعها كانت متشبثة بقميصه...
وأراد إزاحة تلك الأنامل القابضة عليه، فانتبهت وصاحت بإرتياع:
- كلا، لا تتركني، لا تسافر أرجوك..
- لا بد لي من ذلك!!
ردت بإندفاع وهي تنتحب:
- سأفعل أي شيء تريده، أي شيء..
- أي شيء؟!
ونظرت إليه بعينيها اللتان بدتا كمحيط لا متناهي من الدموع..
ارتمت على صدره من جديد وهي تصيح بيأس:
- أجل أي..شيء..
وانخرطت في بكاءٍ مرير...
ربت على ظهرها برفق وهو يفكر بشرود..
- اسمعي، لا أستطيع التراجع الآن، سأسافر وأنهي أموري ثم أعود...
رفعت رأسها بسرعة:
- ماذا؟!
- هدئي من روعك لا بد أن أمهّد لهم، لا بد من التبرير فأنا أعرف الرجل جيداً، كلانا نعملُ معاً!!
- أنا لا يهمني ذلك، اتصل واعتذر له. وأخذت تصيح.
- إنهُ ينتظرني الآن في المطار.
- أنت تكذب علي..
- أنا لا أكذب أقسمُ بالله، ولكن لا بُد من إنهاء بعض الأمور!!
- ..........................
- لقد أقسمت!!!
- ..........................
- سآتي بسرعة حين تسنح لي الفرصة، صدقيني..
مسحت عينيها وهي تخاطبه:
- عدني أنك ستعود لوحدك!!
- أعدك..
- وأنك لن تتزوج أبداً..
- أعدك..
وابتسم في وجهها فأطرقت وجهها بإضطراب..
ثم أمسكها من ذراعها وهو يُنهضها من على الأرض:
- هيا، لم يتبق شيء على موعد الرحلة، أين حقيبتك؟! لقد تأخرت!!
واتجهت لخزانتها لتحمل معها بعض الأشياء لمنزل خالها ريثما يعود...
في أي هاويةٍ أسير!!
لا يهم، لا شيء يهم من بعده...
المهم أنهُ سيعود، قال لي سيعود، لن يتزوج، لن يتزوج أتسمعون!!
ماذا أريدُ أكثر من هذا !!!
ولكن !!!
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
أتفرح بقتل عقد الرفض
عقدة عقده ؟!
ها هو قلبي يشتعل بنار مازلتُ في وسط حرارتها
و بكل لحظة أصطلي بها
و لكن مازلت أحتمل حرارتها ..
بدأت أعترف لروحي
بأنني لا أحتمل فراقك
لا أطيق الصبر ببعدك
و لكن شيء ما
يهمس لي بأنك
لست شيئا مهماً ..
أنت
لا شيء
لا شيء ..
و مازلت أعترف لقلبي
بأنك كل شيء ..
أستمتع
بتلك النيران التي
أرى طيف لهيبها بمقلتيك ..
يمتعني صراخك المكتوم
يفرحني غضبك الصامت
و حتى صراخك
المكشوف بـ
لا أحبك
طلقني ..
أ أنتِ ند لحرفك هذا ؟؟
أ أنت كفؤ له ؟؟
لا أعتقد
مجرد كلمات تسترين بها
ضعفك الذي عبث به
جنونك بي
و ما زلت أستمتع
بأنين قلبك
و صمت دموعك
و حزن روحك ..
و ما زلت أنتظر
أحبك
يا جنون
قلبي
و لهفة مناي ..
~
أنت تقرأ
أشعلت لقلبك شمعة
Romanceأحبيت أن اضع بين أيدكم رواية قد قرأتها فأعجبتني هي باللغة العربية الفصحى ومن أروع الروايات حتمـًا ستستمتعون بها.. قصة .. تتحدث عن ثلاث فتيات .. الأولى تعاني من ظلم زوج أمها .. تشاء الظروف أن تتزوج من ابن خالها تحاول الحفاظ ع مشاعره وعدم جرحه فتل...