الفصل الثالث: عملية خاصة:

3.4K 105 0
                                    


اتجهت هدى للمكان الذي وصفه أخاها مرتدية ثياب المنزل وحجابها غير المرتب؛ فهي قد خرجت من منزلها دون أن تدري ما هي وجهتها وركضت كالمجنونة في الشارع دون أخذ إذن أهلها بالخروج من المنزل حتى. وقتها اتصلت بأخيها الذي بدا أنه في مأزق وعلى وشك اقتحام مكان ما. قال لها: لا تأتي! ستتعرضين للخطر وستزيدين الطين بلة!
صرخت: اصمت يا سامر أيها الأهوج وإلا سأخبر والديّ!
ابتسم سامر ابتسامة حزينة: لا يجب أن يجتمع الإخوة الثلاثة في مكان كهذا. على الأقل يجب أن يتبقى فرد واحد في أسرتنا على قيد الحياة  أمي وأبي المسكينان. أنا السبب... أنا من فعلتُ هذا بنا... ولكن ليس ذنبي. اختطفوها واختطفوا غيرها للانتقام مني ومن باقي الضباط الذين قبضوا على زعيمهم.
سألت هدى: من؟
فأجاب: أفراد العصابة. إنهم غاضبون؛ لأن زعيمهم هو من علم مكان البضاعة والمسروقات وقد انتحر وقت القبض عليه. من يعلمون المخبأ هم الذراع اليمنى واليسرى للزعيم والزعيم، انتحر الزعيم باستخدام خاتم به سم.
تنهدت هدى: هذي عادة قديمة منذ المصريين القدماء أن ينتحر من يتعرض للخطر.
أمره قائد العمليات بالانتباه فقال: آه حاضر سيدي...
ثم تحدث إلى أخته: أنا في مأزق لا أستطيع التحدث أكثر.
صاحت هدى: ما الذي يجري؟ أخبرني؟ أين تاليا الآن؟ على الأقل أرسل لي موقعك. أعلم أنك تستخدم باقة للإنترنت.
أرسل سامر موقعه لهدى؛ فركضت مسرعة فبعثت لسيارة أوبر لإيصالها لأقرب مكان لموقع أخيها. عثرت عليه فركضت إليه دون بكاء ودون إصدار ضجة. قالت: أخي عثرت عليك!
صرخ القائد: هل جننت يا سامر؟ أخبرت أختك عن مكاننا؟ لقد سمحت لك بالحديث معها لتهدئتها لا لتخبرها بمكانك.
اعتذر سامر: آسف سيدي. هددتني بإخبار أمي وأبي وهمي ضعيفان لن يحتملا هذا الأمر بل سيتسبب هذا لنا بفوضى كبيرة. سيذهبون لقسم الشرطة والكثير من المشاكل ستحدث.
قال القائد: نحن بالكاد نحمي أنفسنا هنا وإطلاق النار على وشك البدء. هل أنت مخبول؟ لا يمكننا حماية من بالداخل حتى نحمي من بالخارج. أنسيت الضرب الذي تعرضت له تاليا عندما اكتشفوا أنها من وشت بهم؟ هل تريد إضافة ضحية جديدة؟
اتسعت حدقتا هدى وتبدلت نبرتها للصدمة والحدة: ها؟؟ ماذا قلت؟؟ تعرضت للضرب؟؟
غضبت هدى واتجهت تجاه صوب المبنى الذي هو عبارة عن منزل شاغر استولوا عليه مكون من طابقين اثنين. أمسك سامر ذراعها وشدها للوراء فقاومته ووقف أحمد أمامها وقال: أجننتِ يا هدى؟ مخطوبتي حبيبتي بالداخل ولم أتهور مثلكِ! ماذا يمكنكِ أن تفعلي وحدكِ؟
نظرت إليه هدى بحدة وقالت: أكثر مما ستفعله أنت على الأقل يا أحمد! هي أختي!! إنها مجرد فتاة خُطبَتْ لك؛ لذا فهي ليست ذات قيمة بالنسبة لك كما هي بالنسبة لي!!
صعقته كلماتها: ماذا تقولين يا هدى؟! إنها حبيبتي الأولى والأخيرة!!
قالت هدى: ولو!
قال سامر بحزن: وماذا عني أنا؟ أوليست أختي؟
لاحظت هدى أنها أخطأت ولم تنتبه لكلامها فنظرت للخلف لتواجه أخاها: أخي. أنت معتاد على الهدوء لأنك ضابط أما أنا فمدنية.
تدخل القائد: هوهوه ما شاء الله! يا له من مشهد رومانسي في وقت غير مناسب! مشهد الأخت والأخ ليس ضرورياً الآن وهذا ليس مكانه!!
صاح القائد بمجند ما: هيه! فلتلبسها سترة واقية. لدينا إضافية أليس كذلك؟
تلعثم المجند: بـ بـ بلى يا سيدي ولكن...
صاح به القائد: ولكن ماذا أيها المجند؟
تلعثم ثانية: ليس لدينا سترات إضافية. إن التي لدينا للعسكري الفرد الذي أرسلناه لاستطلاع الأمر وأغرقته العصابة بوابل من الرصاص إلى أن أصابوا مكاناً ليس محمياً وأردوه قتيلاً.
تنفس الصعداء وصرخ ثانية: وماذا في ذلك يا مجند؟
صرح المجند المرتعش: إنها ملوثة بالدم، وهي فتاة وقد تخاف.
صرخ القائد: لا يهم! المهم أن نحميها أيها المغفل!! أحضر السترة في الحال. هذي الفتاة تبدو صلبة كما ترى. لا أدري ما قصة أفراد هذي العائلة! كلهم شجعان لا يخافون ما عدا الأب والأم.
في أثناء حديث القائد مع المجند، سألت هدى أخاها عن العصابة فأخبرها: هي عصابة الاتجار بالبشر والمخدرات والتهريب وهم لصوص من مستوى عالٍ أيضاً. أفرادها أشداء جداً لا يستسلمون بسهولة تحت أي ضغط. برغم قبضنا على اليد اليمنى واليسرى، إلا أنهما لا يريدان الحديث مهما ضغطنا عليهما؛ لهذا باقي أفراد العصابة في حال من الفوضى الخلاقة ويحتاجون زعيمًا لقيادتهم. الرجل الرابع في العصابة أو الثالث بعد اليد اليسرى هو قائدهم الحالي وقد أتى بهذي الفكرة الخبيثة. اختطاف قريبات بعض الضباط الذين قبضوا على الزعيم وعلى "ذراعيه" للانتقام منا ولكي يجروا مفاوضات معنا بشأن التبادل. فأفراد العصابة بحاجة لمعرفة مخبأ الغنيمة. تاليا تمكنت من الاتصال بي من هاتف تحمله معها لوقت الطوارئ ونبهتني أنها وسعاد أخت رأفت زميلي في خطر. أخفت هاتف الطوارئ جيدًا في حمالة ثديها وأرسلت لي الرقم التسلسلي الخاص به، وأظهرت هاتفها الذكي الذي تستعمله متظاهرة أنها تتصل بي؛ فأمسكوا بها وبسعاد وأخذوا الهواتف من الرهائن. من الجيد عدم معرفتهم لحملها هاتف الطوارئ ذاك. دلتنا على مكانها والآن نحن نحاصر المكان وننتظر منهم أن يسلموا الرهائن بهدوء. ولكن يا للأسف علموا أنها من دلتنا وعذبوها... أرجوكِ ابقي هادئة لئلا يحدث لأي منا مكروه. لقد فقدنا فرداً منا ولا ندري كم فرداً سنفقد بعد! نحن الآن نستعد للهجوم؛ لأن المهلة التي أعطيناها للعصابة قد شارفت على الانتهاء وللأسف لا يمكننا تسليم الذراعين. لا ضمان لدينا أن العصابة ستعيد الفتيات.
سأل القائد: أهذا وقت الشرح لها؟
انفعلت هدى: يكفي صراخًا وصياحاً! يمكنك أن تسيطر عليهم وتصيح بهم لأنك قائدهم هم، أما أنا فمدنية أفعل ما أريد!! لا تصرخ بوجهي تحت أي ظرف كان!!! لماذا لا تسلمون الذراعين أو حتى الساقين لهم وتريحوننا؟ لعلمك، سأشارك في هذي العملية مهما حدث ولن أبقَ هنا تحت أي ظرف.
صرخ: أجننتِ كيف تجرؤين على الحديث معي بهذي الطريقة؟؟ كيف تقولين إنك...
قطع كلامه سماعه لكلمات تحذيرية من العصابة: "إلم تبتعدوا؛ فسوف نبدأ بإطلاق النار. سنعطيكم مهلة فوق المهلة التي أعطمونا إياها. مهلتكم تنتهي بعد عشر دقائق. أمامكم نصف ساعة لتسليم الذراع اليمنى واليسرى للزعيم وإلا... أنتم تعرفون الباقي. بدأ العد التنازلي!"
قال سامر: سحقاً لهم!! سيدي، أرى أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم والمباغتة. بالداخل خمس رهائن. تاليا وسعاد وأخريات. إن باغتناهم بإطلاق النار وبالقنابل المسيلة بالدموع والغاز ستتأذى الرهائن ولكن سنتمكن من تشتيت العصابة. لن نطلق النار بشكل همجي بل سنطلق على الجدران بشكل لا يشكل خطراً على هذا المبنى المهدد بالانهيار مما سيدفعهم للشعور بأن المبنى سينهار فوق رؤوسهم وسيفرون كالفئران.
أكد أحمد كلام سامر: أتفق مع سامر يا سيدي. أفكاره دائماً عبقرية.
قال القائد: أنا متخوف من هذي الفكرة ولكن لا حل آخر لدينا...
تدخلت هدى: سلم لهم الذراعين! خلصنا من هذي المسألة. لم تستطع معرفة شيء منهم على كل حال، لمَ لا تزرع بهما جهاز تتبع دون أن يعلموا؟ أعتقد أنهم بالخارج قد عثروا على أجهزة قد تُزرَع في الجسم. على كل حال لقد عذبتموهما أليس كذلك؟ لا داعي للتظاهر بأنه كذب وافتراء! إن زرعتوا شيئاً بجسمهما أو جسم أحدهما في أثناء تخديرهما فلن يشعرا أن شيئاً قد تغير بجسمهما، بل ربما تورم جسمهما لكثرة الضرب. أجهزة التتبع والتنصت دقيقة الحجم موجودة بالخارج، ألم يصل هذا الاختراع هنا بعد؟
اُحتُبسَتْ الكلمات بحلق القائد: فكرة جيدة ولكن... تحدثي بأدب ولمعلوماتك لا يمكن أن تحدث. لا بد أنكِ تشاهدين الكثير من الأفلام البوليسية.
ابتسمت هدى ساخرة: أجل. كونان وغيره. على كل حال، لن تشعر بما أشعر به! لو كانت ابنتك مختطفة معهن لما قلت ذلك!!
اتسعت حدقتا القائد ولم يقل شيئاً؛ فأمسك سامر يد هدى: هدى! لا تقولي ذلك. حدث أمر مشابه معه وقُتِلتْ ابنته في سبيل الحفاظ على مجرم خطير وتسليمه لحكم الإعدام. هذي العصابة خطيرة ولا يمكننا تلبية ما يريدون.
نظرت هدى إلى القائد بشفقة واعتذرت: آسفة ولكن... طريقتك هي السبب في انفعالي! لا تخرج غضبك في الآخرين حتى لو كانوا أقل منك رتبة!
حدثت مشادة كلامية بين القائد الأربعيني وبينها، ثم نظروا جميعاً للبيت وترقبوا إشارة البدء، وركزت هدى معهم وبينما هي تركز على البيت، لفت نظرها شيء آخر على جانبها الأيمن.

#الضابطة_هدى

#ساو

#إسراء_نوريكو

الضابطة هدى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن