المذكرة رقم (21) : عيد ميلاد جرحي أنا

59 3 3
                                    


"يصبح صوتك أعمق كلما تقدم بك العمر لأنّك ابتلعتَ الكثير من الكلمات، ودَفنت تحت حنجرتك قصصاً لا يعرفها أحد".. *

ومضى العمر..
ولم يعد لحساب السنوات أي معنى،

كنت أتوقع أن تكون ثلاثينياتي حافلة بالإنجازات، مليئة بالتحديات، ومحفزة للإبداعات؛ ولكن وعلى العكس تماماً اصطدمت برصيف الخيبات المهترئ.

لقد كانت سنة أقل ما يمكنني وصفها به سنة "التوتر والقلق"، مع الكثير من القهر والبكاء المرير، كانت سنة تحطمت خلالها كل المُثل والقيم العليا التي عهدناها، كانت سنة القرف من كل شيء، كانت سنة "المرار الطافح".

خلال سنة خلت سقطت أقنعة كثيرة، وفقدت وجوه كثيرة هيبتها، ولا أرى في ذلك ضير، بل على العكس تماماً، كان لزاماً علينا أن نحطم أصنام الجهل ونزيل هالة القداسة الزائفة عمن لا يستحق.

أنا اعتبر سنتي المنصرمة سنة الاستيقاظ من الغيبوبة، والإفاقة من الغفلة، وعلى الرغم من الثمن الباهظ الذي أدفعه حالياً وسأستمر في دفعه نظير المعرفة والنضج؛ لكنه لا يعد ذا أهمية إذا ما قورن بثمن الغفلة والجهل، والذي قد اضطر إلى تسديده لاحقاً بالدم.

أياً كان، فقد ذهبت سنة من بداية عقدي الثالث في سلسلة من محاولات الهروب والكر والفر، والصراعات التي لا تفيد أحداً، وكما هو معروف ومسلم به، فإن كل سنة تنقضي على قاطني الأرض هي أفضل من أختها، وكل سنة قادمة قطعاً هي أسوأ من أختها.

الأمر ليس له علاقة بالسلبية والإيجابية، وكلام أصحاب تنمية الذات الأجوف، ببساطة إنها حقيقة سيرنا إلى نهاية العالم، لن نصل إلى يوم القيامة بسيرنا على طريق مفروش بالورد.. وإلا من ذا الذي سيقف شاهداً على علامته الصغرى والكبرى!؟

عموماً لقد تقلصت قائمة أمنياتي في هذه الهزلية إلى أبسط ما يمكن، جُل ما اتمناه هو الستر والسلامة وحسن الخاتمة عند انقضاء أجلي، فيما عدا ذلك لا شيء من أمور هذه الهزلية يشغل بالي، فقد علمتني سنتي الفارطة أن لا أسرف في الحلم وأن لا أثق بوعي الناس ولا بحكمتهم وإدراكهم، حيث شاهدت بأم عيني كيف يساق أغلبهم طوعاً سوق القطيع المطيع، وكيف يوافق أحدهم على ما لا يطيق فقط لأنه أمرٌ مفروض، بل ويطبقه على من هم دونه بذات المنطق السقيم..! وكيف أصبح اللامنطقي هو الواقع، "والواقعي هو الخيالي الأكيد" وذهب المنطق والتصرف السليم أدارج الرياح، لأن أغلبنا أصبح يثق بما يُملى عليه ويكذب نفسه وحدسه، وقد تصبح في نظرهم مجنون وأبله إذا خرجت عن دائرة الدروشة والعته خاصتهم واستخدمت ما يمليه عليك عقلك وضميرك، لقد تأكدت تماماً من زيف ما يدعى"حقوق الإنسان" ولو كنت شجرة لكنت بلا جدال أفضل حالاً من أي إنسان على وجه البسيطة، وبطبيعة الحال لا استبعد ظهور الدجال على حين غره عطفاً على ما سبق.

وحتى ذلك الحين سأستمر في سعيي، في وعيي، في جهادي المستمر ضد الغفلة والسطحية والرضا بالعبودية، ضد تشييء الإنسان وتقويض إرادته، ضد القهر والظلم، ضد قانون علية القوم.

"أقول قولي هذا واستغفر الله العلي العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم"

مذكرات اخصائية اجتماعيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن