انا لست جميلة

الشخص المجهول

تركض الايام سريعاً ، تجري كما يجري الشلال
ونشبه نحن الاوراق التي تسقط فيجرفها التيار بعيداً .. بعيداً جداً
وليس بوسع الورقه فعل اي شيئ سوا الاستسلام
كالورقه نحن تجرفنا الحياه بظروفها ونسايرها بطواعيه ، خوفاً من المقاومة ..
تخرجت من الثانوية ، مررت بأيام صعبه ، يمر طيف خالد في ذاكرتي وانا منغمسه بين كتبي واوراقي اكتب بالخطأ اسمه بدلاً من كتابة دروسي ، كان نسيان خالد صعب والاصعب من كل هذا هو المذاكره وسط انشغالي بتفكيري بخالد
ماكنت اظنه اني لن اتخرج سأفشل هذه السنه
سأرسب ..
رغم تلك الافكار السلبيه ، حاولت بكل جهدي
طردت طيف خالد مراراً وتكراراً وانشغلت بدروسي
كان تجاوز تلك الايام بمثابة تحفيز لي
يخبرني بمدى قوتي ..
لم اكن اعلم ان هناك مصاعب كثيره ستواجهني
اولها ، رفض والدي لأبتعاثي
حطم معنوياتي كثيراً
جلست على طاولة الغداء بعد ان وضعت اخر صحن
ابتسامتي لم تختفي من وجهي
تحدث والدي بتساؤل مبتسماً
_ وش السر وراء هذه الابتسامات ياجميلة
_ انا سعيده
ابتسم والدي وابتسمت والدتي بعد نظرا الى بعضهما نظرة رضى
كم يسعد والدانا برؤيتنا سعيدين ، انا وشقيقي واختي الكبيره المنشغله بحياتها الزوجيه
لا ندرك نحن الابناء كم يحزن والدانا لحزننا وكم يفرحان لفرحنا
تحدث اخي بأبتسامة استهزاء صغيره ارتسمت على شفتاه
_ كل هذا عشانك متخرجه ، الي يشوفك يقول عرسك بكره !
اختفت ابتسامتي ، كم هو بارع في تعكير مزاجي ومحو ابتسامتي تنهدت
_ لن افرح بزواجي كفرحتي بتخرجي ، انا لست مشفوحه على الزواج ياوليد !
اكملت وانا احرك ملعقتي في صحني بصدق
_ الزواج اخر همي واخر هم كل فتاة ، اهم شي هو الدراسة والتعليم والوظيفه ثم الزوج مجرد كمالية
_ هل تتحدثين عن زوج او قطعة اثاث لمنزل !
ابتسمت برضى واكملت
_ اي انثى تزوجت ولم تكمل دراستها انثى غبيه ، ضيعت عمرها لاجل رجل ربما سيتركها في احد الايام ويتزوج بأخرى !
_ تركت والدتك دراستها لتعتني بمنزلها وبزوجها ، هذه ليست صفة نقص او عيب ، لا بأس ان تختار اولوياتها بنفسها !
قالها والدي معارضاً لوجهة نظري
_ زمانكم يختلف عن زماننا يا ابي
ابتسمت واكملت مجاملة
_ لو اني سأتزوج رجل مثلك ، لرميت بدراستي عرض الحائط ! امي محظوظه
ضحك والدي بهدوء
_ وانا ايضاً محظوظ بها
ابتسمت والدتي بخجل
امي وابي يحبان بعضهما كثيراً ، لا يرفض ابي لوالدتي طلب
ولا تقصر امي مع والدي في اي شيئ
تزوجا زواج تقليدي ، دون ان يعرفا بعضهما من قبل
وولد الحب بينهما ونشأ بمرور الايام والاعوام
خيم الصمت على ارجاء المكان
لأقطعه بتردد
_ ابي ، ممكن طلب ؟
_ امري !
_ اريد ان اقدم على بعثه واكمل دراستي في الخارج
توقعت ان يوافق بلا شك ولا ريب ، لا يقف ابي في طريقي ابداً ولا يمنعني من شيئ اريده
وضع ملعقته وشبك يديه ببعضهما
_ ليه ! وشفيها جامعات البلد ؟
عقدت حاجباي بأستنكار
واكمل وهو يرفع حاجبه
_ ماشوف له داعي تبتعثين ! وش تبين تخصص ؟ مو موجود هنا التخصص الي تبينه ؟ ومن دخل براسك الفكره ذي اصلا !
سألني اكثر من سؤال ولم اعرف على اي سؤال اجيب
التزمت الصمت ، وصلتني فكرة رفضه
هدمت طموحي ، هدمت امالي واحلامي
احبطتني جداً
اجبت بهدوء
_ افهم رفضك !
اجاب
_ البنت ماتطلع من البلد بدون محرم لها ، وش تسوين بالغربه لحالك هناك ! مين ينتبه لك ويسندك اذا احتجتي شي ؟ علميني
_ اذاً يسافر معي وليد
اجاب وليد بسرعه
_ انا لدي دراسه هنا ومشغول !
فتح والدي كفيه
_ ماباليد حيلة ياجميلة ، اكملي دراستك هنا !
ووقف والدي متجهاً الى غرفته
دمعت عيناي بخيبة ، لم اتوقع رفضه
تعبت واجتهدت ، وذهب تعبي واجتهادي هباء منثورا
وهكذا بقيت من جديد ، بغرفتي ، اكل بغرفتي ، اجلس بغرفتي نهاراً وليلاً ، اتمنى ان يفتقدني والدي ويعلم اني غاضبه منهم
ثم يسمح لي بالابتعاث ، حتى لا احزن
فـ هو لا يرضى بزعلي كما يقول دائماً !
لم يكن لدي ادنى فكره ، مع من سأبتعث ..
ولا عن شعور الغربه
ولم ادرك كل شيئ الا بعد فوات الاوان
بعد ان استدعاني والدي وامرني بالجلوس معهم
وجلست بصمت ليتحدث والدي
_ ستبتعثين ياجميلة ، تعلمين اني لا اود الوقوف في طريقك ، ولا احب ان اراك حزينه وغير راضيه
ابتسمت برضى وحب لوالدي العظيم بينما اردف
_ ولكن ليس وحدك !
_ كيف وافق وليد على ترك دراسته والذهاب معي !
_ ليس وليد ياجميلة
عقدت حاجباي ، والدي لديه الكثير من العمل هنا شعرت بالحزن لانه سيترك كل شيئ من اجلي
_ لا داعي لترك عملك يا ابي من اجلي
بحزن اكملت
_ لم اعد اريد البعثه
_ ولكن لست انا من سيذهب معك ياجميلة
نفذت الخيارات ، ليس اخي ، ليس ابي ..
من هذا الذي يتحدث عنه والدي من هذا الذي سيرافقني ليعتني بي !
ومن هذا الذي اعطاه والدي هذه الثقه وهذا العبئ !!
من هذا الشخص المجهول !