أمثلة

21 3 0
                                    

عقوق الوالدين:
إذا أتى على المؤمن حين من الدهر أراد الله له فيه أن يفيق من غفلاته ويقلع عن عقوق والديه فإنّه لا يجزيه الاستغفار الكثير _ وإن كان ضروريّاً ومهمّاً _ حتّى يهدم بنيان الخطأ ويقيم على أنقاضه صرح البِرِّ فيتفنّن في معاملة أبويه بشتّى أنواع الإحسان: (وبالوالدين إحسانا) (سورة الإسراء23) فيعتذر إليهما عن عقوقه ويقبّل رأسيهما ويطمئن نفسيهما ويسوق إليهما ما استطاع من عبارات المودّة والتبجيل ويغدق عليهما ما استطاع من التكريم المادّيّ مع دوام الخطاب المحبّب الكريم والتواضع الجمّ والدعاء الصالح (فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربّياني صغيرا) (سورة الإسراء23) وإنّما يتمّ هذا باستحضار مقام الأب والأم وعلوّ شأنهما واقتران برّهما بطاعة الله وعقوقهما بمعصيّة الله فالتوبة هنا أوبة على الله قبل أن تكون إقبالاً على بشر.

قطع الأرحام:
قد تزول الغشاوة عن بصيرة المسلم فيرى تفريطه في أهله وقرابته ويستعظم جرمه فيعزم على التوبة الصادقة وهنا يقتضي المقام أن يصلح كما أفسد فلا تقف توبته عند حدود الاعتراف بالخطأ والندم والتحسّر وإنّما يسارع إلى وصل أخيه وأخته وعمّه وخاله ونحوهم ويؤسّس لعهد جديد من السؤال عنهم وزيارتهم والتواصل معهم عبر الهاتف والرسائل واللقاءات إلى جانب ما تقتضيه الرحم من مساعدة وقضاء حوائج (والّذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل) (سورة الرعد 21).

الغيبة:
هذا الداء الفتّاك يدفع صاحبه إلى تتبّع سلبيّات الآخرين وكشف عوراتهم وبث أخبارهم في المجالس بغرض الانتقاص والازدراء فلا تتوقّف توبة المغتاب عند كفّ لسانه _ رغم ضرورة ذلك _ ولكنّها تمتدّ إلى ذكر محاسن من اغتابه ونشر فضائله بين الناس والتماس الأعذار لنقائصه وممّا يسهل عليه ذلك تدبّر الآية الكريمة (يا أيّها الّذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم) (سورة الحجرات12 ) وإن أراد التدرّج في مراقي التوبة الصادقة فسبيل ذلك الاعتذار لمن آذاهم في أعراضهم وأخلاقهم وافترى عليهم ولا يقدر على ذلك إلاّ صاحب شخصية قويّة عجنتها تقوى الله وخشية يوم تتقلّب فيه القلوب والأبصار.

نشر الرذائل:
هذا شأن السواد الأعظم من المغنيين والممثّلين والفنّانين من ذكور ونساء إذ يزينون الفاحشة بالأفلام والأغاني والكليبات ونحوها ويشيعونها بين الشباب حتّى تصبح سلوكاً عاديّاً فهؤلاء ممن إذا ماتوا لم تمت معهم ذنوبهم بل تبقى تؤتي أكلها الخبيث ردحا من الزمن كما أنه شأن بعض الكتّاب والمفكّرين الّذين يروّجون للأفكار الهدامة والفلسفات المنحرفة فيضل بضلالهم خلق كثير... هل يكفي أن يقال عن واحد من هؤلاء إنّه تاب وإنّ بعض مقربيه سمعه يعبر عن ندمه (كما قال أحدهم عن طه حسين)؟ كلاّ والله حتّى يطبّق قول الله تعالى عن بعض العصاة (ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلاّ من تاب وآمن وعمل عملاً صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما) (سورة الفرقان 68-70) إنّ هؤلاء الّذين أشاعوا الشهوات والشبهات وكانوا سبباً في فتنة الناس وانحرافهم الفكري والخلقي والسلوكي يلزمهم _ إن تابوا _ أن يكونوا على إيمان حق يقودهم إلى أعمال صالحة من جنس تلك القبيحة الّتي أفنوا فيها زهرة أعمارهم فيتبرّؤون بذلك من ماضيهم ويدعون الناس إلى الفضيلة والخير والالتزام بقيم الإسلام وأحكامه وشرائعه من خلال الإنتاج الهادف سواء كان أناشيد إسلامية أو أعمالا درامية مختلفة كما فعل غير قليل من الفنّانين التائبين فلا شك أن هذا أفضل من اعتزالهم الفن نهائياً من غير أن يقدّموا شيئاً تغييريّاً يشهد لهم في الدنيا والآخرة كما ينبغي على هؤلاء أن يبيّنوا مواطن الخطأ الّتي وقعوا فيها _ إن كانوا كتّاباً ومفكّرين ومحاضرين وخطباء _ ويدلوا على المنهج الصحيح والأفكار الصحيحة ويعطوا بديلا شرعياً فيه من المحاسن بقدر ما كان في ماضيهم من مساوئ .

المظالم:
إذا ذكرت خلافة عمر بن عبد العزيز تبادر إلى الأذهان ما تميّزت به من رد المظالم أي تمكين الناس من حقوقهم المادّيّة والمعنويّة المعتدى عليها في زمن سابق وهذا عين ما يجب فعله على من أكل أموال الغير بالباطل من خلال السرقة أو الاختلاس أو الرشوة أو نحو ذلك وبغير هذا لا يعتبر تائباً لأن حقوق البشر على المشاحة كما هو مقرّر من لم يؤدها في الدنيا أدّاها في الآخرة لا محالة كما ورد في الحديث الّذي رواه البخاري: (من كانت له مظلمة من أخيه من عرضه أو شيء فليتحلّله منه اليوم قبل ألاّ يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه). ولا يجوز لمن تعدّى على حقوق الناس واستغنى منها أن يكتفي بأداء الحج والعمرة وإخراج الزكاة والصدقات فالله طيب لا يقبل إلاّ طيباً وما بني على الحرام فهو حرام فالتائب الصدوق هو من آثر الآجلة على العاجلة وأقبل على رد المظالم مثلما يقبل على أداء العبادة فتغلّبه على هوى نفسه ودواعي المال هو عين التوبة.

💙💙

أوابحيث تعيش القصص. اكتشف الآن