الفصل الخامس/2:حبيبة أبي!

468 48 149
                                    

تالين:

وجه أخر للذاكرة يدخل مسرح خيالي بهدوء ويسرق الأضواء....

هذه المرة كان الوجه وجه أمي...

أمي التي لا أتذكر تفاصيل وجهها كإبنة صغيرة لها...

كان فارق السن بين أمي وأبي كبيرا نسبيا ...

فقد تزوجت أمي وهي في سن 19 أما أبي فقد كان في 40 من عمره....

كل من يعرف والدي يقول أنهما كانا يبدوان من أنجح الثنائيات وأكثرهم مواتات لبعضهم البعض ....

كان أبي مهندسا مرموقا وذا شعبية واسعة وخبرة لا يستهان بها...

أما أمي فقد ترعرعت في مدينة تبسة العريقة من عائلة ذات سمعة طيبة وجاه حسن....

كنت أملك أما... لكن لا أذكر يوما أني ذقت ل حنان الأم!

ولم أرى قطعا أية مودة بين أمي وأبي... على الاطلاق!.

بل أني لم أحس ولو للحظة واحدة بافتقاري إلى حنان الأم...

أبدا....!!
كل ما أذكره عن أمي هو وجهها الذي يعطي ملامح غريبة...

لعابها السائل... وكرسيها الجميل المدولب...

كانت تقضي معظم وقتها وهي محبوسة في غرفتها...

غرفتها التي لا أعرف كيف يجد أبي لنفسه مكانا فيها! عندما يعود أبي من العمل ليلا...

أتذكر أنه يحضر المائدة كما لو أنها مأدبة فرنسية فاخرة ...

الدجاج المتبل في الوسط ..

تلتف حوله أطباق ثانوية أخرى ولعلى أفضلها كان" طاجين الحلو"... والسلطات المختلفة سواء سلطة خضار أم فواكه أو سلطة من سلطات كتاب الطبخ الخاص بأبي..

على الحواف توجد الصحون البيضاء المجوفة ...

تلك الصحون التي تنتهي بالشوكات والملاعق حولها...

ومناديل الطعام التي ثنيت على شكل إوزة!.

في كل يوم كانت مائدة عشاءنا البرجوازي على ذلك النحو الراقي...!

لم يكن مسموحا لنا بالحديث على مائدة الطعام...

لذى كان الصوت الوحيد الذي يمكن أن تسمعه حولها هو الصوت الذي تصدره أمي عندما يقوم أبي باطعامها...!.

ينتهي العشاء...

يأمرنا أبي بأخذ الصحون إلى المطبخ .. ثم تقوم أختيْ الكبيرتين بغسل الصحون..

يخرج أخي الأكبر القمامة وينظف أمام البيت ...

أما أخوي التوأمين الأقل سنا من أخي الأكبر فيرتبون غرفة الجلوس وباحة البيت ...

في تمام الثامنة والنصف يكون كل شيء جميلا ونظيفا ورائعا...

كنت أبلغ من العمر حينها ثمانية سنوات لذا لم أكن أفعل الشيء الكثير سوى تحضير القهوة لأبي وإحضارها إلى مكتبه المنظم...
المنظم....
المنظم..
تنظيما منظما..
كما لم ينظم تنظيم من قبل...!

أناقة الإجرام||Elegant Crimeحيث تعيش القصص. اكتشف الآن