الجزء 11: إنه هنا الى جانبي

446 19 18
                                    

في طريق العودة الى المنزل كانت أمل تشعر بالخجل الشديد، اذ كيف سمحت لنفسها بأن تنهار و تتحدث عن مايجول في خاطرها. صحيح ان كلامه اسعدها و جعلها تشعر بالارتياح، الا انها محرجة جدا.
" هل تستطيعين القيادة؟"
جاء سؤاله مفاجئا
حدقت به غير متأكدة ان فهمت سؤاله، ليكرر
" هل تملكين رخصة قيادة "
ابتسمت بحزن و تعود بالزمن للوراء متذكرة تلك الايام التي قضتها مع والدها في تعلم القيادة، اجابت بصوت لا تخلو منه نبرة الحزن
" كان ابي قد دربي على ذلك حتى انني بدأت في أخذ الدروس من أحد المراكز، لكني توقفت حين توفي "
مد يده يحتضن كفها في مواسات لها، ليقول و بوجه مبتسم.
" لا بأس سنلحقك في أحد المعاهد، حتى تستطيعي الذهاب الى جامعتك متى شئتي "
قالت ممتنة
" شكرا لك، لقد كنت أفكر في ذلك فعلا "
مسح على رأس الصغير الراقد في حضنها
" يبدو مجهدا "
ردت سعيدة
" لقد لعب كثيرا و كان في غاية السعادة، شكرا لك "
قال بانزعاج
" الا تلاحظين بأنك تشكرينني كثيرا؟"
اطرقت رأسها خجلة
" لانك تستحق ذلك "
قال بجدية
" كلا يا أمل هذا واجبي ثم انني اسعد كثيرا برفقة خالد"
حين وصلا للمنزل كان الوقت متأخرا وليد حمل الصغير خالد كي تتمكن أمل من اخراج المفتاح من حقيبتها و تفتح باب. حين همت بأخذ الصغير منه اشار لها بأنه هو من سيأخذه و يضعه في السرير. سبقته و أضائت له النور في المكان.
و قبل ان يضعه في فراشه قبله قبلة طويلة اخذ معها نفسا عميقة من رائحته ثم انزله في سريره ليخرج بعد ان غطاه.
شعرت أمل و هي تراقبه بأنه يحبه فعلا و بأن خالد يحتل مكانة غالية عند وليد.
" اذا، تصبيحين على خير "
قال ذلك يهم بالانصراف، لكن أمل استوقفته
" تستطيع البقاء هنا "
قالت جملتها لتندم بعدها شاعرة بالاحراج
وضحت حين التفت اليها
" اعني لم تبق وحدك فلا يوجد احد في المنزل "
وحين لم يعلق او يقل شيئا بل بقي يحدق بها بنظرات غريبة
تكلمت بارتباك اكثر وهي تشير الى احدى الغرف الثلاثه الموجدو في المنزل.
" استطيع تجهيز غرفة لك "
اخيرا قال مرحبا بالفكرة
" تبدو فكرة عظيمة فأنا لن أطيق البقاء وحيدا "
ابتسمت بارتياح.
بسرعة باشرت بفتح الغرفة التي كانت تخص والدها قبل وفاته كانت سابقا قد اهتمت بها و نظفتها. وضعت غطاء نظيفا و جديدا للسرير و اهتمت بالنواقص.
و بينما هي كانت تقوم بذلك هاتفها لم يتوقف عن الرنين. قال وليد متفهما
" تستطيعين الرد "
لكنها ردت
" لقد انتهيت تقريبا "
و ما ان انتهت حتى خرجت من الغرفة تجيب على ابنة خالها المزعجة
" لم لا تجيبين؟"
سألتها مباشرة
" عندما لا أجيب يعني انا مشغولة كان عليك انت تفهمي ذلك "
ثم قالت الاخيرة معترضة
" لا و الله يا ابنة عمتي يحق ان اقلق عليك فانتي تبقين وحيدة في منزلك "
ردت عليها بابتسامة حالمة
" لست وحيدة "
تابعت الأخيرة ثرثرتها
" صحيح ان خالد معك لكنه...."
قاطعتها امل
" انه هنا !"
هتفت ريم مذهوله
" من؟"
اجابت امل بحياء
" لقد عاد من السفر ليطمئن علينا "
هتفت الأخرى
" هل تقصدين وليد؟"
ثم قالت على عجل
" يال غبائي و انا ازعجكما في مثل هذا للوقت،خذي راحتك مع زوجك و سأحدثك غدا "
حاولت أمل أن تتداركها
" ريم مهلا !"
لكن طنين الهاتف من أجابها، ابتسمت ساخره، هل كانت ستوضح لها بأنها مخطئة، هل كانت ستخبرها بأن زواجهما على الورق فقط و بأن كل منهما سينام في غرفة منفصلة.
تنهدت بأسى لتسير خارجة وتجلس امام المدخل تتأمل المساء كما تحب. مفكرة بان هذا اليوم قد يكون أفضل و أجمل أيامها منذ مدة طويلة حتى منذ وفاة والدها.
بعد برهة انضم وليد اليها
" ألم تنم؟"
تنهد و هو يجلس قربها يقول بصدق
" هناك أمور كثيرة تشغل تفكيري "
لا داعي أن تسأل عن ماهية هذه الأمور، فهي تعلم أن صحة والده و هند هم من يشغلون تفكيره او على الأقل القسم الأكبر منها.
قالت في محاولة للتخفيف عنه و هي تحدق متأملة نحو البعيد.
" دائما ما اقنع نفسي بأن هذه الحياة قد رسمت سابقا لنا و ان اقدارنا قد كتبت و لا يسعنا ان نغير شيء، نتوكل فقط على رب العالمين لذا لامانع ان ارحت عقلك من التفكير ان كنت مؤمنا حقا بذلك"
ابتسم و هو يتأمل جانب وجهها
" اتعلمين يا أمل؟ لا اشعر بأن فارق العمر بيننا كبير بل احيانا اشعر بأنك قد تكونين اكبر من عمرك بعقلك الذي تملكين "
كلمه بطريقة ما، جعلها تضحك، بل قهقهة بصوت عالي حتى دمعت عيناها.
" لم الضحك؟"
سألها رغم سعادته بضحكها
قالت و هي تحاول تمالك نفسها
" هل ابدو لك عجوزا ؟"
ثم اضافت
" و انت بوجهك المتجهم هذا تبدو شيخا كبيرا "
تظاهر بالذهول
" يا الاهي، هذه اول مرة يصفني أحد بالشيخ الكبير "
ثم عادت لجديتها
" هموم الحياة و احزانها هي من تجعلنا نبدو اكبر من اعمارنا "
حين التمس نبرة الحزن في صوتها، ندم على كلامه منا جعله يمسك بكفها يحتضنها بكلتا يديه، قائلا يقطع عهدا على نفسه
" لن تري حزنا بعد الآن باذن الله "
اضاف
" فكري بالحياة التي ستقدمينها لخالد، و اي نوع من المستقبل ينتظره "
تنهدت
" اساسا لا هم لي في هذه الدنيا غيره "
في هذه الليله سهرا لوقت متأخر يتحدثون في امور مختلفة جميعها بعيدا الهموم المشاكل. من خلالها تعرف وليد على أمل اكثر و تعرف على ميولها و هوايتها. فقد عرف بأنها تهوا القراءة و الكتابة و انها مثقفة جدا رغم انها لم تكمل دراستها الجامعية الآن، على عكس الكثيرين ممن يعرفهم و تفاجأ من اهتمامتها التي كانت بعيدة كل البعد عن الموضة و التجميل و التسوق و حتى السفر اهتمامها به للتعرف على الشعوب و حضاراتهم و ليس مجرد ترفيه.
اما أمل فقد عرفت ان وليد شخص طموح و مثابر و يحب ان يصنع نفسه بنفسه غير معتمد على والده، يتحلا بالمسؤولية كما انه يحب الرياضة بجميع انواعها و يمارسها بين فترة و اخرى.
في صبيحة اليوم التالي استيقظت أمل على صوت صغيرها يلعب في سريره، نظرت اليه بكسل من سريرها لتقول مخاطبة اياه
" هل استيقظت بمزاج جيد يا خالد؟"
حدق بالسقف و هي تعترف لنفسها بأنها هي ايضا استيقظت بمزاج جيد بعد ان حظيت بنوم هانئ و عميق.
القت نظرة على الساعة في هاتفها لتكتشف انها تاخرت في الاستيقاظ و أنه يجب ان تنهض لتعد الافطار لوليد.
بعد ان غيرت لصغيرها و بدلت منامتها، خرجت على مهل من الغرفة آملة بأن يكون وليد لايزال نائما، لكنها وجدته يجلس على طاولة المطبخ يضع رأسه بين يديه و كوب القهوة أمامه.
" صباح الخير"
القت التحية محرجة
رفع رأسه يرد عليها التحية بصوت متعب
سألته قلقة
" هل أنت بخير؟ تبدو مريضا "
كان وجهه شاحبا
اجابها
" لقد اتصل بي زوج سلمى، انتكست صحة أبي فجأة و علي أن أعود اليهم"
شهقت مصدومة واضعة يدها على صدرها
" كيف هو وضعه؟! "
" ادخل العناية المشددة، انهم يجرون الازم له "
القى بظهره على مسند الكرسي ليقول و هو يهز رأسه
" قد لا يخرج منها هذه المرة يا أمل "
كان يبدو فاقدا للأمل، يائسا، حائرا.
اقتربت منه قائلة
" لا تقل ذلك، سيكون بخير باذن الله "
ثم أضافت تسأله
" هل يمكنني الذهاب معك؟"
حدق بها لبرهة و كأنه يكرر السؤال لنفسه.
ثم أجابها و هو يشيح ببصره بعيدا عنها
" لا أعتقد ذلك، من الأفضل أن تبقي "
اطرقت بصرها لتبتسم بعدها ساخرة
" و أنت أيضا تعتقد بأني سأكون شؤم "
وقف في مكانه مستنكرا
" ماهذا الكلام يا أمل؟"
رفعت بصرها اليه لتلتقي عينيهما
" لا تنكر، لهذا لا تريد ذهابي معك "
تجمعت الدموع في عينيها التي لاحظها وليد مباشرة
" الأمر ليس هكذا يا أمل "
قالت بصوت حاد
" انت تخشى ان يحدث لوالدك شيء ان زرته، أليس كذلك؟ لا تنكر ؟"
انحدرت دموعها على خديها، فهي ستتحمل هذه النظرة من الجميع لكن ان ينظر لها وليد بأنها شؤم هذا ما لن تستطيع تحمله.
اقترب منها وليد بعدم رضا وضع كفيه على كتفيها و قال متعاطفا
" لا أريدك ان تسمعي كلام جارحا من امي، من المؤكد انها ستكون منهارة و منفعلة، كما و أنه من الصعب على خالد البقاء في اروقة المستشفى لأوقات طويلة ولن استطيع تركك في السكن وحدك في بلد غريب"
أطرقت بصرها بحزن
" أريد أن أرى عمي "
رفع ذقنها باصبعه قائلا و هو يرسم ابتسامة
" سترينه باذن الله "
أضاف
" يجب أن أذهب الآن، لقد حجزت لي مقعدا منذ قليل و موعد الطائرة قريب"
نظرت اليه بعينين خائبة فهي لا تريد ان يرحل و يتركها وحيدة مرة أخرى.
" هل أستطيع أن أساعدك بشيء؟"
ابتسم لها
" أجل "
ثم قبلها على جبينها بلطف ليقول بعدها
" اعتني بنفسك و بالصغير خالد جيدا الى حين عودتي "
هزت رأسها مجيبة و هي تحاول ان تكبت رغبتها في البكاء.

لا حياة لي من دونك .... مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن