الجزء الثاني: كوني قوية

351 26 19
                                    


اليوم عقد القران بشكل عادي جدا، أم أنه يجب القول بشكل غير عادي. فالعادي هو ان تقام حفلة صغيرة على الاقل لهذه المناسبة. لكن في وضعها، فهو مجرد اجراء يتخذ لاستمرارية حياتها في منزل عمها.
انها حتى لم تقم بالتوقيع على عقد الزواج فقد كان عمها هو من فعل ذلك بدلا عنها.
لم تكن ترغب في الانضمام الي العائلة على مائدة العشاء، لكنها مجبرة على ذلك كي يبدو الامر طبيعي و تعود الحياة الى مجراها الطبيعي.
لا تزال ترتدي ملابسها المحتشمة و تضع حجابها فبالنسبة لها لم يتغير أي شيء. القت التحية و جلست الى جانب زوجة عمها سلوى التي كانت تجلس على يمين زوجها.
لتنضم ليلى و سلمى بعد طول الانتظار و أخيرا انضمت هند التي كانت في كامل اناقتها و حيويتها.
القت التحية بمرح مبالغ
" مساء الخير جمعيا، آسفة على تأخري "
قالت ذلك لتجلس قبالة أمل و هي ترسم ابتسامة على شفتيها المطليتين بلون صارخ جذاب.
" وليد سيتأخر فلديه عمل يقوم به لن ينضم الينا "
اعلنت ذلك ليبدأ الجميع بتناول العشاء.
سألت زوجة العم
" ليس من عادة وليد أن يتأخر و لاينضم إلينا على عالعشاء، عسى المانع خير ؟"
ليجيب العم دون أن يرفع عينيه عن الطبق
" لقد طلبت منه القيام بأمر ما ضروري"
لتتجه جميع الأنظار الى امل و كأنها هي ذلك الأمر الذي عليه انجازه.
لاحظت بأن بريق عيني هند انطفأ ليصدق ظنها بأن ذلك الأمر متعلق بها فعلا.
و من جهاز مراقبة الطفل انبعث صوت الصغير خالد باكيا.
لتعتذر مغادرة المائدة دون أن تتناول طعامها.
في الحقيقة لقد انقذ خالد الموقف. منذ وفاة زوجها و هي لا تشعر بالراحة معهم أو بالانتماء اليهم.
اساسا حتى قبل الزواج لم تكن أمل شخصية اجتماعية، فقد كانت تعيش وحيدة مع والدها بعد وفاة أمها، ولم تكن علاقتها جيدة ببنات عمها. كما ان زواجها لم يدم طويلا حتى تتوثق علاقتها بالجميع، بل على العكس أصبحت أسوأ.
بعد أن ارضعت صغيرها و تعبت كثيرا حتى نام فعلى ما يبدو بأن حليبها لم يكفيه. ربما بسبب الضغوطات النفسية التي تمر بها.
نظرت الى نفسها في المرآة.
لا تدري لما قارنت نفسها بهند الجميلة المتألقة صاحبة القوام الفاتن، بينما هي نحيلة و شاحبة بشفتين باهتتين و عينين تحيط بهما الهالات الداكنه.
مررت يدها على الندبة جانب عنقها و التي ترتسم بخط طويل وعميق لتبقى دوما موجودة تذكرها بالحادث الذي تعرضت له و هي عروس.
كانت معجزة ان بقيت على قيد الحياة و المعجزة الأكبر هي حملها الغير متوقع بخالد.
انها ترى اللوم دائما في عيني زوجة عمها، و كأنها تقول لها
لم أنتي بقيتي على قيد الحياة و ليس جاسم؟
تنهدت بتعب حين عاد الصغير للبكاء لتحاول ارضاعه مجددا و يغفو من جديد على صدرها.
فكرت بأنها يجب أن تذهب لتناول شيء ما فهي ان بقيت على هذا الحال سينقطع الحليب عن طفلها.
نظرت الى الساعه التي تشير الى الثانية عشرة، فكرت بأنه يمكنها النزول الى المطبخ و تناول شيء سريع.
و على مهل غادرت غرفتها كي لا توقظ الصغير و نزلت السلالم بكل هدوء و سط الأضواء الخفيفة.
و لأنها لم تجد شيئا يؤكل أخذت تعد لها شطيرة بشكل سريع، لتجفل فجأة حين اشعلت انوار المطبخ.
" ما الذي تفعلينه هنا في مثل هذا الوقت "
كان وليد، يقف عند الباب مستغربا.
قالت باحراج من موقفها
" لم استطع تناول عشائي و الصغير يبكي.. "
ثم سكتت لشعورها بالخجل
تقدم نحو و هو يقول مبتسما
" لا بأس يا أمل لا داعي لكل هذا الخجل "
أضاف و هو ينظر الى ماكانت تعده
" و أنا أيضا لم أستطع تناول شيئ حتى الآن "
" سأعد لك شيئا ان كنت ترغب" 
قالت ذلك بارتباك و هي تدفع شعرها خلف اذنها بحركة لا ارادية لتدرك بأنها تقف امامه دون حجاب و بقميص نوم قطني طويل.
اشتعل و جهها خجلا و اندفعت تهم بالخروج، لكن وليد لم يتحرك من مكانه، بل نظر اليها بجدية
" أمل تستطيعين أخذ راحتك في المنزل "
اضاف
" بعد أن تنهي العشاء هناك امر اريد أن أريك اياه "
مشرا الى الملف الذي كان يحمله.
عادت نحو شطيرتها لتنهيها و تعد أخرى غيرها لوليد. 
في هذه اللحظة تعالى صوت الصغير باكيا من الجهاز الموضوع على منضدة المطبخ.
" سأذهب لرؤيته تستطيعين انهاء عملك "
قال ذلك ليتحرك متجها نحو غرفتها دون أن يترك لها مجالا للاعتراض.
و من ذات الجهاز سمعته و هو يصل ليحمل الصغير و يتحدث معه مهدئا اياه.
تساقطت دموعها رغما عنها، فهذه اول مرة يحمل شخص غيرها خالد. رغم انه اول حفيد لهذه العائلة غير أنه لم يحضى بالحب المتوقع. عزت ذلك الى حزنهم الشديد على فقدانهم المفاجئ لابنهم.
استمر بكاء الصغير مما جعلها تتعجل في عملها و تصعد مسرعة تحمل الطبق معها.
حين دخلت كان وليد يبدو متورطا مع الطفل البكّاء. وضعت الطبق على منضدة قريبا لتتناول ابنها و هي تضحك.
علق وليد معترضا
" أتضحكين علي؟ ابنك هذا لم يعطني اية فرصة حتى اتصرف معه"
قالت مبررة بكاءه
" انه يبكي طوال اليوم على غير عادته "
سأل بقلق
" أهو مريض ؟"
هزت رأسها
" يبدو بأنه جائع "
سأل و هو يبحث بعينيه في المكان
" اليس لديك حليب "
أجابت بأسف
" لم أجرب معه غير الرضاعة الطبيعية "
قال بجدية
" ستحتاجين الى الحليب يا أمل، انظري كم هو جائع، كما انه يجب ان تهتمي اكثر بغذائك فهذه الشطائر لن تنفعك في شيء "
اضاف و هو يهم بالخروج كي تأخذ راحتها في ارضاع صغيرها
" سأنتظرك في الرده "
التقط شطيرته و الملف و خرج مغادرا الغرفة.
استغرقت وقت طويلا حتى استطاعت تهدأة الصغير حتى  نام من شدة التعب.
فتحت الباب و هي تشعر بالاحراج من تركها لوليد ينتظر طويلا، لكنها لم تجده بل وجدت كيسا يحتوي على علبة حليب للاطفال و زجاجات للرضاعة الى جانت فيتامينات للأم المرضع.
ابتسمت ممتنة و شعور بالاطمئنان ينتابها لقاء اهتمام وليد بهم.
فكرت بانه يقوم بذلك لانها اصبحت و ابنها من ضمن مسؤولياته لكن مع ذلك اراحها بأن تشعر أن هناك من يهتم بهم الى جانب عمها.
في صبيحة اليوم التالي استيقظت مبكرا جدا رغم نومها المتأخر فيبدو ان خالد الصغير ليست لديه رغبة بالنوم. حملته و خرجت به الى حديقة المنزل فالجو جميل و الشمس لطيفة في مثل هذا الوقت المبكر.
اخذت تسير مفكرة و هي تشتاق لوالدها فقد اعتادت ان تجلس معه كثيرا في باحة منزلهم المتواضع يتناولون افطار الصباح مبكرا. كم اشتاقت اليه!
رحمك الله ياوالدي.  
لقد قدر الله لها بأن تعيش دوم ام او اب او حتى اخوة، لكن الله وهبها طفلها و ستفعل المستحيل كي تعتني به و يعيش حياة كريمة دون شعور بالنقص.
جاءها صوت عمها من بعيد يدعوها للانضمام اليه و زوجته و هما يجلسان في الحديقة.
ابتسمت مرحبة بالفكرة و اتجهت نحوهم.
القت تحية الصباح و جلست قبالهم ليسألها عمها ببشاشة
" كيف هو حفيدي هذا اليوم سمعته يبكي كثيرا ليلة البارحة "
قالت معتذرة
" آسفة ان كان أزعجكم "
" لقد كان جائعا يا أبي "
كان هذا وليد قد انضم اليهم
" آمل ان يكون الحليب الذي أحضرته مناسبا "
التفتت اليه شاكرة
" أنه كذلك، شكرا لك "
هنا قالت زوجة عمها بعدم رضا
" السائق موجود ان كنتي بحاجة الى أي شي تستطيعين طلب ذلك منه او حتى الذهاب بنفسك "
اطرقت رأسها و هي تفهم الرسالة
" شكرا خالتي، بالتأكيد سأفعل ذلك"
اقترب وليد من الصبي الذي كان يصدر اصوات طفولية و يلعب ليحمله و يقول مخاطبا اياه
" أرى بأنك اليوم في مزاج جيد أيها المشاكس"
" رفقا على الصغير يا وليد "
قال العم بقلق من طريقة حمل وليد للطفل.
قبله وليد من وجنته
" انظري اليه يا أمي كم هو جميل "
ليضعه مباشرة في حضنها
" هيا يا وليد سنتأخر "
كانت هذه هند تنادي زوجها و هي خارجة تعبر نحو السيارة.
" لم كل هذه العجلة؟"
سألت زوجة العم مضيفة
" ألن تتناولا الافطار؟"
أجابها و هو يعدل من هندامه
" كلا يا أمي لقد وعدت هند بتناول الافطار في الخارج قبل الذهاب للعمل "
ابتسمت الام برضى
" انت لا تزال تدللها و كأنها عروس "
غمز لها وليد
" و هي كذلك "
أمل شعرت بوخزة ألم في صدرها فهي لم تعش هذه الأجواء أبدا و لم تعرفها.
ففي ذلك الاسبوع الذي عاشته كعروس كانت بالكاد تتعرف على زوجها و تتأقلم معه.
صحيح ان جاسم كان شخصا طيبا، ودودا و متفهما . لكنها لم تكن معتادة عليه و لم تكن بينهم هذه الودية.
بتأكيد جرحها فراقه و حزنت عليه فهو والد طفلها السبب الوحيد لتمسكها بهذه الحياة.
ربما الله انجاها من ذلك الحادث لانها كانت تحمل روحا لم تخلق بعد.
" ان وليد يحب هند كثيرا بالرغم من كونها لم تنجب له الأبناء "
كانت نبرة زوجة عمها واضحة و هي تحاول أن تغيظ أمل. لكن أمل لم تكترث فكل ما تتمناه لهما هو السعادة.
هنا تحدث العم بعدم رضا من كلام زوجته سلوى
" لو يسمع كلامي فقط، لكان ملأ علينا البيت بالأحفاد"
وضعت امامه الصغير قائلة
" وهذا اليس حفيدك ؟"
التقطه العم ليقول مبتسما في وجه الصغير
" هذه أجمل هدية من الرب يا سلوى "
*******

لا حياة لي من دونك .... مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن