19

1.7K 45 0
                                    


كم أنتَ محتاجٌ إلى رجوعي
لكي تذوق نعمة الهجوعِ

فمذ رحلتُ عنك أنت لم تنم
كالساهرِ المعتلِّ والموجوعِ

وأنتَ معك كل ما تحتاجهُ
وما لديّ ما يسدُّ جوعي


============







رفعت بصرها نحو السقف وهي تتابع حركة المروحة الرتيبة.....


لقد مرّ أسبوعٌ كامل منذُ أن سافر و اتصل خلالها 4 مرات...


في المرةِ الأولى لم تكن موجودة أما في المرات الثلاث فلم تدرِ ما كانت تقول له!!


كانت تبقى صامتة معظم الوقت وهي تستمع له وكأن قد أُسقط في يدها!!


وحين يهم بوداعها وإغلاق السماعة تكاد تصرخ: انتظر!!


لكن لسانها يخونها من جديد وترد بصوتٍ خافت: مع السلامة...


وتعنف نفسها بعد ذلك طوال الوقت وهي تشعر بالندم..



أنها لم تعتد بعد، لازالت خائفة، خائفة من القادم...


وتنهدت بعمق وهي تنظر ليديها المتشابكتين في حيره...




"سأخبره، لا بد أن أخبره قبل كل شيء...



ولكن ماذا أقول له!!


ربما لن يصدقني..


لن يصدقني؟!!


"عمر" سيصدقني، أليس كذلك؟!


أنا لم أفعل شيئاً، لا شيء...


سأخبره على الهاتف عندما يتصل، لا أستطيع مواجهته، لا أستطيع...


أجل سأخبره و ليحدث ما يحدث!!


عمر لن يتركني، لن يتخلى عني، عمر يحبني، هو قال لي ذلك"..


و شدت الدثار حولها بإحكام لعلها تُبعد تلك الهواجس التي تنتابها وتؤرق مرقدها كل حين...



يا رب لطفك، لطفك فقط...



=========



- كلا، كلا، لا تقلق، الأمور تسير على ما يُرام!!


وأخذ يضحك بأريحية وهو ينقل سماعة هاتفه الجوال لأذنه اليُسرى:



- سأعود قريباً، بعد شهرين ربما، أجل..


و انخفضت حدة الصوت في موجة أشبه بالهمس الخافت!!


كانت تحتسي عصير البرتقال المفضل لديها وهي تُصيغ السمع لحديثه بفضول...


أغلق هاتفه وهو يجر كرسياً و يخطف شطيرة موضوعة على الطبق....


- عذراً إن أزعجتك، صباح الخير!!


- صباح النور. تمتمت.


- كيف حالك وحال ناصر؟! سألها بصوتٍ عادي.


- نحنُ بخير، الحمد لله...


وصمت كلاهما صمتاً ظاهرياً ثم نطقت بعد دقائق:


- سترجع إلى السويد؟


- أجل.


- ومتى ستعود؟!


- بعد أن أتخرج، لم يتبق إلا عام واحد كما تعرفين. وابتسم بهدوء.


- اها. ردت بشرود.


وأردفت:

- بالتوفيق إن شاء الله.



ووضعت كوبها على الطاولة وقبل أن تهم بالإنصراف التفتت نحوه:


- "وليد" أيمكن أن.....


- ماذا؟! تفضلي. سأل باهتمام.


تطلعت إليه بصمت لمدة ليست بقصيرة ثم هزت رأسها ببطء وهي ترد:



- آه، لاشيء، لاشيء، شكراً على كل حال.



و توارت عن الأنظار...


وبقي هو على مقعده يلتهم شطيرته بنهم، سحب كأسها وسكب له عصيراً!!!


تمتم بصوتٍ منخفض:



- مسكينة أنتِ يا "شيماء"!!



وارتشفه و ابتسامة ثقة كبيرة تعلو شفتيه...



ثم أخرج سجارته ونفث دخانها بإرتياح....



=========



- ألا تفهمين العربية حين أكلمك؟!


- ..............................


- هيا انهضي.. صرخ بغضب.


- لن أنهض، ولن أتحرك شبراً من هذا المكان، أتسمع!!!



ووضعت يدها أسفل ذقنها من جديد وهي تنظر له بتحدي..


صاح بنفاذ صبر:


- هذه المرأة سيدة أعمال!!


- سيدة أعمال أم رئيسة التنظيفات!! أنا لا يهمني، ما يهمني أنها امرأة وأنا لا أستطيع ترككما لوحدكما، ضميري لا يسمح لي بذلك!!!


- كفي عن هذه الترهات واغربي عن وجهي في الحال و إلا..


- وإلا ماذا؟!


- سأنادي حارس الأمن الواقف في الخارج مع الكلب!!



وما أن ذكر لفظة "الكلب" حتى أصابها الفزع فاعتدلت في جلستها مذعورة وهي تحاول أن تتمالك نفسها...


خاطبته بتباكٍ:


- أنا أعرف، لم تقتنيه إلا لتُخيفني، لكنني لا أخاف، نحنُ نربي في بيتنا القطط و الكلاب وحتى الأفاعي!!!


- .........................


- ثم ماذا سيُضيرك لو بقيت هنا ها؟!! أريد أن أتعلم، أنا لم أرى في حياتي سيدة أعمال من قبل..


- يكفي ثرثرة..


ودقّ سطح مكتبها بتهديد...


- سأنصرف الآن ليس خوفاً من تهديدك، ولكن لأن، لأن، أجل لأن أسعد لحظات حياتي تلك التي لا أراك فيها!!


أجابها بقسوة لاذعة:

- ويستحسن لو تغادري المكان برّمته و تعودي لمنزلك فلستُ محتاجاً لخدماتك النفيسة هذا اليوم!!



وخرجت وهي تجمع أغراضها بغضب...


"يطردني من أجلها وأنا توسلتهُ البارحة كي أعود للبيت بحجة مرض والدي ولم يسمح لي"...

وجلست على مكتبها القديم والغيظ يفتتها...



وسمعت وقع خطواتٍ ثابتة لكعبٍ عالٍ فالتفتت إلى الباب و بقيت تحملق فيه!!



كانت امرأة في عقدها الثالث تسبقها رائحة العود النفاذة، كستنائية الشعر، خمرية البشرة وإن لم يخفي لونها ذلك المكياج الصارخ الموضوع بإتقان...


اقتربت منها المرأة برشاقة وهي تُبعد خصلات شعرها الطويلة إلى الوراء...


خاطبتها بتكبر:


- أين مديرك؟!


"لم تلقي عليّ السلام حتى!!"..


- في الداخل.. ردت مبهورة الأنفاس.


و ولجت إلى حيثُ أشارت لها..


وما هي إلا ثانية حتى ضربت "ندى" على صدرها وهي تخاطب نفسها:


- هذا المحروم إن رآها فلن ينظر في وجهي بعد اليوم!!!


"لا بد أن أفعل شيئاً، لا بد من الهجوم على العدو!!"


ولم تستطع الجلوس على الكرسي، أخذت تدور حول المكان لمدة ربع ساعة دون أن تهتدي لشيء وتوقفت فجأة..


هرولت إلى المطبخ الداخلي وأعدت كوبا "نسكافيه" بدون سكر!!


طرقت الباب بخفة قبل أن تسمع الإذن بالدخول وعلى فمها ابتسامة حقودة...


أخذ المدير يطالعها مصدوماً من وجودها حتى الآن وبدا على وجهه التوجس!!


- أحضرتُ لكما "نسكافيه" ليبلل حلقكما الذي لاشك جف من كثرة الكلام!!


و وضعت "الصينية" على الطاولة و استدارت نحو المرأة...



نظرت إليها و هي تصيح بإعجاب:


- واو شعرك رائع، صبغتهُ رائعة، في أي صالونٍ صبغته؟!



وأخذت تمسح عليه والمرأة تطالعها بخوف..



- ما بالكِ لا تُجيبين يا جدتي، أنتِ في عمر جدتي صح؟! أراهن أن عمرك في الستين لكنها عمليات التجميل !!



ثم مطت شفتيها بعبوس وهي تخاطبها:


- ثم كيف تخرجين أمام الملأ بدون حجاب، هذا عيب، حرام، ألا تعلمين أن كل شعرة شيطانة يا شيطانة!!


وشدت شعرها بقوة فصرخت المرأة من الألم..


- آسفة، آسفة لم أقصد. وتراجعت وهي تضع يدها على فمها ببراءة.


- اخرجي من هنا. صرخ المدير بغضب.



ثم التفت للسيدة وهو يعتذر:


- أعتذر منكِ سيدتي، لكن هذه الفتاة ليست طبيعية تماماً!!


- وما دامت كذلك لم لاتزال تعمل لديك، شيء غير معقول إطلاقاً!!


قالت ذلك وهي تُعيد ترتيب شعرها بضيق.


- أعتذر لكِ سيدتي من جديد..


وسكتت المرأة على مضض، ثم التفت إلى "ندى" وهو ينظر لها بشزر..



زمت فمها بغضب مماثل وهي تحدجه بحقد، وخرجت وهي تصفق الباب..


"أنا غير طبيعية!! و يقول هذا أمام تلك المتعجرفة!!


وعادت لتجلس على مكتبها وهي تضربه بقبضتيها...



ومرت ساعة كاملة وهي على هذه الحالة وأخيراً انفتح باب المكتب الرئيسي وقبل أن يلوح أحدهما اختبأت أسفل طاولتها..


- سعدتُ بلقائك سيدتي.


- هذا من دواعي سروري، سنكون على اتصال دائم مع شركتكم.


- وأنا من جهتي سأباشر بالعقد منذُ اليوم..


- إلى اللقاء إذن..


- إلى اللقاء.



"ألن ينتهيا من أحاديثهما السخيفة؟!! ماذا جرى له اليوم مدير الغفلة!!"



وسمعت صوت كعبها يتهادى على الأرض مبتعدة فهبت من مكانها واقفة..


- لحظة. هتفت "ندى"..


أجفلت المرأة وجمدت في مكانها.


- سيدتي، سيدتي، أعتذرُ عما بدر مني. قالتها وهي تنكس رأسها بإنكسار.


- .................


- أرجوكِ سامحيني. وسحبت يدها لتقبلها.


- يكفي، سامحتك.


- فعلاً!!


- أجل.


- أيمكنني أن أسألكِ سؤالاً بحق الصداقة التي جمعتنا اليوم؟!!


تنهدت المرأة بإستسلام:

- تفضلي..


- الظلال الذي في عينيكِ جميلٌ جداً، أتعلميني طريقته؟!!



و ابتسمت المرأة بخيلاء وهي تُجيب:


- هذا ظلال "السموكي"، ولستُ من وضعته بل أخصائية تجميل خاصة بي..


- حقاً؟! أهذا ما يسمونه "سموكي"، لا أصدق، يا لحسن حظي، أريني..



ووضعت أصابعها على الفور على جفني المرأة بعشوائية وهي تمسحهما والمرأة تصرخ...


وانفتح الباب فجأة على وجل و أطل المدير بقلق:


- ماذا يجري؟!


- غبار دخل في أذني أقصد عيني سيدة الأعمال!!! لقد تأخرت عن البيت، مع السلامة وخذها للطبيب...


وجرت بإرتياع للباب الخارجي وما أن لامسها الهواء حتى انفجرت ضاحكة وهي تحمد الله أن غداً الخميس..



- سينسى، بعد يومان سينسى!!


==========




أأخبرها هذا المساء، أم أُبقي الأمر مفاجأة!!


كلا، لن أخبرها، أريدُ أن أرى الفرحة الممزوجة بالدهشة جلية في عينيها السوداوين عندما تراني...


معشوقتي الصغيرة تخالني سافرت لأتزوج!!


أتزوج!!


تكفيني هي بجنونها وعنادها لأعزف عن نساء العالم برّمته وأنتظرها هي!!


كثيراً ما وددتُ خنقها بيدي هاتين لكنني أُحجم!! وكيف لي أن أخنق قلبي؟!


كيف سأعيش حينها؟!!


أعلم بأني آذيتك كثيراً يا صغيرتي، صدقيني رغماً عني، ولكن أقسم بأن أعوضك عمّا فات و سأنسى الماضي وكل شيء من أجلك وحدك، و من أجل أن أراكِ سعيدةً تضحكين...


كيف تغلل حبها هكذا إلى روحي، ومنذُ متى؟!


لا أدري، حقيقةً لا أدري...


ربما منذُ أن رأيتها أول مرة و قد أُغمي عليها، أو حين سكنت معنا في البيت فسكن معها قلبي، أو ربما حين تزوجتها وأفقدتني عقلي أو ربما كان حبي لها منذُ الأزل!!



أجل، منذُ الأزل...





إني لأجزم بأني أحبها حباً قديماً، حباً مُعتقاً، حباً يذكرني دوماً بلحظات الصبا، حين أرتع في الطُرقات في مواسم المطر لأتنسم عبق التراب، عبق الندى، عبق تلك اللحظات العجيبة...


أيُّ رجلٍ عاشق صيرتني يا "غدير"!!


وتخالينني بعدها سأتزوج؟!!


إنه العمل، وكم كرهت العمل لحظتها طالما سيبعدني عنكِ...


وابتسم وهو يعقد ذراعيه خلف رأسه....


لا أعلم كيف صدقتني حينها، ربما كانت الغيرة من أطاشت صوابها...


ولكن لم يبق الشيء الكثير...


لم يتبق إلا الغد، الغدُ فقط من يفصل بيننا!!



سأتصلُ لها هذا المساء ولكن لن أخبرها، أعدكم بذلك...



أريدُ أن أسمع صوتها، كم اشتقتُ لها كثيراً، كثيراً...



==========



- ماذا تصنعين؟!


- بسبوسة أعددتها بنفسي!! أجابت بفخر.


- بسبوسة!!


- أجل.


- تبدو لذيذة.


- انتظري، لا تلمسي شيئاً!


- لماذا؟!


- لازالت ساخنة..


- أريدُ أن أتذوق فقط.


- ابتعدي إذن، أنا سأقطعُ لكِ.


وأمسكت "ندى" السكين وهي تنظر لبسبوستها بإعتزاز وقطعت قطعة..


- هذه صغيرة جداً!!


- أخافُ عليكِ من السمنة!


وقضمت "غدير" القطعة بتؤدة وهي تستطعمها وما هي إلا دقيقة حتى ألقتها وهي تضع يدها على فمها بغثيان..


- طعمها كالبيض الفاسد!!


- ماذا؟!


و أخذت "ندى" قطعة وقربتها من أنفها ثم صاحت بإستنكار:


- رائحتها عادية أنتِ تتوهمين، تأكدي...




وما أن قربتها من "غدير" من جديد حتى انتابت تلك الأخيرة نوبة غثيان حادة، جرت من فورها إلى المغسلة..


اتجهت لها "ندى" بفزع وهي تضع يدها على كتفها وتهزها بخوف:


- ماذا بك؟! لم أضع شيئاً غريباً في الأكل، أقسمُ لكِ..


صاحت بتقطع وهي تمسك معدتها بقوة:


- آه، ابعدي يدكِ، رائحتها.......


و عاودتها النوبة أعنف من ذي قبل و "ندى" تنظر إليها بعينين مذعورتين وهي تتراجع إلى الوراء...


وأخذت "غدير" تتنفس بعمق وهي ترشح وجهها بالماء، وتمالكت نفسها بعد مرور دقائق ثقيلة والتفتت لتلك الأخيرة معتذرة:


- يبدو أنني متعبة قليلاً، سأذهب لأرتاح، آسفة..


وأرادت "ندى" أن تساعدها على السير لكنها أمسكت خشية أن تتقيأ من جديد..


وبقيت تتابعها بقلق حتى غاب خيالها في الغرفة...


رمشت عينيها مراراً وتكراراً وهي تتذكر ما وضعته في الخلطة من محتويات..


" طحين، سكر، زبدة، حليب، بيض"


بيض!!!


كان طازجاً، صدقوني، أنا كسرته بنفسي و الخادمة فعلت كل شيء!!"


وعادت إلى المطبخ و تناولت قطعة وهي تتمتم بتعجب:


- ليس بها شيء، إنها طيبة المذاق!!


وتوقفت في الصالة وهي تنظر للغرفة المغلقة بتفكير...


و فجأة شهقت بصوتٍ مرتفع وكأن الإلهام هبط عليها:


- غدير حامل؟!!


وما أن فاقت من صدمة الاكتشاف حتى صاحت بفرح:


- سأصبح عمة، سأصبح عمة أخيراً..


وأخذت ترقص جدلةً حول المكان دون أن تنتبه لتلك الواقفة من بعيد...


تلك التي كانت تتمزق، تتفتت كورقة خريفية أفلتت من غصنها اليابس...


هزت "شيماء" رأسها ببطء و هي تعتصر الألم من قلبها عصراً..


"حامل!! غدير حامل!!"


وأصابتها هذه الجملة بشظية أدمتها، جعلتها تنزف، تتقرح من الداخل، الجرج يُنكأ ببطء و قوة والألم يشتد، يعصف بكيانها، ويهزها حتى الأعماق!!


ها هي العبارة ترنُّ في أذنيها من جديد بوقعٍ غريب، وتخترق الصدر مباشرة، إلى هناك، بين الضلوع!!


وهرعت للسلم بجنون وقلبها يترنح بين ضلوعها، الوجود أسود، مظلم لا أمل فيه...


أوصدت الباب خلفها و التفتت لذاك الجالس بهدوء و بيده كتاب..


أخذت تهدأ نفسها الثائرة دون جدوى ثم نطقت بهيجان:



- زوجة أخيك حامل.


رفع رأسه لوجهها الغاضب بتساؤل:


- من؟!


- ومن غيرها؟! غدير.. صاحت بحسرة.


- آه، مبروك. و صمت بحيرة.


- أهذا ما لديك فقط؟! مبروك!!


- ماذا تريدين مني أن أقول!!


- أنا لا أريدك أن تقول شيئاً، أريدك أن تتحرك كباقي خلق الله!! صرخت بإنفعال.



نهض على قدميه وهو يُلقي بالكتاب على الأرض بنفاذ صبر:


- فعلتُ لكِ كل شيء، لم نترك طبيباً إلا وذهبنا إليه، ماذا تريدين أكثر!!


- فلنسافر، لنتعالج في الخارج..


- نتعالج!! أأصبتِ بالجنون، لم نكمل عام ولا حتى نصف عام على زواجنا ونسافر لنتعالج!!!


- غدير و عمر لم يمر على زواجهما سوى شهر واحد و ها هي ستُرزق بطفلٍ قبلي..


و أفلت الصمام من يدها، أجهشت بالبكاء بمرارة وغصاتها تتلاحق...



وبقي واقفاً بتردد وهو يتطلعُ لها...


- شيماء... ناداها بألم.


صاحت من بين دموعها:


- اخرج من هنا، أنت لا فائدة منك، لن تحس بي أبداً، أبداً..


وخرج من الغرفة والحزن يعصف به...


أيّ حالةٍ وصلت إليها زوجته!!


أكلُ هذا من أجل طفل!!


أنا لا يهمني الأطفال، أنا يهمني أنتِ، أنتِ فقط لكنكِ لا تفهمين...



"زوجة أخي حامل!!"


ليوفقهما الله، ماذا تريدين مني أن أفعل!!


أن أشتمهما، أن أحقد عليهما لأنهما سينجبان ونحنُ لا؟!!


ماذا تريدين مني بالله عليكِ أخبريني!!


تريدين أن نسافر؟!


ومن أين لي المال لأسافر وحتى لو وجدت، فسأطرد من عملي طرداً نهائياً من كثرة الإجازات التي آخذها من أجل البقاء معك، كي لا تبقي وحيدة، كي لا تفكرين!!!



أأنا لا أحسُّ بك؟!


أرجوكِ أرحميني لقد تعبت، كفي عن التحدث عن الأطفال، بتُّ أكره سيرتهم!!



وتطلع إلى السماء بحزن وهو يتساءل:


لم الحياة هكذا كظلمة هذا الليل و لكن بلا نجوم!!


بلا نجوم؟!!


=======



خرجت من غرفتها مسرعة و هي تسمع صوت الهاتف يرن بتواصل و قد عاودها النشاط بعد أن غفت قليلاً وأراحت جسدها المتعب...



لا بد أنه هو، لقد حفظت مواعيد اتصالاته جيداً، في الساعة الثانية عشر تماماً!!


وخفق قلبها بشدة لذكراه، وقفت ليس ببعيدٍ عن "ندى" وهي تنصت بخجل لحوارهما...


- أهلاً أهلاً، كيف حالك الآن؟!


- كم مرة سألتني هذا السؤال؟!


- أريدُ أن أطمئن على صحتك ليس إلا!!


وزفر وهو يسألها بنفاذ صبر:


- أين غدير؟!


- من "غدير"؟!


- زوجتي..


- ومتى تزوجت!! سألتهُ بإستنكار.


- ندى، سأصفعك..


- كيف؟! ستخرج لي من سلك الهاتف!!



وضحكت بأريحية و "غدير" تشير لها بأن تعطيها سماعة الهاتف لكنها لم تبالي..


- سأعطيك إياها ولكن بشرط!!


تنهد بإستسلام:


- وما هو شرطك؟!


- تشتري لي هدية، هدية محترمة تناسب مقامي المرموق في العائلة والأوساط الإجتماعية المعروفة، تعرفني أنا...


- كفي عن الثرثرة وناديها وإلا قسماً عدتُ هذا المساء و ذبحتك..


- حسناً، حسناً، لا تغضب، أعوذُ بالله..


- إلى متى سأنتظر؟!


- ستأتي الآن لا تقلق، تعرفها بطيئة الحركة، ليست في مثل رشاقتي!!


و نظرت لها "غدير" بتوعد فمدت لها لسانها بلؤم ثم صاحت بسرعة وكأنها تذكرت شيئاً ما:


- ذكرتني، نسيت أن أخبرك!!


- ماذا؟!


- لن تصدق..


- ماذا؟! كرر بنفاذ صبر.


- مبروك، زوجتك حامل!!!!



.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.


و بالكلام أفقدُ السلامَ، أليس كذلك؟!!


الغد، ما أقرب الغد...


و ما أقسى ما يحمل!!! 

أشعلت لقلبك شمعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن