M.S.A الجزء الثانى عشر
وقفت أمام النافذة، أتأمل الأفق الممتد، في ليلة ممطرة. كان صوت المطر يتراقص مع أمواج البحر، ينسج لحنًا هادئًا يلامس أعماق الروح. المطر دائمًا كان يحمل في طياته سحرًا خاصًا، يوقظ في قلبي براءة الطفولة وذكريات الطفولة العذبة. مع كل قطرة تنزل، كنت أشعر بروح جديدة تنبض بداخلي، كأن المطر يغسل همومي ويجدد الأمل في نفسي.
هذا المساء، كان مختلفًا. كنت أشعر بسعادة غامرة، فقد وجدت أخيرًا الحياة التي حلمت بها. مع سيدي، وجدت الأمان والحب الذي طالما بحثت عنه. كنت أقف هناك، عارية أمام النافذة، أشعر بالحرية والانتماء. عندما امتدت يد سيدي لتحضنني من الخلف، شعرت وكأنني أصبحت جزءًا منه، وكأننا روح واحدة.
همس في أذني بصوت حنون:
• "إيه اللي مصحيكِ دلوقت؟"
قبلت يده برقة وقلت:
• "سمعت صوت المطر يا سيدي، وحبيت أتفرج عليه، وما حبيتش أقلق حضرتك."
ابتسم وقال:
• "فعلاً، المطر بيحسسنا بالأمل والراحة النفسية."
أجبته بصدق:
• "أنا حسّيت بالراحة النفسية والأمان من يوم ما شفت حضرتك يا سيدي."
قال بابتسامة دافئة:
• "أه، زي اللي كتبتيه في الورقة: 'حبك صمت يستعصي على الألفاظ التعبير عنه'."
احمر وجهي خجلاً وقلت:
• "دي حقيقة إحساسي لحضرتك يا سيدي."
قال بلطف:
• "أنا رديت على كلامك في الورقة. تحبي تعرفي أنا كتبت إيه؟"
قلت بشوق ولهفة:
• "يا ريت يا سيدي لو حضرتك تسمح."
أعطاني الورقة وقال:
• "طيب، خدي الورقة واقرئي اللي فيها."
مد لي الورقة بأصابعه الرقيقة، فأخذتها ونظرت إلى ما كتبه. قرأت: "أما بعد، فلن أحب أحداً بعدك، وأما قبل، فلم أعرف الحب إلا بك."
التفت بسرعة واحتضنته بقوة، شعرت وكأنني وجدت ملاذي، ملجأي الآمن. كانت ضربات قلبي تتسارع من الفرحة، ودموعي تنهمر كأنها تعبر عن سعادتي الغامرة. نظرت إليه بعيون ملؤها الحب، فوضع شفتيه فوق شفاهي، وقبلني قبلة كأنها من عالم آخر. شعرت وكأن الوقت توقف، وكأنني في حلم جميل لا أريد أن أستيقظ منه.
ثم حملني بين ذراعيه إلى السرير، لأذوب في أحضانه كما يذوب العاشقون في لحظات الحب الخالدة.
************************
€ ما أشعر به من الألم هو درب من الجنون، لكن ما يفوق الألم الجسدي هو الألم النفسي. فالألم النفسي هو ذلك الألم الصامت الذي يغرس في جسم الإنسان، يشعرك بالتدني أمام نفسك، ويفقدك كل الآمال. الأمل الذي شعرت به في يوم من الأيام قد أصبح سرابًا. شعرت به وهو يقترب مني وبدأ يضع بعض الماء على الجرح.
