قضى إيار الساعات التالية في جانبٍ مرتفعٍ من تلك الجبال يذرف الدموع غزيرة دون أن يعبأ ببرودة الجو القارسة.. اختلطت مشاعر الحزن لمرأى التنين مقتولاً وقد نزف دماءه بغزارة في ذلك الكهف وحيداً، بمشاعر الأسى لما وصل إليه حاله هو.. كان التنين ينتظره.. وهو متأكد أنه قضى الليالي السابقة يبحث عنه بإلحاح، لكن طبيعته الشرسة لم تجعل له أي عقل للبحث بهدوء ودون إثارة الفوضى والدمار في كل مكان.. هل يمكنه أن يلومه؟.. لا.. قطعاً لا يستطيع ذلك..
والمشاعر الأخرى التي انتابت إيار بشدة هي مشاعر الحسرة لما آل إليه حاله.. لقد أضحى وحيداً في عالم لا يعيش فيه أي كائن منفرداً.. عالم لا يكاد يعرف عنه شيئاً، بسبب عزلته السابقة وبسبب صغر سنه، وأضافت ملاحقة الصيادين الشرسة له توجساً وخوفاً من هذا العالم.. فما الذي سيفعله بعدها؟.. هل يبقى هنا وحيداً لما بقي له من العمر؟.. كم سنة سيطول ذلك؟.. وكم تبلغ أعمار التنانين، لو كان بالإمكان تصنيفه منهم حقاً؟.. كلها أسئلة لم يجد لها أي إجابات، ونوعاً ما شعر بالسوء لتفكيره في حياته بعد ساعات قليلة من موت أخيه الذي يكنّ له حباً كبيراً لم يحبّ أحداً مثله قط.. لكن.... ما الذي بيده فعله بعد كل ما جرى؟..
مضت ساعات أخرى وإيار يجلس ساهماً يراقب الأفق والجبال القريبة، والضباب يتسلل بينها مدفوعاً بالرياح التي تتلاعب به.. وبعد أن شعر بضيق شديد لرؤية هذه الجبال التي تذكره جوانبها بأخيه وبالتنانين الذي عاش في حضنهم سني عمره كلها.. عندها عزم على مغادرة هذا المكان، وعندها تذكر سولينا التي تركها في بطن أحد الأودية وحيدة.. شعر بالذنب وهو يفكر بها.. لقد ساعدته للخلاص من ملاحقة الصيادين لجسد أخيه، وهي جريحة لم تكد تنال ما يكفي من الراحة لتستعيد قواها.. وهي فوق ذلك قد تخلّت عن مدينتها لإنقاذه سابقاً.. فما الذي قد تواجهه بهذه الحالة وسط هذه الجبال القاسية التي لا يدخلها إنسان عادة؟..
عندها، وجد نفسه مرغماً على العودة إلى الموضع الذي تركها فيه.. سيحملها حتى النهر القريب، والقرى الزراعية الملاصقة للجبال.. وهناك، يمكنها أن تتدبر أمرها وحيدة.. وعندها، يمكن لإيار اتخاذ أي قرار بشأن حياته، سواء أقرر العودة للجبال والانزواء فيها، أو قرر الرحيل لموضع آخر من هذا العالم..
خلال لحظات، كان إيار يقترب من المكان الذي ترك عنده سولينا، وبدت له بوضوح من ذلك الارتفاع وهي تجلس على صخرة لا تبعد الكثير عن موقعها السابق والتعب واضح من انحناء كتفيها.. حلق إيار بصمت نحوها، عندما جذب انتباهه أمرٌ آخر في جانب آخر من ذلك الوادي.. ففي تلك البقعة، حيث تنكشف الأشجار الكثيفة عن طريق ضيق يعبر الوادي، استطاع إيار أن يلمح فرقة الصيادين بقيادة ذلك الزعيم شرس الطباع وهم يقتربون من سولينا بخطوات سريعة..
أنت تقرأ
طريق الأطياف
Fantasyطفلة هاربة، تسلك طريقاً لم يسلكه البشر قط.. لتجد نفسها في عالمٍ لا تدري ما ينتظرها فيه.. ولا ما يراد بها.. تجد نفسها مطمعاً لكائناتٍ لم تسمع بها أو ترها قط.. ولا تجد إلا مذؤوباً يحميها، ويسعى لإنقاذها من كل ما يتهددها.. فما سبب قدومها لهذا العالم؟...