10: عاشق الجنة؟

952 45 37
                                    


الاقتباس:
<<< قدرك غريب أيتها الوردة...خلقت لتجملي المكان و تنشري رائحة الأحلام...فتجازين بقطع الآمال >>>

..........................................

تحت السماء الزرقاء الصافية التي حلفت ان لا تتخللها غيمة واحدة. و بصوت العصافير التي لا تهدأ و تكاد تكون مزعجة.
وقف رجل بظهر منحني و رأس منكس وسط ذلك الحقل البائس. يتأمل التربة الجافة و الشجرة العقيمة التي لم تثمر منذ سنوات بألم.
اقترب من شاهد القبر يزيل الأشواك التي التفت حوله تخبئ الحجر الرمادي الحزين، غير ابه بإنغراز الشوك في يديه.

" لا يجدر بي المجيئ إلى هنا...أنا اعلم...اساس ليس لي وجه لاقابلك به ". قال محمد بصوت مبحوح، دائما ما تخور قِواه في هاذا المكان، لهاذا توقف عن زيارتها منذ زمن. كان يموت و هو حي في كل مرة.
" أنا...اه...انا...ضائع...اجل أنا ضائع ".
ركع على الأرض الباردة يمسك حفنة تراب يعتصرها بين أصابعه. " ليس لي وجه في المجيئ و التكلم عن نفسي، انا السبب. أنا السبب في كل ما حدث...".
لم يعد قادر على إكمال جملته لينهار على الأرض كليا. امسك التراب المختلط بالحجارة و بقايا الشوك بكلتا يديه يستشعر خشونته. ثم رفع رأسه يحدق بذلك الحجر الذي هدم حياته. كل حرف كتب فوقه ينهش من لحمه كل يوم.
" الفاتحة على روح امواتنا...المرحومة ديلشاه اصلان بيه".
تنهد بكبت، يشعر أن روحه ستغادر جسده، و كم تمنى أن تفعل و يرتاح من عذابه...لكن دعائه لا يستجاب.
نهض ببطء ليمسح يديه و سرواله من بقايا التراب، فيأخذ قنينة المياه يفتحها و يسكب القليل على يده الاخرى فيبدأ برشها على القبر و الشاهد.
...اتمنى أن تطفئ هذه المياه القليل من النار التي اشعلتها بقلبك...قال في سره.

مسح تلك الدمعة الخائنة التي تسربلت من عينه، دليل على كسوره و خطئه...لا شيئ يشفع له، لا شيئ...
كانت خطته القدوم و الدعاء ثم الرحيل، ببساطة. لكن تأنيب ضميره و شوقه اليتيم لم يسمح، ليلتفت مجددا إلى القبر و يصرخ.
" ماذا كنتي تريدين مني أن افعل؟!!!...اه؟ ".
لوح بيديه في الهواء " إن لم أره الصور و أخبره بالحقيقة لكان ضعيف الآن!!!!...لقتلوه عند أول فرصة...لم أكن لاخسره يا ديلشاه!!! لا يمكن!!!.
اخذوكي مني..لم أكن لاسمح لهم بأخذ آخر ذكرى تركتها لي...كانو لينزعوا عظامه من جسده حي!!".
تلعثم في الكلام حتى عض لسانه، رغبته في تبرير فعلته عارمة...لم يردها أن تكرهه.
" أنا فعلت الصح يا ديلشاه...لأن شاووش عاد!!...لقد عاد لينتقم...و لأنه أحمق لا يأبه بالحقيقة!!!! مازال عازم على الانتقام الأعمى و الزائف. انا لست نادم على اخذي لك...انت كل حياتي. لن تسامحيني في حق ميران اعرف...لكن سامحيني في حق ذلك اللعين...لأنني سأضع رصاصة في جبهته و هذه المرة سأنهيه للابد ".
تقدم يمسح على شاهد قبرها بلطف " علي فعل ذلك...لم يصدقني منذ ثلاثة و ثلاثين سنة و لن يفعل الآن. لقد فقدت فرصة مقابلتك في الجنة، لكنني حميته يا وردتي. حميته من عذاب الحب و اساه.
و ان كان يرضيكي. سأعود في المرة القادمة يا ديلشاه...لا لطلب السماح أو الدعوة...بل لادفن بجانبك ".
انحنى يقبل الحجر مثل طفل ملهوث  يمسح عليه مجددا.
...سأعود لأكون جزءا من تراب هذه الأرض البور...بور مثل قدري...

أسيرها حيث تعيش القصص. اكتشف الآن