*
.استفاقت من ذكرى ذلك اليومِ المرير على صوتِ هاتفها الذي يرّن، أخذت نظرةً سريعةً على اسم المتصل لتقومَ بعدها بتفعيل الوضع الصامت وإطفائه. لم يكن ذلك المتصل سوى والدتها، التي قد غيرت نغمتها الخاصة
من صوتِ دحاجة إلى صوتٍ أكثرَ حمقاً وهو نقيق الضفادع!
لعل ذلكَ كله انتقاماً بسيطاً لذاتها المظلومة!عند النظرِ إلى الوراء، فهي قد خاضت تجاربَ أقسى من أن يتّم طردها من عملٍ سخيف كذاك!
ليست تلكَ بالمشكلة الكبيرة على كل حال.ابتسمَ لها الحظ هذهِ المرة، فهنالكَ مسابقةٌ للفنون أقامتها الجامعةُ التي ترتادها، والغدُ هو آخر يومٍ لتسليم اللوحات.
جائزة المركز الأول نقديةٌ، وتكفيها لأشهر، وهذا قد راقها للغاية! إن استطاعت الفوز بلوحةٍ لها فسوف يكونُ ذلكَ يوم سعدها!
ليس لأنها ستسّد احتياجاتها المالية فحسب، وإنّما ذلكَ يُعّد إثباتاً لجدارتها واستحقاقها حمل لقب الفنان.
من يدري لعلها تكون بدايةَ مجدها في هذا المجال!إنها الواحدةُ بعد منتصف الليل، وقد أمضت ما يقاربُ الساعةَ وهي تحاولُ التفكير في لوحةٍ باهرة، وذات مغزى عميقٍ لتغدو اللوحةُ قطعةً من روحها، اللوحاتُ التي تملكها في الوقتِ الحالي متقنةُ الرسمِ، لكنها تفتقر إلى الإحساسِ والعواطف
وعليها سّدُ تلكَ الثغرةِ في أسلوبها، لكن ما ذنبها أنّها عاشت في بيئةٍ تقتلُ بقوةٍ الشغفَ في النفس.أغمضت عينيها تفكّرُ فيمَ يستهوي فؤادها، ويسعدها، في أمرٍ هو الأكثرُ روعةً على الإطلاق وأفضلُ ما حدثَ لها في حياتها البائسة، فما تبادرَ لذهنها سوى زرقاويه الصافيتين كسماءِ الصيف، والعميقةِ كعمقِ البحر
يحمل أسراراً وآلاماً لا تُحصى بداخله.
ذلك هو.فتحت حدقيتها باسمةَ الثغر، تشعرُ بخيطٍ رفيعٍ من الأمل يرسمُ لها نوراً ينتظرها في آخر الزقاق.
لقد قررت ما ستكونُ تُحتفها أخيراً، هو وعيناهُ ولا شيءَ سواهما.
أنت تقرأ
ليـلة الميـلاد
Fanfictionفي ليلةٍ ينعمُ الأطفالُ فيها بدفءِ العائلة، كان يفتقدُ سقفًا يحولُ بينهُ وبين ثلوج ديسمبر، وأبوينِ يغدقانه بالحب، فاحتوتْ ضعفهُ بلا مقابلٍ؛ يدفعها عطفها الذي تغمده، وكما أمسكتْ يديهِ وبثت فيه النور لتدبَّ في أوصاله الحياةُ بعد انطفائه، فقد كانت تلكَ...