||قُـيُـود||

434 67 254
                                    


صبيحة هذا اليوم.. استوتِ الشمسُ في كبدِ السماء..وانحدرَ شُعاعُها الفاتِر عابراً الكوى ،فصبّت جامَّ نورها على الماثِل حذوَ البيانو يستحضرُ النوتات و يعزفُ بتألُق..وكأنُهُ يعتلي مسرحاً مُقدس..ومِن حوله يسبحُ الظلام طامِساً معالم الغُرفةِ بأكملها

عبثت دغدغاتٌ بسيطة في روحه حين لمحَ طيفَ صديقه يقفُ على مقربةٍ منه عندَ قارعةِ الباب وكأنه يسترقُ السمع مُحاولاً عدم صنعِ أيَّ جلبة

تريثت أنامِلهُ تدريجياً ثم توقفَ مُخرساً الألحان

_تُريد أن تُجرب؟

جفلَ الآخر وعيناه صامتا عن التَطُرق نحو الرسام.. شعرَ بأنهُ يسخرُ من حاله بسؤالهِ اللامنطقي.

=إن كنتَ تنتقمُ لأجل ماحدث البارحة.. فأنا إعتذرتُ بالفعل.

استدار الرسام ونظرَ له مستفهماً
_أيُّ انتقام؟ أتحدثُ بجدية، تعالَ لنُجرب معاً..سأُعلمُك

ترددَ كيونغ قبل أن يتخذ خطواته تجاهَ البقعة التي تحتوي البيانو وكاي.

_أُمعن النظر في المفاتيح..لكلِ مفتاحٍ سِرهُ الخاص~لكُلِ لمسةٍ نكهةٌ مميزة نُضيفُها لمعزوفتنا.. الأمرُ يشبهُ صنعَ المأكولات.. لكن؟ حين تطهو أنتَ لن تضعَ جُلَّ مالديكَ من مقومات ومُكونات داخلَ وجبتك، ستنتقي حسبما تُحضره..منها ماستُكثرُ منه،..ومنها ماقد لا تستعملهُ
هكذا بالضبط يبدو العزف هُنا

تناغم وتكامُل لعناصِرٍ شتى..يكونُ نتاجُها كقطعةٍ من الحلوى المزينة بشريحةٍ من الفراولة~

خُيّلَ للرسامِ أن الآخر يُعيرهُ كُل الإهتمام وهذا ما كانَ يرنو إليه بالضبط..
رآه يتخذُ مكاناً قريباً من البيانو ويُعاينه

=كيفَ علمتَ أنني أُحب الطهي؟

تدريجياً ظهرت ابتسامةٌ على ثغرِ كاي..مالبثَ أن تحولت لقهقهة
واقتربَ يَضعُ ذراعهُ على مُنكبي الآخر الصغيرين

=إنهُ سِر..تُريد اكتشافه؟

أولاه كيونغ نظراته وقد فرغَ وجهه من أيّ تعبير
_لا، الأسرارُ لا يوشى بها.

ابتسمَ الرسام بِحنو لملامحهِ الهادئة تحت الضوءِ الخافِت

=لا بأس بإفشائها للأصدقاء صحيح؟

ارتفعت زاوية شفتهِ بتَهَكُمٍ ذا معنى أوصلَ للمَعنِي مقدار عدم ثقته بكلامٍ كهذا

_أصدقاء؟ لا أعتقد أن لها وجودٌ في قاموسي ولا أفقهُ نهجَ كلمةٍ كهذه

أرادَ الرسامُ من صميمه أن يَرُد، أن يُلجمه بعباراته الفعلية اللامتناهية ويُشعره بكونه أهلٌ ليُصبحَ صديقاً ، أن يُخبره بأنَ هذا النقص الذي يعانيه يكمنُ في أعماقِ ذاته لا في جسده كما يعتقد!

نِصَالٌ مِن تَرائِبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن