*.
مسح جبينهُ المرصع بحبات العرق، وأخذ يفركُ كفيه وينفخ فيهما؛ في محاولةٍ منهُ لكسبِ بعضِ الدفء، إنها العاشرةُ مساءاً، والشوارعُ تكادُ تخلو من الناس، وكم غدت موحشةً من دونهم بالنسبة له، وضعَ آخرَ صندوقٍ فوقَ نظرائه من الصناديقِ، وصاحب المتجرِ المُسن يراقبهُ بعينٍ مشفقة، لم يجعلْ من ذاكَ الطِفل يعمل في محلهِ هذا، إلا لعلمهِ بحاجتهِ الشديدة للعمل! وبما أن أعيادَ الميلاد بعد أسبوعين، قرر الليلةَ أنْ يعطيَ الطفل ضِعْفَ أُجرتهِ؛ فعسى أن يخففَ ذلك من معاناته ولو بالقليل، أعطاهُ كيس النقودِ باسماً، ودونَ أن يُعْلمه بما فعل؛ اعتقدَ أنَّ تلكَ ستكون مفاجأةً حلوةً له.
إبتسمَ الصغيرُ ملوحاً : إلى اللقاءِ سيد البرت! لوَّح المسِّنُ له، ثمَّ زفرَ بضيقٍ حالما اختفى جسدهُ الهزيل عن مرأى عينيه، وعادَ ليُقفل محلهُ البسيطَ ثمًّ عائداً لمنزلهِ الذي يقبعُ فوقَه، رغِبَ بأن يوصلَ الصغير الأشقرَ لباب بيتهِ؛ يطمئنُ بذلكَ عليهِ، بيْدَ أنه ليس سوى عجوزٍ، قد وهنَ العظمُ منهُ، واشتعلَ رأسهُ شيباً! أغلقَ الباب وما هي ثوانٍ حتى سمعَ زوجته تتحدثُ باستياء :
لم يتبقَ لدينا طعامٌ؛ بما أنَّ النقودَ التي تشقى للحصول عليها تقبع الآن في كيس ذلك الولد!بتر حديثها الذي ملَّ من سماعهِ : الألمُ الذي يتجرعهُ أكبرُ بكثيرٍ من الم النومِ بمعدةٍ خاوية! كفي عن التذمر يا امرأة! إنَّهُ يعلمُ بكونِ الصغير يتعرضُ للضربِ على يد أحد أقرباءهِ الذي يعيشُ برفقته، أما عن السبب فهو لا زال مجهولاً بالنسبةِ إليه.
أنت تقرأ
ليـلة الميـلاد
Fanficفي ليلةٍ ينعمُ الأطفالُ فيها بدفءِ العائلة، كان يفتقدُ سقفًا يحولُ بينهُ وبين ثلوج ديسمبر، وأبوينِ يغدقانه بالحب، فاحتوتْ ضعفهُ بلا مقابلٍ؛ يدفعها عطفها الذي تغمده، وكما أمسكتْ يديهِ وبثت فيه النور لتدبَّ في أوصاله الحياةُ بعد انطفائه، فقد كانت تلكَ...