استرخى جاد في غرفته البائسة بصمت غارقاً في أفكاره.. رغم استيقاظه مبكراً كما اعتاد، قبل وأثناء سجنه، فإن عمله لم يكن يبدأ فعلياً إلا بعد بعض الوقت.. لذا فضّل البقاء في غرفته والهواجس تدور في عقله دون هوادة، ويراوده تأنيب الضمير وتقريعٌ شديد اللهجة عن صحة القرار الذي اتخذه بإطاعة الكاهنة والانصياع لأوامرها.. أليست هي سبب دماره وخراب عالمه؟.. ألم يصبح منبوذاً مكروهاً يبغضه الجميع لأنه حاول أن يقيّم اعوجاجاً رآه في وجودها وسط هذه القلعة؟.. ما الذي يبغيه بعد كل هذا؟.. وكيف له أن يتناسى كل ما جرى لأجل حرية مزعومة؟..
قضى جاد اليومين الماضيين بهذه الحالة بين هواجسه وهو وحيد وبين شعوره العارم بالبغض والنار المستعرة في صدره كلما كان برفقة الكاهنة.. وبعد يومين فقط من حصوله على حريته، في وقت اشتدت هواجسه وتزايدت حتى ضاق صدره بها، وجد من يطرق بابه ويطلبه للمثول أمام الكاهنة.. كان الظلام مهيمناً بشدة، ولم ينبلج الصبح بعد.. لذا كان هذا الطلب غريباً وإن لم يتمكن جاد من رفضه.. فنهض بشيء من التثاقل وسار نحو موقع اللقاء المعتاد، وهو إحدى الغرف التي خصصها لها الملك في قصره.. وحالما دلف الغرفة، مكتفياً بطرقة سريعة ودخول بغير انتظار الإذن، وجدها تحدق من النافذة بتقطيبة رسمت على جبينها الصغير خطوطاً عميقة.. ولما وقف وسط الغرفة التفتت إليه وتأملته بصمت للحظات، ثم قالت أخيراً "يسعدني أن أرى الولاء الذي حظيتُ به منك في الأيام السابقة.. هذا شيء أدهشني وأثار إعجابي بشدة.."
لم يعلق جاد على قولها وهو يقف في مكانه ويرمقها بنظرة صامتة.. لم يكن يملك مزاجاً كافياً للرد عليها، وقد أعجزه الكره والحقد في صدره عن السخرية من قولها ففضّل التزام الصمت في الوقت الحالي..
دارت الكاهنة في الغرفة للحظات وهي تقرض أظافرها، ثم قالت وهي تجلس جانباً على كرسي وثير "أنا وأنت نعلم أننا لسنا بحاجة لأي مجاملات ومداهنات مما يمارسها أفراد هذه القلعة وهذا القصر عادة.. أنت تكرهني وتودّ قتلي، وأنا أدرك ذلك تمام الإدراك.."
ورفعت بصرها لجاد الذي اضطرها لمدّ عنقها لتقابل عيناه القاتمتان بكراهية واضحة، ثم أضافت "وأنا أريد استغلال كراهيتك هذه.. أريد استغلالها لما فيه صالحنا نحن الإثنان، وأرجو ألا تخالفني في ذلك.."
قال جاد أخيراً بصوت جامد "وما المصلحة المشتركة بيننا وأنا أتمنى قتلك فيما أنت لا ترغبين ذلك؟"
نظرت له بحزم قائلة "لن أرفض ذلك، لو كان الوقت ملائماً لتنفيذه.."
عقد جاد حاجبيه متطلعاً إليها باستياء، ثم قال "كلماتك الملتوية التي تنجح في خداع الآخرين عادة لن تفيد في خداعي.. ما هدفك من استدعائي والحديث معي على انفراد هذه المرة؟"
![](https://img.wattpad.com/cover/279691537-288-k781709.jpg)
أنت تقرأ
طريق الأطياف
Fantasyطفلة هاربة، تسلك طريقاً لم يسلكه البشر قط.. لتجد نفسها في عالمٍ لا تدري ما ينتظرها فيه.. ولا ما يراد بها.. تجد نفسها مطمعاً لكائناتٍ لم تسمع بها أو ترها قط.. ولا تجد إلا مذؤوباً يحميها، ويسعى لإنقاذها من كل ما يتهددها.. فما سبب قدومها لهذا العالم؟...