الجزء الأول: القرار

779 22 16
                                    

نظرت الى صغيرها الذي يغط في نوم عميق في مهده لتقول مخاطبة اياه و علامات الحزن تعتلي وجهها
" الليلة سيقرر مصيرنا انا و أنت يا عزيزي "
عدلت غطائه و سارت نحو النافذة تنظر عبر زجاجها الى القمر الساطع من خلف الغيوم يقاوم لايصال نوره الى أهل الأرض.  الجميع مجتكع الآن يناقشون القرار الذي سيتخذونه بشأن حياتها.
اليوم يكون قد مضى عام كامل على وفاة زوجها بسبب تعرضهما لحادث بعد اول اسبوع من زفافهما.
ويتم ابنها ثلاثة أشهر من عمره.
تنهدت انها لا تملك الحق فاتخاذ اي قرار يخصها الآن فعمها هو من سيقرر حول مصيرها.
هذه ثاني مرة يقرر فيها احد بشأن حياتها. فالأولى كانت يوم وفاة والدها و كان القرار هو زواجها من ابن عمها في التاسعة عشر من عمرها.
اما الآن فهي تعلم اي قرار سيتخذه عمها هذه المرة فقد كان محور الحديث بين الجميع منذ وفاة زوجها.
طرق الباب ليدخل الطارق مباشرة بعدها دون أن ينتظر اجابة.
اخذت ضربات قلبها تتسارع، رغم معرفتها بما سيقوله لها الا انها قلقة و خائفة بشأن ذلك و لا تريد هذا القرار.
وضعت يدها المرتجفة على حلقها باضطراب واضح بينما الشخص الآخر يسير نحوها و هو يضرب بعصاه المزخرفة الأنيقة أرض الغرفة. يتقدم باسطا منكبيه فارضا نفوذة و علامات الجدية تعلو وجهه.
" أهلا عمي "
خرج صوتها أبحًا متحشرجا
جلس العم على الكرسي مشيرا لها بالجلوس قباله ليبدأ حديثه مباشرة
" أنتي تعلمين لما انا هنا الآن يا ابنتي و بما اريد ان أحدثك"
اطرقت رأسها مجيبة بأسف و هي تدعو الله بأن يقول اي شيء عدا عن ما تفكر به.
" انتي أمانة أخي عندي يا أمل و يجب علي المحافظة على هذه الأمانة "
تمتمت في سرها
" لكن ليس بالطريقة التي تفكر بها يا عمي "
تابع العم حديثة و هو ينظر نحو المهد
" وخالد أمانة ابني عندي و يجب أن أحافظ عليها "
شعرت بالغصة في حلقة و هو ينطق بعبارته هذه.
اذا ما الذي قررته ياعم؟
كانت تريد ان تسأل، لكنها لا تقوا على ذلك.
فرك يديه ببعضهما و هو يسندها على العصا أمامه ليقول بحزم
" أنا تحدثت مع وليد و هو موافق على الزواج بك "
لا تدري لم صدمت بالقرار الذي كانت تعرفه سابقا، هل لأنها كانت متأملة بأن يكون قدر غير رأيه؟
أخيرا تحدثت قائلة
" عمي أرجوك أنا لا أريد الزواج ثم ان وليد متزوج و لا أريد أن أكون سببا للمشاكل بينه و بين زوجته "
عقد العم حاجبيه الرماديين الكثيفين ليقول بصوت حاد محافظا على هدوئه.
" لو كان لدي ابن آخر لزوجتك اياه ثم ان وليد متزوج منذ سنوات و زوجته لم تستطع ان تنجب له ولدا حتى الآن "
همت بالكلام الا انه قاطعها قائلا
" انا لن ارمي حفيدي الوحيد للغريب "
عقدت حاجبيها باستغراب
" أي غريب يا عمي ؟"
قال
" ان لم تتزوجي من وليد سيتزوجك ابن خالك فقد حدثني عن رغبته بذلك منذ ايام "
حدقت مذهولة
" لكنني انا لن أتزوج يا عمي، لا أريد الزواج بأي منهما سأهتم بابني و أربيه بنفسي "
حاول استعطافها بان قال بصوت حزين
" أمل يا ابنتي انا رجل كبير في السن و لن ابقى على قيد الحياة للأبد أريد أن أطمئن عليك و لا يوجد شخص أثق به كوليد لأضعك في عهدته "
قالت في محاولة يائسة و الدموع بدأت تتجمع في محجريها
" عمي لا أريد أن أتزوج و لا أريد أن أخرب حياة وليد وزوجته، اعدك بأني لن اتزوج من آخر و سأعتني بابني جيدا سأبقى عندك هنا، في بيتك "
قالت جملتها الأخيرة برجاء واضح
عاد لحدته
" أمل انتي الآن في العشرين من عمرك اي في سن صغيرة جدا لن تظلي عزباء طوال حياتك  و تحتاجين الى من يساندك في هذه الحياة، ثم ان وليد و زوجته قد وافقا على هذا الزواج "
سألت رغم تأكدها من الجواب
" وافقا أم ارغمتهما على الموافقة ؟ "
وقف يهم بالرحيل ليقول قبل أن يغادر
" المهم جميعنا متفقين على زواجك من وليد "
تعلم بأن الجميع ضد الفكرة الا انه لا يجرأ شخص على رفض قرارات عمها الصارمه و لا حتى هي صاحبة الشأن. تعلم بأن زوجة عمها تكرهها و تعتبرها نذير شؤم على عائلتها بعد وفاة ابنها. و كذلك بنات عمها ليلى و سلمى يعتقدان بأني سأكون سببا في تعاسة أخيهما الأكبر.
حملت صغيرها الذي بدأ بالبكاء لتنهار دموعها معه. اخذت تقبله و تشم رائحته و كأنها تطلب المواساة منه.
" يبدو أن حياتنا لن تكون سهلة يا خالد "
قالتها من بين عبراتها.
طرق الباب مجددا لكن هذه المرة لم يفتح، بل جاء صوت من خلفة:
" أنا وليد يا أمل، هل استطيع الدخول؟"
حدقت بالباب مصدومة!
وليد!
ما الذي يريده؟
وضعت صغيرها في مهده من جديد رغم بكائه
مسحت دموعها بارتباك و لفت شالها حول رأسها على عجل بيدين مرتبكتين.
فتحت الباب، لتطل عبر فتحته تنتظر ان يقول وليد ما جاء لأجله الا انه قال:
" أيمكنني الدخول لبضع دقائق "
اذا فهو جاء ليتحدث بذات الموضوع
تنحت جانبا  سامحة له بالدخول، ليعبر مباشرة نحو الصغير الذي كاد ينقطع صوته من كثرة البكاء.
حمله يهزه بين ذراعيه حتى هدأ ليقول بعدها:
" لأجل هذا الصغير انا وافقت على عرض أبي "
أحست بوجهها يشتعل و بأن قلبها يكاد يقفز من حلقها. فالوضع مربك و مخجل في الوقت ذاته.
لم تستطع ان تعلق و لا حتى بكلمه.
سار نحوها ليعطيها الصغير، ليقول و هو ينظر في عينيها
" لكنني سأفعل ماتريدين و لن يجبرك شخص على شيء لا تريدينه يا أمل "
أضاف و هو يدعو نفسه للجلوس على ذات المقعد الذي جلس عليه والده:
" لكن قبل أن تقولي شيئا يجب أن تسمعيني "
تابع حين لاحظ صمتها و اصغائها:
" أعلم بأنك لا تفكرين في الزواج أبدا، فأي واحدة في ظروفك ماكنت لتفكر بذلك الآن. أبي مر بأزمة صحية ليلة البارحة و ادخل المستشفى على اثرها، كانت أزمة قلبية"
شهقت قائلة
" لم أكن أعلم "
تابع حديثه
" انه يفكر بأمرك منذ مده و ماحصل البارحه جعله يتعجل في قراره و بسبب ماحصل البارحه وافقت انا على الموضوع و الا ليس سهلا علي تقبل فكرة الزواج مِن مَن كانت زوجة أخي "
قاطعته قائله: 
" بغض النظر عن قراري و مصيري لا أريد افساد علاقتك بزوجتك و ...."
قاطعها هو الآخر
" هند موافقة "
"ماذا!!!"
هتفت مصدومة
نظر اليها ليقول بجدية
" لكن لديها شرط "
حدقت به تنتظر ان يكمل
" ان يكون زواجا على ورق فقط "
تابع موضحا
" أي لن يكون زواجا حقيقا، ستكونين زوحتي بالاسم فقط "
لا تدري ماذا تقول الآن، تشعر بأن دوار أصابها جعلها تجلس منهار على الكرسي قبالة.
قال و هو يدرس تعابير و جهها
" أظن بأن ذلك يناسبك "
يناسبها ؟
قالت و هي تستجمع قواها
" لا داعي لهذا كله انا لا اريد الزواج بك او بغيرك كل ما يهمني هو ان اربي ابني "
مال الى الأمام قليلا مسندا ذراعيه على ركبتيه
" ابي غير مقتنع بذلك كما وان زواجنا سيكون شكلي لاراحة ضمير أبي و الجميع يعلم بذلك و هذا كان شرطي لأبي أنا و زوجتي  "
وقف ليقول قبل أن يغادر
" أمل اعلمي بأني سأهتم بك و بخالد و أعتني بكما كما يجب و سأعمل على رعايتكما جيدا فأنتم أمانة عندي "
كلام وليد جعلها تشعر بشيء من الراحة ما الذي سيحدث غير انها ستبقى في هذا المنزل ترعى و تربي ابنها الشيء الوحيد المتبقي لها في هذه الحياة.
على العموم هي لم يترك لها اي قرار و الجميع يبدو متفقين على زواجها الشكلي من وليد.
وليد كبير هذه العائلة بعد والده يكبرها بخمسة عشر عاما، متزوح منذ عشر سنوات دون ان ينحب له طفل.
ترى ما الذي ينتظرها و ما الذي تخبئه لها الأيام؟

عطوني رايكم
أكمل ولا؟

لا حياة لي من دونك .... مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن