الوتر الثالث عشر

418 94 192
                                    

سي ري :

تلوت خطوط جبينه بحنق وازدادت نظراته حلكة مع تقطيبة حاجبيه الغاضبة لينبس بغيظ من بين اسنانه : يون سي ري .. انتِ مطرودة ....

كلماته تلك ضربت قلبي كالصاعقة ؛ صوته الهادئ كان طوفاناً اقتلع كل مشاعري الغضة وجرفها الى تيارات الأسى ..!
كيف أمكنك ان تنطق بهذا الهراء دون ان يرمش لك طرف ؟
كيف تتلبس هذه القسوة باتقان وكأنك خلقت من خيوط الليل ونسجت أوردتك من صوف حجري قحط ..!
مشاعري كلها اهتزت عقب كلماته تلك ؛ روحي غادرت جوفي باهتة غدرت انت بها ..

ابتلعت غصة في الحلق كادت تهزمني لأنكب أرضاً باكية كأم ثكلت ولدها ؛ لكنني ثكلت حبك ..
انت ابن قلبي الذي ولد من رحم الهوى ، انت من سكن دواخلي خفيفاً شهياً كما يسكن الجنين رحم الأم فتتوق شوقاً للقياه حتى لو كان مخاضه صعباً مؤلماً ...!
لكنك الان تحاول اجهاض حبك من رحم قلبي ؛ تحاول قتل مشاعر أينعت بداخلي ومعها تقتل روحي التي تعلقت بها ...

حركت رأسي نافية وادعيت الصلابة متكلمة بغضب : ما هذا الهراء الذي تهذي به ؛ لماذا تريد ان تطردني ، اي خطأ هو ما ارتكبته ليجعلك تقوم بطردي ؟؟

طال صمته للحظات وما كان لدي الكثير من القوة لأنطق بالمزيد حتى تكلم دون ان ينظر الي : سأمنحك راتبك كاملاً واعوضك عن كل ما سببته لك حتى الان ؛ فقط غادري ..

بانفعال وصوت غشته الدموع صحت : هل تحاول ابعادي حتى يتسنى لك قتل نفسك ايها الرجل الأحمق ؟
لن اغادر ابداً ؛ لن انصاع لمحاولاتك البائسة بابعادي ولن اسمح لك بإيذاء نفسك ، لازال لديك امل باستعادة صحتك فلماذا تعلن استسلامك بهذه السهولة ؟؟

تنهد بثقل شعرت به يطحن أضلعي لينبس : ما الجدوى من متابعة حياة ثقيلة على كل من حولي ، وجودي ليس سوى سبب لايذاء كل من حولي ، حتى انا اثقل على نفسي بتمسكي بالحياة ؛ أفلا يحق لي الحصول على بعض الراحة ... !

تركت دموعي تنساب بحرية على وجنتي وقد فرت كل الكلمات من فمي ؛ ليس بوسعي اخراج صوتي من تراكم الدموع العالقة في حنجرتي فأضاف بهدوء : احتاج الحصول على بعض الراحة ؛ اريد العثور على السلام .. اكتفيت من تلك الحروب التي خضتها منذ اول نفس لي في هذه الحياة ..!

قال كلماته تلك وهو يستدير بجسده نحو الجهة الأخرى مسرحاً نظراته عبر النافذة الواسعه كما لو انه يسبح في لج الفراغ القاحل ..
شعور بوحدة قاتلة اكتنف روحي وهز اركان نبضي ؛ شعور يستهلك دواخلي انني اوشك على فقدك وما عاد لدي من وسيلة اطولك بها للامساك بيدك قبل ان تحلق بعيداً عن سمائي ..

ظهرك الواسع الذي كنت توليني اياه بدا لي كوطن غريب ؛ جزيرة مفقودة في اعماق محيط الحزن ...
لكنني انتمي الى تلك البلاد ، وكل مغترب يحن للوطن ..!
اعترتني رغبة جامحة باللجوء الى حدود ارضك الغارقة ؛ حتى لو كان علي ان احتبس انفاسي عمراً اريد ان اتمسك بوطني ..
حتى لو كنت سأموت غرقاً .. دعني اموت حرة على اعتاب وطني أمجد حجارته واقبل ثراه ...!

" وتر " حيث تعيش القصص. اكتشف الآن