أبتسم جون بإتساع إبتسامة جعلت إلسا تبتلع ريقها بخوف فقال بهدوء أقلقها: أجل سمعت زوجها.
أرتفع صوت والده بالقرب منهما محدثاً إياه: هل تريد أن أطلب لك طعام إلى أن يحين موعد إنطلاق الطائرة؟
ألتفت إليه جون بعد أن محا تلك الإبتسامة وبدلها بإبتسامة متكلفة: أجل، فأنا جائع جداً.
توم: حسناً، وأنت إلسا؟
إلسا مقاطعة ببرود: ليس لدي شهية.
توم وهو يتلمس وجنتها: حبيبتي لا تفعلي هذا، يجب أن تأكلي من أجل ابننا ثم أنك تعبت كثيراً اليوم ولم تأكلي شيئاً، أخشى أن تمرضي.
جون متنهداً بضجر: أوقفا هذه الدراما وخلصاني.
رمقه والده بغضب بينما تنهدت إلسا بإستسلام مفكرة بمصلحة طفلها: حسناً، كما تريد.
توم مقبلاً جبينها: سأطلب الطعام حالاً حبيبتي.
تابع جون هذا المشهد بسخرية ولكن عينيه كانت مرتكزة بالهاتف الذي بيد إلسا لتغزو إبتسامة الشيطان ثغره وهو يفكر بالرقم الأخير على قائمة الإتصالات، الرقم الذي سيصله بغريمه.-كانت ليليان تجثو على ركبتيها بجوار السرير الذي ترقد عليه لورين، مدت يدها ومررتها على شعرها لتتحرر من عينيها دمعة وحيدة أخذت تتدحرج على خدها لتستقر أخيراً على خد ابنتها ثم مالت عليها وقبلت جبينها برفق لتهمس لها بصوت خافت متألم: ابنتي الجميلة، أنا آسفة، ليتني أستطيع أن أنقل كل وجعك إلىّ.
لتتنهد بألم ثم أردفت بصوت يرتجف حزناً: آه يا صغيرتي لو رأيت قلبي لوجدتيه يحترق فقط أنت وأخيك من يستطيعان إخماد هذه النيران وإلا لتحول قلبي لرماد ووقتها سأصبح كجثة هامدة.
قطبت لورين جبينها بإنزعاج لتتململ في نومتها وتفتح عينيها لتصطدم بوجه باهت توضح تقاسيمه مدي حزن صاحبه وعينين كالتي لديها تفيض بالألم فشعرت بوخزة مؤلمة في قلبها ولكنها تجاهلتها لتنتفض جالسة وتقول بحدة لاذعة: ماذا تفعلين أبتعدي عني، أنا لا أريدك.
لتبعد الغطاء وتنهض من علي السرير بالتزامن مع وقوف ليليان على قدميها لتمسك يدها وتردف بترجي: أريد التحدث معك.
نفضت لورين يدها بعنف لتقول بملامح جامدة: وفري حديثك لنفسك فهو لن يحدث فرقاً معي.
ليليان بصوت باكي متوسل: أرجوك لا تفعلي أستمعي إلى ابنتي.
لورين وهي تصرخ بحرقة: لا تقولي ابنتي أنا لست ابنتك.
لتردف بقسوة وقد نجح الحقد بالتمكن من قلبها: أنت بالنسبة لي شخص مات منذ زمن ومن المعروف أن الميت لا يعود، هل فهمت أنت لا شيئ.
شهقت ليليان باكية بإختناق وكلامها يزيد نيران قلبها إشتعالاً: أنت محقة لقد مت، مت في ذلك اليوم الذي رحلت فيه ولكن ردت إلى الحياة عندما علمت بمكانك أنت وشقيقك والآن.
لتتابع وهي تبتلع مرارتها: والآن أنت تقتلني بلا رحمة بنفورك مني وبكلامك هذا.
لورين وقد أخذت دموعها بالسيلان: أنت ماذا تتوقعين مني؟
لتكمل بسخرية: ماذا؟ هل تخيلت أنني سأركض وأرتمي بحضنك وكأن العشرين سنة التي مرت لم يكن لها وجود.
ليليان بشفاه مرتجفة: أنا، نا كنت أعتقد أنكم تعيشان مع والدك لقد عرفت بوفاته من فترة ليست ببعيدة، لم أكن أعلم بالأشياء التي عايشتيها.
لورين وهي تمسح دموعها بالعنف مرتدية قناع البرود: والآن علمت ماذا تغير، لقد أعتدت العيش بدونك، أصبح وجودك مثل عدمه.
لتردف بتوسل: أتركيني بمفردي أرجوك.
أرادت ليليان أن تمسك بيدها ولكن لورين دفعتها بعنف صارخة بها بلا شفقة: قلت دعيني.
هذا حدث بالتزامن مع دخول مارتن للغرفة لينطق من بين أسنانه قائلاً بحدة: لورين، لا تقللي الأدب معها، هي تكون والدتك وعليك أن تعامليها بإحترام.
تطلعا إليه بعيون متسعة وعلامات الدهشة مرتسمة على وجهيهما من حديثه فتقدم منهما وقال بهدوء مخاطباً ليليان: هلا سمحت لنا سيدتي؟
فأومأت بالموافقة وهي لا تزال تحت تأثير الصدمة من معاملته هذه.
وبعد أن خرجت رفعت لورين حاجبها هاتفة بسخرية: ماذا، هل ستدافع الآن عن المرأة التي تكرهها؟
تنهد مارتن مظهراً الجدية في حديثه: شعوري تجاهها شيئ يخصني وحدي فلا تبني علاقتك معها على أساس شعوري أنا.
زوت ثغرها بإبتسامة ساخرة لتقول بإنكسار: ولكنك أنت من فعلت هذا، ليتك نصحت نفسك قبل أن تنصحني.
حاوط مارتن وجهها بكلتا يديه لتتمكن هي من رؤية الندم يطوف بداخل عينيه: لورين أعرف أنني أرتكبت خطيئة بحقك.
ليتابع محاولاً تبرير فعلته: عندما عرفت بأنك ابنتها أستسلمت أمام حقدي وصممت أذني لكي لا أسمع قلبي، فخشيت كثيراً أن أؤذيك لذا لم أجد حلاً سوي أن أبتعد بالرغم من أن هذا الإبتعاد كان كالموت بالنسبة لي.
لورين بصوت مختنق: إذاً أنت فضلت الموت على أن تكون معي.
وسريعاً صحح لها جملتها: بل فضلت الموت على أذيتك.
ليتابع بتوسل: أرجوك لورين لقد غبت فقط لأسبوعين، والآن أنا عدت وأصبحت معك أنتهي الأمر.
ضحكت لورين بسخرية لتبتعد عنه ثم أردفت وهي تستهزئ من تفكيرها الساذج كما لمح لها مارتن: أسبوعين، أجل صحيح لما أنا مضخمة الأمور هكذا، أنهما مجرد أسبوعين، خمسة عشر يوماً.
وفجأة تغيرت نبرتها الساخرة إلى نبرة أخري غاضبة ترفع فيها صوتها الذي أختنق بشهقات بكائها فأخذت تدفعه من صدره وهي تصرخ به: ربما كان عليك أن تأتي وتلقي نظرة علىّ في هذين الأسبوعين لتري كيف كنت.
توقفت عن دفعه وأخذت تدور في الغرفة وهي تبكي بإنهيار ولم يمنعها من ذلك أراد أن تخرج كل آلامها وكان هذا العقاب الأمثل له وهو يسمعها: مارتن، لقد سلمتك روحي وقلبي وعندما رحلت أخذتهم معك تاركاً إياي فارغة، لقد كنت عودت نفسي علي التظاهر بالسعادة وأنا داخلي يحترق عودت نفسي على الضحك في حين كان قلبي يبكي عودت نفسي على كوني قوية في حين روحي كان ترتعد خوفاً إلى أن أصبح تظاهري حقيقة وأنا معك ولكن أنت ماذا فعلت تركتني بمفردي ورحلت بدون حتى أن تقول لي حرفاً واحداً أردت أن أتظاهر باللا مبالاة بالسعادة بالقوة ولكنني لم أستطع، لم أستطع حتى العودة إلى نفسي التي سبق وخلقتها لتكون حجاباً لألمي لأنها هي الأخري رحلت معك، أصبحت وحيدة بالكامل، عشت بقوقعة لم يقدر أحد على إخراجي منها حتى أخي، عدت لتناول تلك الحبوب المهدئة لأن ما أن رحلت عادت تلك الكوابيس تغزو نومي، تلك الكوابيس لم تكن فقط تأتي وأنا نائمة بل وأيضاً وأنا مستيقظة كل ثانية أتخيل جون أمامي كنت موقنة أنه سيأتي لأنك لم تكن موجوداً معي، أخي كان دائماً معي ولكن لسبب غريب لم أشعر بالأمان لأن قلبي اللعين تبرمج بأن مارتن هو الأمان الأمان يعني مارتن، تعرف أنني كنت أنام بغرفتك فقط لأستشعر وجودك معي، رائحتك كانت أنيسي في وحدتي، وبالطبع هذان الأسبوعان بكفة ويوم إختطافي في كفة أخرى، عندما أخبرني مارك بأنه سيأخذني إليك كاد قلبي يخرج من مكانه ليسبقني للقاك وماذا حدث، وجدتك مع امرأة أخرى حتى لو لم يحصل بينكما علاقة ولكن هذا كسر شيئ بداخلي، ثم تحقق كابوسي وقتها لم أصرخ ولكن ليتني صرخت لربما كنت ستسمعني وتأتي لإنقاذ، كل ثانية مرت بي وأنا معه كنت أناديك لتأتي، إلى أن أستسلمت وأصبحت أنادي أبي ليأخذني معه، مارتن أنا لم أسامحك لأنك قلت لم تخني أو لأنك تحبني فأنا كنت أعلم بهذا مسبقاً، أنا سامحتك لأنني أدركت بأنني أحتاج إليك أنا أحتاجك أكثر مم أحبك، خفت أن أتركك فأعود لتلك العتمة التي عشت بها في هذين الأسبوعين، أنا أحبك لأنني أحتاجك وأحتاجك لأنني أحبك أنا حقاً لا أعرف ماذا أقول ولكن هذا هو الحب مليئ بالتعقيدات.
أخرجت كل هذا دفعة واحدة لم تتوقف لثانية لم تتوقف حتى لإلتقاط أنفاسها التي هلكت تماماً كما هلك قلبها أستنزفت كل طاقتها للبوح بكل ما تشعر به، ولكن من يستطيع وصف شعوره الكامن في أعماق روحه بدقة، بالطبع لبعد المسافة بين العالم الداخلي للإنسان وعالمه الخارجي ستسقط العديد من الأمور بين العالمين وسيظل هناك نقص، ولكن ما خرج منها يفي بالغرض لقد خف ألمها قليلاً على عكس مارتن التي أحرقت الدموع عينيه لقد رحل لكي لا يؤذيها ولكن خطته العبقرية لم تنجح لأنها تأذت، تأذت وكثيراً، كلماتها الوجع في صوتها وعيناها التي تعكس روحها وكم كانت روحها معذبة، هذا كله قتله من الداخل، ظل صامتاً عاجزاً عن النطق لم يقدر حتى على إجابة سؤالها.
لورين: أخبرني مارتن، لو لم أختطف هل كنت ستعود إلىّ؟
لم يجب فهو غير أن لسانه قد ألجم، لم يكن لديه الإجابة ولكن هي فهمت بأن إجابته هي "لا، ما كنت سأعود" فأبتسمت بمرارة قائلة: إذاً فيونا كانت محقة في هذا الشأن، وربما هي محقة في كل الأمور.
وعند ذكر اسم فيونا غطي الظلام شعاع عينيه ليفح من بين أنفاسه ناطقاً اسمها بنبرة مميتة: فيونا.
لورين: أجل، لقد أخبرتني بالدردشة اللطيفة التي حدثت بينكما.
أغمض مارتن عينيه التي أظلمت بشكل مرعب وقد أدرك بأن هناك سم خبيث يجري في قلب حبيبته وهو من يتحكم بها الآن فتمتم مع نفسه بصوت لم يصل لها: حسناً، الآن فهمت لقد وضحت الصورة.
ثم نظر للورين لترتعد أوصالها من نظرته التي لم يسبق لها رؤيتها وما زاد رعبها هو صوته وهو يقول بهدوء مميت: داني بالأسفل سيأخذك معه للمنزل.
لم ينتظر ردها حتي بل خرج صافقاً الباب خلفه بقوة جعلتها تقفز في مكانها.
أخذت نفساً عميقاً وحررته، كان يوجد باب آخر غير باب الخروج فأدركت أنه الحمام فمشت تجاهه وكان على وشك الدلوف ولكن لفت إنتباهها شيئاً موضوعاً على المنضدة الصغيرة المجاورة للسرير وقد كان صورة في برواز، صورة بها امرأة ورجل كل واحد منهما يحمل طفل رضيع، كانت السعادة جلية على وجوههم.
أبتسمت بسخرية لتمسك الصورة لتتضيق عينيها محاولة إستوضاح الشيئ الذي ترتديه المرأة حول عنقها وقد تمكنت من تمييزه لقد كانت نفس القلادة التي ترتديها هي فتحسستها بيدها الأخرى قائلة بإبتسامة ساخرة: إذاً كانت تخصها.