٧. التنين الأخير

61 3 1
                                    

لم يستغرق الصيادون بقيادة رئيسهم وقتاً طويلاً في الوصول للقرى المنكوبة بثورات التنين.. فمع انتصاف ذلك اليوم، وصلت ستة قوارب متوسطة الحجم تحمل على ظهرها عدداً من الصيادين لا يقل عن خمسة عشر بعدتهم وعتادهم.. وفور رسوّ قواربهم لضفة النهر قرب إحدى القرى، سارع تيدار للقفز من القارب والسير على الأرض الطينية التي لطخت حذاءه الجلدي، فيما أسرع الرجل الغريب يتبعه متقدماً إياه بعدة خطوات وهو يقوده لمنزل عمدة تلك القرية.. كان الخراب واضحاً في جوانب تلك القرية، بينما بدا عند الأفق دخان أسود دليل على حريق لم يتم إطفاؤه بعد..

هرع الغريب بقلق كبير وهو يقول "عليكم أن تسرعوا يا سيدي.. مع مغيب شمس كل يوم، فإن التنين يبدأ هجومه على القرى متخيراً قرية جديدة كل يوم.. ولا ندري إن كان سيهجم علينا هذه الليلة أم لا.."

قال تيدار بثقة "لا عليك يا هذا.. لن يحدث ذلك هذه المرة.."

زرعت ثقة رئيس الصيادين بعض التفاؤل في الرجل الغريب، فتقدم وهو يقود تلك الجماعة عبر طرقات القرية.. فعلق رئيس الصيادين وهو يتأمل جوانب القرية بابتسامة "يا لها من قرية جميلة وهادئة.. لقد أعجبني هدوؤها واتساع طرقاتها فيما يخالف ما نراه في مدينة الصيادين.."

لم يعلق الرجل الذي يقودهم لمنزل عمدة القرية، لكنه لم يملك التوتر الذي غزاه لهذا القول.. لم يكن الصيادون يتحلّون بطباع حسنة.. بل كانوا يثيرون الرعب والتوتر في كل موقع يحلون فيه.. كان إحضارهم سهلاً، لكن التخلص منهم بالغ الصعوبة.. فوجود مدينة كاملة تمتهن الصيد وتتقن فنوناً لا يتقنها غيرها من القتال يجعلها أشبه بكتيبة حربية تخيف كل من يفكر في مقاومتها.. فما الذي سيجري لو استطاب الرئيس البقاء في هذه القرية وقرر السيطرة عليها؟.. لن يتمكن رجال القرية كلهم من طرده منها، ولن يجدوا عوناً لهم من القرى الأخرى..

مشى تيدار بخطوات واسعة مهيمنة وسط طريق القرية وهو يجذب الأنظار إليه بشدة بضخامته وشكله الغريب، فيما دار تيدار ببصره حوله بثقة بالغة وهو يغمز بعينه لإحدى الفتيات التي كانت تراقبه مدهوشة.. فارتاعت الفتاة وهي تسرع للاختباء في منزلها، فيما علق أقرب رجال تيدار على ما جرى "لا يمكنك أن تتوقع ألا تفزع الفتيات لمرآك عندما تغمز لهن وأنت لا تملك إلا عيناً واحدة.."

قال تيدار بابتسامة "أتظن أنني أعبأ لخوفهن مني؟.."

استدار القروي إليهم في تلك اللحظة قائلاً "هذا هو منزل عمدة القرية.. وهو سيستقبل رئيس الصيادين فيه.."

لم يعترض بقية الصيادين وهم يتوزعون في الساحة القريبة من ذلك المنزل، فيما دلف تيدار خلف القروي وهو يحني رأسه ليتجاوز الباب المنخفض شيئاً ما مقارنة بطوله الفارع.. ثم وقف وسط المنزل يتأمله بشيء من الامتعاض الواضح.. كان المنزل رغم وضاعته، يبدو واسعاً ومريحاً بأثاث بسيط وغير مزدحم بالمعدات وآلات الصيد كما تكون منازل الصيادين.. ولم يتمكن تيدار من كبح نفسه عن إجراء مقارنة بين هذه القرية وتلك المدينة، وبين هذا المنزل وذاك..

طريق الأطيافحيث تعيش القصص. اكتشف الآن