المذكرة رقم (18) : عابرون في كوكب عابر

49 3 0
                                    

‏”يقول: في نهاية المطاف، سوف تحصل على ما تريد.. لا يعرف أننا لم نعد نريد شيئًا أكثر من نهاية المطاف“ *


لا أعلم بماذا يمكنني أن أُسمى ما نحن فيه، تشعر أنك استيقظت فجاءةً وخرجت من كهفك لترى العالم؛ ولكنك لسوء حظك لا تتعرف على شيء، وتظن أنك فقدت الذاكرة لتسير باحثاً بين الوجوه مدققاً في معالم البشر، دون جدوى أو أثر، وتصطدم أثناء سعيك الحثيث لفهم ما يجري وما حل بالضمائر والنفوس بلوحة كبيرة كتب عليها ”الأخ الأكبر يراقبنا“ وتتوقف حينها لتستوعب ما يدور، تربط الأحداث وتحلل الأمور، لتكتشف في نهاية المطاف بأنك لم تعد على كوكب الأرض، بل أنك تورطت بطريقة ما ووقعت في الكوكبX  حيث الشر من يفوز ويحقق النصر.

لا أعلم متى نعود لكوكبنا، أو نستيقظ من هذا الكابوس لنقول بأنه: كان مجرد حلم.. لا أعلم صراحةً.

كل يوم أقول سينتهي هذا الهراء وغداً نسير في هزليتنا، وكأن شيئاً لم يكن؛ ولكن مع مضي الأيام يبدو أن هزليتنا هي التي لن تعد أو تكون، وسنستمر على الكوكبX حتى نسلم آخر نفس.

”وكأن شيئاً لم يكن
وكأن شيئاً لم يكن
جرح طفيف
في ذراع الحاضر العبثي
والتاريخ.. يسخر من ضحاياه
ومن أبطاله
يلقي عليهم نظرة ويمر“ *

وفي الكوكبX  لا حاجة لي بأن أقول لكم، ما هو بديهي ومتوقع، فبالتأكيد كل شيء يسير رأساً على عقب، الحقائق جهل.. والحقوق جرائم.. والتفكير ظلم..

والجميع مرمز بشيفرات كتلك التي تميز السلع عن بعضها؛ ولكن الجميع يتشابه في كونه سلعة، بتاريخ صلاحية مختوم على قفاه، والجميل في ذلك بأن السلع لا تَسأل فيما اُستهلكت وأين تُتلف، فقط تكمل دورتها في سلسلة حياة المنتج، تنسجم مع ما كتب على ظهرها، وتواري الحاويات لاحقاً في حبورٍ مطلق.

وبالتأكيد ليست كل السلع من نفس الفئة ولذلك ترى السكون والركود والتسليم المقزز بكل شيء، ممن يظنون أنهم ارتقوا إلى فئة أعلى من السلع _لمجرد أنهم يتصدرون الأرفف_ وماهم حقيقةً إلا أدوات تافهة ترضى بالفتات وتنزل على أقدامها إذا ما رمي لها منه.

لكن الحال ليس كذلك مع من تدار على ظهورهم الطواحين، هم ظاهرياً سلعة.. ربما.. ولكن رغماً عن إرادتهم، أوقعتهم الظروف في شرك العوالم المتلاحقة ليجدوا أنفسهم عبيداً على الكوكبX، لكنهم لا يتوانوا في التضحية لإيقاظ الـ'X-genes حتى لو كان ذلك يعني سلخ جلودهم عن أجسادهم وحمل أرواحهم على أكتافهم، في سبيل إيقاظ 'X-genes الكوكب المشؤوم من سباتهم، والمناضلون غالباً ما يكونوا ليسوا من السكان الأصليين، بل هم مجرد عابرون للزمن في تزامن عابر...

و الآن وبما أننا على ما يبدو لازلنا عالقون جميعاً في الكوكبX ، وبعد هذا السرد، فيسعدني أن أرحب بكم أصدقائي المناضلون العابرون، و أرحب بـالـ 'X-genes كذلك، فنحن في نفس المركب، مهما بدت اختلافاتنا جوهرية، فكلانا سلع في الكوكبX ، ولن يغير حالتنا هذه سوى الاستيقاظ من التنويم المغناطيسي، واستخدام ما يوجد داخل الكُرة التي نحملها فوق أكتافنا دون وجهة، إنها تدعى الجمجمة وما في داخلها يدعى العقل وفي رواية الدماغ، ولا أعرف صراحةً إذا كان الـ 'X-genes يدركون أهمية هذا الجزء من أجسادهم أو يعرفون طريقة استخدامه أم لا..

ولكن حتى حين يستيقظ الـ 'X-genes أو حتى مغادرتنا عن هذا الكوكب _أيهم أقرب_ فمعي لكم اليوم قصة...

في مجاهيل إريس البعيد البعيد وخارج حسابات الزمكان كان هناك ثلةٌ من سكان إريس البِيض ودهماءٌ من سكان إريس الخُضر، وكان هناك قانون موحد ودستور بالعدل عامر، وحسب الأقاويل فإن الدستور موجود قبل وجود الإريسيين _على اختلافهم_ ولكن ولأنه لم يسأل أحداً يوماً عن من أوجد الدستور؟ ومن له الحق في تعديله؟ ولأن الدهماء الخُضر مشغولون بتسيير شؤون حياتهم اليومية العادية، ولأن ثلة البِيض _فاضية أشغال_ فقد قام أحد البِيض باختلاق فكرة أنهم من أسس إريس، ولأن لا أحد من الخُضر أكترث، فقد دس البِيض هذه الفكرة في الدستور لتصبح قانوناً ملزم، ولأن الخُضر لم يتنبهوا للدستور يوماً فقد أصبح البِيض أصحاب الأرض والدستور، ولأنه لم يهتم الخُضر، زاد البِيض على ذلك بأنهم وحدهم من لهم أحقية تعديل الدستور وسن قوانينه، ولأن الخُضر لم يفهموا المغزى شرع البِيض بإعادة تسمية الخُضر وفق التسلسل الرقمي، ولأن ذلك لم يعني الخُضر في شيء، ربط البِيض مصالح الخُضر بأرقام التسلسل، ولأن الخُضر تحولوا إلى أرقام سن البِيض قانوناً بإلغاء الأرقام المشؤومة وفق رؤيتهم، ولأن الأرقام جمادات بالمطلق، فقد تم محوها من السجلات.

ليتم لاحقاً إعادة ضبط إريس من جديد.. لكن وفجأة لم يبق على ظهر إريس أحد.

نهاية القصة..


ونحن لم ننتهي من كابوسنا بعد.. والذي يلوح لنا بشره في كل حين..

لكننا سنحاربه للأبد...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

”حتى تحترق النجوم
وحتى تفنى العوالم
حتى تتصادم الكواكب،
وتذبل الشموس
وحتى ينطفئ القمر،
وتجف البِحار والأنهار..“ *

مذكرات اخصائية اجتماعيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن