عندما عدتُ للجزيرة التي يشبه شكلها شكل الهلال، وتتوسط المجرى العريض للنهر الذي يقطع هذه السهول لجزئين، كنت واثقة أنه لم يعد بعد.. ليس هذا موعد عودته، ولن يطأ أرض هذه الجزيرة قبل منتصف الليل، بينما لم تكدْ الشمس تغرب بعد في هذه اللحظة.. لذا بكرّتُ بالعودة لأتمكن من الحصول على بعض الوقت لإتمام ما جئت لأجله.. ما انتظرته سنوات وسنوات طوال..
هرعتُ راكضة نحو كوخ متوسط الحجم لا يوحي بأي رفاهية ولا يشي بأي وضاعة كذلك، يقع على رأس هذه الجزيرة.. اندفعتُ نحو غرفة معينة من غرف ذلك الكوخ، وفتحت قفل بابها بسهولة قد تثير دهشة صاحبها عندما يعلم بالأمر.. أسرعت بتفتيش الغرفة تفتيشاً دقيقاً قالبة محتويات بعض الصناديق وأنا أبحث عن هدفي بشكل محموم.. كان العرق يتصبب غزيراً على جبيني ووجهي، ورجفة قلق اعترت يداي لما أنا مقدمة عليه، لكني تجاهلت ذلك وأنا أرمي محتويات الصناديق بإهمال قبل أن أستدير نحو الفراش الخشبي القريب وأرفع الحشية عليه للبحث عما تحتها غير عابئة بالغبار المتكدس تحت السرير وعلى الأرض الخشبية التي قلما تطالها يد بالتنظيف.. وبعد بحث طويل في أرجاء الغرفة، عثرت على صندوق مخفي بشكل محكم وسط تجويف خاص في قلب أحد الكتب الكثيرة التي تناثرت في الغرفة.. أمسكت الصندوق الصغير وفتحته بيد ترتجف.. ووسطه، استطعت أن أجد تلك اللفافة الصغيرة العتيقة ذات الأطراف المهترئة.. فتحت اللفافة بحذر وتأملت محتواها بنظرة سريعة بخبرة كافية لأدرك أن هذه اللفافة تحوي ما أبتغيه من هذا البحث المحموم.. فتنهدت وأنا أرمي الكتاب جانباً وأنهض هامسة بلهفة "أخيراً.."
انتهى ما كنت أفعله بعثوري على مبتغاي، فاستدرت مغادرة بسرعة وأنا أخفي اللفافة في ثيابي.. الآن يحق لي أن أهنأ بالاً وقد حصلت على كل ما أبغيه من هذا الكوخ الذي كاد يكتم أنفاسي طوال بقائي فيه..
أسرعت بلهفة نحو باب الغرفة منتوية أن أغادر هذه الجزيرة دون عودة، عندما فوجئت بذلك الجسد الذي سدّ علي المخرج.. أطلقت شهقة خافتة بسبب التوتر الشديد الذي كنت عليه، وتراجعت خطوات بارتباك واضح محدقة بالرجل الذي تقدم نحوي بدوره قائلاً بصوت حمل تعجباً خفيفاً "ما الذي تفعلينه هنا؟.. ظننتك لم تعودي من مهمتك بعد.."
لم أكن بحاجة لاختلاق أي تبرير لوجودي هنا، فالغرفة المقلوبة رأساً على عقب تشي بما لا يمكن إخفاءه بكلمات.. تراجعت خطوة أخرى محاولة ألا ألفت انتباه الرجل للفافة المخفية في ملابسي.. لكنه أدرك ما جرى بنظرة سريعة للكتاب الملقى جانباً والصندوق الفارغ قربه.. فزفر باستياء وقال "لم أتوقع أن تخالفي أمري بهذه الصفاقة يا فتاة.."
ومد يده إلي بأمر صامت لا يقبل الجدال، لكني لم أستسلم له بسهولة بعد كل ما تكبدته لأحصل على اللفافة، فقلت باندفاع "لماذا؟.."

أنت تقرأ
طريق الأطياف
Fantezieطفلة هاربة، تسلك طريقاً لم يسلكه البشر قط.. لتجد نفسها في عالمٍ لا تدري ما ينتظرها فيه.. ولا ما يراد بها.. تجد نفسها مطمعاً لكائناتٍ لم تسمع بها أو ترها قط.. ولا تجد إلا مذؤوباً يحميها، ويسعى لإنقاذها من كل ما يتهددها.. فما سبب قدومها لهذا العالم؟...