رسالة

17 1 0
                                    

لم يكن الأمر مخطط له .
ولم تخطر الفكرة بعقلي من قبل

بل كان يوم اكثر من عادي رمادي كما هو المعتاد باهت للغاية لدرجة يكاد ان يكون شفافا في رزنامة ايام العمر التي نعيشها .

كنت أحاول التركيز في ايا مايكن اللاشيء الذي كنت أحاول فعله من دون رغبة في القيام به ..

ادركت اني لا اريد ان اعيش على غفلة . ادركت ان الامر ليس على ما يرام وانني وهذا العالم نسير في خطين متوازيين لاينحني احدهما ليلتقي بالآخر ..

انه كان يلفظني خارجا كلما اقتربت منه كما يلفظ الحوت الماء من جسده . ويرمي بي بعيدا كما لو كنت رصاصة طائشة في مدفعية مليئة بالصدئ ..

كلما كنت جزء منه كان يسحبني من تلابيبي وينظر لي بازدراء ثم يرمي بي الى حاوية التيه ..لاضيع في كل مرة أحاول إيجاد نفسي فيها  . وأحاول امضاء ايامي في ممارسة حياة لم تكن لتناسبني..لاكون نسخة اخرى من كل النسخ المكررة التي انشأها هذا الكون الصارم .

تحت قوانين حادة حمقاء تسمى بالمجتمع ..ادركت أني تعبت كل مرة من محاولة التأقلم ومحاولة شق الطريق المستحيل الى الذات التي اردت ان اكونها ..  انه من المستحيل لي ان اكون الذات المستنسخة التي ارادها الكون  .

واني لست بالقوة الكافية للاستمرار في معاناة كهذه . لم تكن حياتي بائسة لا مطلقا على العكس كانت حياة مليئة بالنضال ورائعة لكنها لم تكن حياتي .. وهنا تكمن المشكلة كانت حياة المجتمع. 

حياة في محاولة رسم نظرة الفخر ورد الامتنان لوالدي . و اثبات اني فتاة جيدة . المحافظة على  نفسي وعلى سمعة يرتضيها من يعلم عنها .

الحفاظ على ديني .والتذبذب مابين حرام وحلال في كل صغيرة وكبيرة. 

كانت حياة كل شخص عرفته لكنها لم تكن حياتي لانها لم تسخر لأجلي.  نكذب حين نقول ان القدر من صاغها بهذه الطريقة وماهي إلا كومة من الاختيارات التي اخترناها او خيارات المحيطين بنا .

بينما تتكوم احلامنا على الوسائد جاعلة قلوبنا تتقلب ذات اليمين والشمال لوعة على كل ورقة تسقط من شجرة الاماني الخائبة لتلحق باخوتها .

كنت اعيش طوال تلك السنوات كل هذا ..لكن ادراكه بغتة كان شيء اخر كان ضربة قاضية اودت بي علمت حينها ان كل الالام الجسدية التي اعاني منها والامراض التي تحتضنني لم تكن إلا انعكاس للعتمة المرة للتي استحوذت على كل شيء في الاعماق .

تعلمون ؟ لم اشعر بالانتماء يوما ولا بالسعادة التي تجعل قلبي يرفرف وكلما حدثت سرقت مني وكاني لا استحقها .

شعرت دوما اني لا انتمي الى هنا لا للمكان ولا للاشخاص ولا حتى للجسد الذي تسكنه روحي اشعر بانه ليس لي وكأني ضيفة فيه ..ضيفة ثقيلة للغاية 

لذا قررت الرحيل فقد اكتفيت من كل ماحدث ومايحدث . صدقوني لقد حاولت .. لكن كل شيء كان اكبر مني ومن طاقتي على تجاوزه  ..
 

الوداع.

وجدت هذه الرسالة بجوار سريرها ..اما هي فصعدت عند الفجر إلى السطح وبينما تداعب اشعة الصباح الاولى وجهها مع النسيم .. حلقت عاليا تاركة يوم جديد يبدأ من دونها. 

النهاية .

كلمات حيث تعيش القصص. اكتشف الآن