||ذِكرى||

518 81 196
                                    

الغوصُ في بؤرة الماضي أدمى قلبه وأرخى سدائل الصمتِ فوقَ روحه معلناً قنوطه الكامل من الخوضِ في أيّ حديثٍ كان بعد أن فقد الرغبة، واستحوذه سكونٌ عارمٌ بضجيج الأفكار .

حركةُ أقدامهما المتتابعة هي فقط ماكانت تُسمع في ظُلماتِ الأزقة ذات النِطاق الضيق..
كُلما تقدما خطوةً كانت فوانيس الشارع القليلة تبتعد و تَخفت مُهددةً بالانطفاء العاجِل.

أخيراً توقف كيونغ وراحَ يستحضرُ ذاكرته ليستطيعَ تمييزَ المنزل المقصود..وقد نجح بعد القليل من المجهود الفكري.

دلَفَ إلى البناء فتسمر الرسام واقفاً في الخارج مشدوهاً بطريقة التصميم ، واستمسكته رعشةٌ بسيطة حينَ لاحظ خلوه من الروح..وعتمته الشبيهة بظلماتِ القبور
ابتلعَ ماعلقَ في حلقه واستردّ شجاعته
ودلفَ خلفَ الآخر..
ثوانٍ أُخرى وأُضيئت الحُجرات بالشُموع وكأن الحياة رُدت لهم

_لقد عُدت

نطقَها كيونغ بثبات وهو يتأمل كُل زاوية من زوايا المكان دون أن يمنعَ سيل الذكريات من التدفق داخل عقله أما كاي الذي دلفَ بعده وهو منشغلٌ بنفضِ الغبار الذي علقَ على كتفه تفاجأ حالما رفع رأسه بِكمِّ اللوحات الثمينة التي عُلقت على الجُدران والهدوءَ الذي يبعثهُ تصميمُ المنزل البسيط

يوجد الكثير من الأدوات الخاصة بالرسم
ألونٌ متعددة..
وفراشٍ من جميعِ الأشكال مُرتبة على طاولةٍ تأخُذ حيزاً صغيراً من جنوبِ الغُرفة

لفتَ نظره مذياع أحمرُ اللون معلق فوقَ الطاولة مُباشرة وعليه عدة زهور أوركيد ذابلة مما جعلهُ يَستنتج أن المكان لم يُزر منذ مُدةٍ ليست بوجيزة، وقد ظلَ مشدوهاً بتأملهِ لفترة
إلا أن الفتى بفعلته استولى على حيزِ اهتمامه حينَ تقدمَ آخذاً الزهور ليضعها في كتابٍ عتيق انتشله من المكتبة المليئة بالمجلات والكتب جرداء اللون وكأنَ قارئها قد أعادَ قراءتها لآلاف المرات..
وجلسَ على الكُرسي واضعاً الكتاب أمامه على الطاولة ليكون بمقدوره التقليب في صفحاته

وقد لاحظ الرسام أن أوراقهُ مليئة بشتى أنواع الزُهور
حيث استطاعَ أن يلمح ويتعرف على نوعين منهما فقط بالإضافة لزهرات الأوركيد كان هناك زهور التوليب والفاوانيا

وجَميعُها تتخذُ من صفحاتِ الكِتاب مسكناً وكأنهُ وجِدَ ليحوي أزهاراً يتيمةً مُتيبسة..

تركَ عنهُ تأمُل صفحات الكِتاب وتقدم حذو المكتبة التي عُلقت إحدى لوحاته أعلاها

بدا له أنها تتخذُ طابِعاً غريباً عنهُ ..
معالمُ الحُزن والكآبة طغت على ألوانِها،وبدى بُهوتُها جلياً أكثرَ من ذي قبل..وكأنَ اللوحة تبكي صاحبتها، هذا مادارَ في ذهنهِ لثوانٍ قبل أن تتبلورَ فكرةٌ جديدة في رأسه

حاول الوصول إلى اللوحة وأنزلها بهدوءٍ شديد لدرجة أن كيونغ الجالس في صمت يتفحصُ الكتاب لم يلحظ تجاسُره ،
وضعها على طاولةٍ خشبية بندقية اللون وأخذَ شموعاً مِن الشمعدان المُعلق ثم وزعها حولَ اللوحة وشرعَ في استحضارِ قلبه حتى تجردَّ من كُلِّ مايحيطُ به

نِصَالٌ مِن تَرائِبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن