9: صلاة امل

944 47 22
                                    


الاقتباس:

<<< إن القدر غريب، عنده طرق عجيبة في جمع أحبابه و ربط قلوبهم...لا تسأل أيها الغريب عن الطريق...فقط عندما تصل إلى الباب اطرق
و لا تبالي >>>
..........................................

في ذلك الحي الصغير بالبيت الاصغر، تقطن عائلة كبيرة يملؤها الحب و الحنان. بين جدرانه القديمة، تسمع صوت الحكايات و الضحك، صوت الفرح و البهجة.
ففي غرفة الجلوس و حول المدفأة تجمعت أفراد العائلة، يحمل كل منهم كأس شاي و يحتضن حبيبه يعطيها الدفئ و الحب.
إنه المشهد نفسه الذي شهده مسعود لسنوات طويلة. أولاده و أحفاده تحت سقفه بأمان و إكرام.
أربعة أولاد رجال، كل واحد منهم أضخم من الآخر بزوجاتهم و أولادهم. و بنتين بجمال القمر المكتمل بازواجهم و اولادهم أيضا.
كل منهم باشغاله و حياته و نجاحاته، غالبا ما يعودون لمنازلهم، فلا يبقى له أحد سوى زوجته الذي يشهد عليه الله!. أنه لا يزال يحبها حتى يومنا هاذا.
لم ينقص من حبه لها شيئ. كبرا و شابا مع بعضهم، و بعد كل هاذا العمر لا يستطيع النوم إلا و رأسه بجانب رأسها.

أخذ مسعود يد زوجته يقبلها بحرارة، لتحمر خجلا و تحاول سحبها منه. حتى بعد هذه السنوات الطويلة لازالت تخجل أمام الناس من غزله لها.
أمسكت يده تشده " مسعود كفى! ". همست له تسترق النظر لأولادها.
ابتسم لها يدنو منها و يقول " ماذا يا وردتي؟ ".
" الله الله، و يدعي البراءة، الا تخجل من شيبك يا هاذا؟ احفادنا في الثانوية و أنت لازلت تقوم بهذه الحركات؟ ".
هز مسعود رأسه و لوح باصبعه " والله يا حبيبتي، الكل يعرف. حتى احفادك في الثانوي ، أنني لا زلت أحبك و أعشقك، و لولا هاذا الحب لما كانو هم هما أصلا...ما رأيك إذا؟ ".
نظرت له زوجته باستغراب تقدم قدح الشاي من فمها " رأيي بماذا؟ ".
" أقول...لو نرسل الأولاد إلى بيوتهم اليوم، و يبقى المنزل لنا، لم يفت الأوان. لننجب ولدا آخر ".
علق الشاي في حلقها، إلى أن كان يخرج من أنفها " ماذا تقول يا هاذا؟!...شششش يسمعك الاولاد الآن، توبة توبة ".
" أي توبة يا امرأة!، وأي اولاد؟ اولادك بحجم البعير و متزوجين. وباولادهم أيضا!، لا تهربي مني والله امسكك يا عايدة و لا مهرب لك ".
زاد وجهها خجلا و احمرارا، لتحاول الهرب من الموضوع فتستنجد بابنتها.
"ج...ج...جولبهار ابنتي؟، ألم تجدوا اسما للبنت
بعد؟ ". سألت بصوت خافت غلب عليه الخجل الواضح.
تقدم مسعود يقترب من إذن زوجته " لا تحاولي يا امرأة، ما إن ينم الكل، سأمسك بك ".
ابتعد عنها يشعر بحرارة جسمها الخجول، ينظر إلى ابنته و زوجها.
"والله يا امي كنا نفكر " نظرت جولبهار إلى زوجها الذي يعانقها من الخلف و يضع ذراعه حول بطنها بتملك. يمسح عليها كل دقيقة كمن لا يصدق أنه سيصبح أب.
" لقد تحدثنا. و أعتقد انني سأختار...ريان.
اعتقد انه إسم جميل جدا، في المرة الفارطة قابلت فتاة تحمله...جميلة جدا و طيبة، و من يومها و أنا أفكر به ".
صفقت عايدة بيديها فرحة " الله!!! ما احلى هاذا الاسم، ريان. جميل جدا، جميل أليس كذلك يا مسعود؟ ".
نظر إلى وجه زوجته المستنير بالفرحة، إلا و وجد نفسه يضحك معها " جميل، جميل جدا ".
...والله لولا وجود أولاده هنا لقبلها!...فكر ينفسه.
البعض يعتقد أن الحب يموت بكبر السن، ولكنه يكبر ويكبر حتى يصبح صعب احتوائه داخل جسم الإنسان، حتى ينفجر و يغمر كل من حولك به و اكثر.
" ايه؟...و ما رأيك بالاسم يا عبد الله؟ " سأل مسعود زوج ابنته.
تنحنح عبد الله قليلا، حتى ترتاح زوجته في الجلسة أكثر " ريان إسم جميل يا أبي، و لا يهمني كثيرا، لا أريد شيئ آخر، سوى أن يكون كلاهما سالما ".
" معك حق يا بني ليخرجا منها بسلامة ".
مسحت جولبهار على بطنها تستشعر حركة الطفلة.
" لو تري الفتاة التي قابلتها يا امي، جميلة جدا ماشاء الله. وجهها مثل النور...كأنها قطعة من القمر.
تشعرين بطيبتها من وجهها، لتكن ابنتي جميلة مثلها ان شاء الله ". دعت جولبهار و الحلم في عينيها.
ليقترب زوجها منها اكثر يهمس باذنها " لا يوجد اجمل منك، أريدها أن تشبهك، و الله لا تتزوج قبل الثلاثين ان كانت مثلك، احبسها في برج بعيدا عن الرجال ".
وضعت يدها فوق فمها تحاول تغطية قهقهاتها التي خرجت دون سابق انذار. فيستغل زوجها الفرصة و يقتنص من وجنتها قبلة أوقفت ضحكتها، لتبتعد عنه وتنظر إلى والديها بخجل.
ضحك مسعود على حالة زوج ابنته الميؤس. كل أولاده و ازواجهم يعشقون بعض، الحمد الله الذي أعطى أولاده حب مثلهم و اكثر.
صمت قليلا يداعب يد زوجته و يسبح باليد الأخرى،  ليتذكر مسألة مهمة فيعيد الالتفاف إلى عبد الله.
"عبد الله؟ قل لي لأرى، متى تعود إلى الجيش؟ ".
"والله يا أبي لا أعرف، لكنني أفكر بالتقاعد. لا أريد الذهاب بعد الآن، لدي أشياء أهم لابقى من أجلها  ". ربت على بطن زوجته المنتفخ يحاول ضمها له أكثر.
ابتسم مسعود له و اومئ برأسه " كما تريد يا بني، المهم أن تبقى سالما معافا لعائلتك ". قال مسعود و هو يمسك بيد زوجته يقبلها مجددا، لكن هذه المرة دون أن تمنعه عايدة، لأنها تعرف أنه تذكر الماضي، و ما يحتاجه هو تذكيرها له أنها معه و لم تتركه.

أسيرها حيث تعيش القصص. اكتشف الآن