~4~

283 26 0
                                    

كنتُ مستعدًا لمقابَلتها حاملًا الكثيرَ مِن الغَضب.
شعوري بالخِيانة أقوى من أن أتفهم تخليها عن ابنها بسبب حياتها البائسة.
لكن عقلي صار فارغًا بعد رؤيتها.

ألَم تُنجبني صغيرَة؟ هَل يتغَير المرء لهذا الشكل في عشرونَ عامًا؟
لّم تفرق كثيراً عن أمي، وكأنهما في العِقد الخامِس ذاتِه.

بَل حالُها كان أكثر سوءًا، تلك التجاعيد والتعابير المُرهقة
ظهرٌ منحنٍ وجسدٌ هزيل. ماذا حصَل بعد رحيلِها عني؟!

من المفتَرض أن تبدو يافِعة، في أبهى حُلة، في منظَر يسمحُ لي
بالصّراخ في وجهِها. كَيف أغضَب وقَد ساء حالُها أكثَر بعد
أن تخَلصت من عبءٍ في حياتِها؟

لا أتذكَرها إطلاقًا، لا أجدُ سوى هيئةَ أمي تُغطي خاصَتها
فحصتُها بتركيز أحاوِل استعادَة مظهَرها الشّاب سابقًا.

لكنها استمَرت في تجَنب عَيناي إن نظَرت لها
ألَن تُعطني حتى فرصةَ استِعادة وجهكِ المفقود من ذكرياتي؟

حدّقت طويلًا بها، تمسَح دموعها مرارًا، تبكي بِكتمان دون توَقف.

مضَت دقائق عِدة مُنذ وصولي ولَم تنبُس ببنتِ شفة.
تنفَست الصّعداء خائبًا؛ لا أفهَم سببَ تمسكِها بالصّمت!

أهوَ الخجَل أم شعورُها بالذّنب؟
كلاهُما منطقيان على أية حال.

علَيها أن تبدأ؛ فلَم أعرِف بما أبدأ الحَديث..
كثيرٌ من الأسئلة تراوِدني.

« كَيف حالُك؟ »
سألَتني أولًا مترددَة.

« بأحسن حال. يعود الفَضل لأمي »
عمدًا، أريد أشعِل النار فيها.

لكِنها ابتسَمت!
ابتسَمت باتِساع وكأنما سمِعت خبرًا مفرحًا.

أومأت بِخفة.
« لما كنتَ كذلِك لو بقيتَ برفقَتي، أعلَم أنه هذا ما يُثير فضولك »

أحكَمت الضّغط على قبضَتي منزعجًا؛ مِن تظاهُرها بِكونها تعرفني.

« أخطأتِ، عشتُ جيدًا فلا يُهمني مَن كنت برِفقته »
لكِنها لَم تكُن مخطئة..

لا أعلم إن كنتُ أعني ما أقول حقًا.
حتى أخرجَ أسوأ مافيها؛ أردتُ استِفزازها لا أكثر.

خلفَ تعابيري الجامِدة، كنتُ عاطفيًا؛ فأيام طفولَتي هي منبَع سعادَتي. لّم تكُن أيامًا تُجبرها أن تترُكني! كنّا سعداء سويًا ومتأكدٌ من ذلِك.

تصاعد الصّراع بين عقلانيَتي ومشاعري.
أمي التي اعتَرف بها هي من ربّتني وكانَت برفقَتي حتى اليَوم..

لكِن لَم يعتصر قلبي ألمًا لهذه المرأة أمامي؟
لماذا لا تتوَقف عن الاهتزازِ مشاعري؟

« لتختَصري حديثَك، ماذا تريدينَ مني؟ »
« رؤيَتك. لا شيءَ آخر »

لكِنها جيدَة في تحاشي عَيني، لا تنظُر إليّ سوى لثوانِ.
هناكَ ما هوَ مخفي، أتساءل إن كانَت أمي تعرفُ عنه؟

فرغبةٌ مفاجأة لرؤيتي لا تأتي مِن عدَم..
على الرّغم مِن ذلك، لَم تبدو كاذبة.

لا أرى فيها دنسًا مِن استغلالٍ أو خِداع.
أهيَ هالَتها؟ أم أن قلبي ضعيفٌ اتجاهَها؟

« ولَم آتي لأسمِعك أعذاري أو أطلبَ منكَ المغفِرة، يُمكنك فعلُ ما تُريد والرّحيل في أي وقت. يُسعدني مجردُ حضورِك على الرّغم مِن رفضك بحَزم »

لا تريدُ مني شيئًا.
ولي أن أفعَل ما أريد..

مستغلًا وضعِها السّيطرة في يَدي، قررتُ إساءة استعمالِها.
لَم أعرِف ما سيَقودني إليه الاستياءُ في صَدري..

« إذن لتُجيبي على كُل سؤالٍ أطرَحه، وحينَ أكتَفي سأرحَل مباشَرة »
أضفت ببرود، غَير مبالٍ بتأثير ما هو قادِم علَيها.

_

_

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

_

غاليَتي ✔️                                              حيث تعيش القصص. اكتشف الآن