المذكرة رقم (10) : هذه الأيام سوف تمضي

70 3 0
                                    

"الشمس لا تشرق فى اليوم مرتين.. والحياة لا تعطى مرتين.. فلتتشبث بقوة ببقايا حياتك ولتنقذها!"
*أنطون تشيخوف

أتعجب من ذاتي دائماً وأبداً، في كل مرة أواجه فيها موقفاً كان في ذهني مستحيلاً وأتجاوزه، ولا أرى في ذلك شئناً شخصياً، بل طبيعة بشرية جُبل عليها كل إنسان منذ بدء الخليقة ولا زال، نحن لازلنا نتأقلم ونتكيف في كل يوم مع كل ما كان سابقاً ضرباً من خيال، نعيد صياغة مفاهيمنا للأحداث والمواقف وسبل التعايش دون سأم، نستيقظ كل صباح برغبة في العيش أو بدونها نضع أقنعتنا ونفتح صدورنا لأوجاع الحياة بكل حب.

ببساطة هكذا نفعل.. وهكذا نحن.. كائناتٌ هشةٌ سهلة التشكيل تحت أي ظرف، سهلة الانقياد وقابلة للكسر، تعصف بنا الريح من كل جانب وتعيد توجيه دفتنا في كل مرة، وفي كل مرة نعاود المضي بذات الزخم، لا نعلم ما الذي ينتظرنا لكننا نمضي لأننا حين نمضي نُعادي الفشل، نظن أننا لا نقوى على الصمود لكننا نصمد أمام كل خطبٍ جلل، وهكذا تمضي أيامنا في هذه الحياة..

انقضت 3 أشهر ونيف حتى الآن منذ بدء أزمة كورونا وتبعاتها في البلاد وفي سائر العالم، ولأن عجلة الحياة لابد أن تعود عادت الأنشطة الحياتية إلى سابق عهدها وذلك مع تخفيض الإجراءات الاحترازية وتضييق نطاقها؛ كل هذا يحدث الآن في حين أن الحالات في تزايد ولا يوجد بادرة أمل في القريب العاجل لاكتشاف لقاح أو نحوه، المضحك أن الناس عادت لممارساتها الحياتية دون أدنى توخي للحذر، وكأن الخطر زال تماماً، وكأنهم في ذلك يتوخون الحذر من قرارات الحكومة وليس من المرض نفسه!

الفترة الماضية وفي مجال عملي عندما كان انتشار الفايروس _كما كان يقال_ في ذروته لم أرى التكدس والزيادة في عدد المرضى والمراجعين كما يحدث الآن، وعلى الرغم من زيادة الحالات الآن ومع تخفيف الإجراءات تجد الكل يتصرف كما لو كان مفهوم التعايش هو أن نجعل الفايروس فرداً من أفراد المجتمع ونساعده في الاندماج معنا!

ووسط كل هذا الارتباك لا يزال أصدقائي الأخصائيون الاجتماعيون من العالم الموازي يمارسون ثرثراتهم في توافه الأمور، يضعون العراقيل لبعضهم البعض، يجّدون في البحث عن ما يجعل إحصائياتهم أكثر ديناميكية ولو على سبيل الكذب، يلقون بثقلهم على المجتهدين ليرتاح الكُسالى ويتخفف القسم من عبئهم، كل ذلك في عالمهم الموازي _الذي لا يراه أحد بطبيعة الحال_ خارجاً من خارطة حسابات المستشفى وأهدافه وجهوده، ومنكفئاً على ذاته وصراعاته التي لا يحفل بها أحد، لكن عزائي كفرد من هذا العالم الموازي بأني بشري قابلٌ للتكيف، ولدّي القدرة على التحمل والتخفف من همومي الثقّال، وسأمضي على أية حال.. وهذه الأيام أيضاً سوف تمضي.

"تضِيقُ بِنَا الأرضُ أَو لا تضِيقُ..
سنقطعُ هذا الطَّريقَ الطَويلْ
إلَى آخر القْوْس..
فلتتوتَّرْ خُطَانا سِهاماً..
أَكُنَا هنا منذُ وقتٍ قليلْ.!؟
وعمَا قليلٍ سنَبلغُ سهمَ الِبدايِةِ..
دَارت بِنَا الرِّيحُ دارتْ، فَمَاذا تقُولْ؟
أَقُولُ: سأَقطَعُ هَذا الطَّريقَ الطَّويلَ..
إِلَى آخِرِي.. وإلى آخِرِه.."

*محمود درويش.

مذكرات اخصائية اجتماعيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن